في الفترة التي تسبق الانتخابات التمهيدية للحزب «الجمهوري» لعام 2024، من الواضح أن الحزب لم يعد موجودا، سواء كهيئة تمثل أعضاءه ومرشحيه وتنظمهم وتسيطر عليهم، أو ككيان لصنع السياسات يُشكل أفكارا يتجمع حولها «الجمهوريون».
فالحزب القديم الكبير (الجمهوري) لم يعد حزب الرؤساء السابقين أيزنهاور، أو نيكسون، أو ريجان، أو جورج بوش الأب أو حتى جورج بوش الابن. وحاملو راية «الجمهوريين» هؤلاء يستنكرون، ولن يجدوا مكانا لهم في حزب اليوم. وللمرء أن يلوم دونالد
ترامب على فقدان الحزب السيطرة على عملياته، وأيديولوجيته، وحتى «علامته التجارية». صحيح أن ترامب يتحمل بعض المسؤولية عن اضمحلال الحزب «الجمهوري»، لكن المشكلات التي تشوه السياسة الأمريكية أخطر بكثير.
وقبل أن نتعمق أكثر، دعونا نلقي نظرة على الدور الذي يؤديه ترامب في الإضرار بالحزب «الجمهوري». فقد كشفت المناظرة في حملة الانتخابات التمهيدية للحزب «الجمهوري» الأسبوع الماضي عن خسارة الحزب للسيطرة. وفي إطار التحضير لتلك المناظرة الأولى، وضع الحزب قواعده الخاصة بالمرشحين الذين يسعون إلى الانضمام إليها.
فيتعين على المشاركين المحتملين الحصول على واحد بالمئة على الأقل من التأييد في عدد من استطلاعات الرأي على مستوى البلاد أو على مستوى الولايات، وأن يكون لديهم عدد محدد من المانحين للحملة يبلغ على الأقل أربعين ألفا من 20 ولاية مختلفة. قد تبدو هذه القواعد متعسفة، لكنها ضرورية، خاصة في السنوات التي تشهد وفرة من المرشحين ومع سعي الحزب إلى تصفية الميدان لصالح المرشحين «الجادين» القادرين على المنافسة فحسب في مرحلة المناظرات. ومع ذلك، هناك قاعدة إضافية طرحها الحزب، تسلط الضوء على انكسار الحزب «الجمهوري».
فمن أجل الانضمام إلى المناظرة، كان على المرشحين المؤهلين أن يتعهدوا بأنهم سيؤيدون المرشح «الجمهوري» الفائز في المرحلة التمهيدية. لكن ترامب وجد هذا غير مقبول ورفض هذا المبدأ؛ بحجة أنه لا يرى ضرورة لمنح منافسيه فرصة لمهاجمته؛ لأنه متقدم حتى الآن في جميع استطلاعات الرأي على المستوى الوطني وعلى مستوى الولايات. واتخذ ترامب الموقف نفسه في عام 2015، لكنه تراجع في النهاية، مضيفا أنه لم يتخذ موقفه هذا إلا لأنه كان متأكدا من أنه سيكون مرشح الحزب. وهذه المرة، سلك ترامب مسارا مختلفا وأكثر تحديا؛ لقد قاطع كلتا المناظرتين اللتين يقرهما الحزب «الجمهوري» على تلفزيون فوكس، وأنشأ برنامجا مقابلا خاصا به، تمثل في مقابلة مع «تاكر كارلسون» مذيع تلفزيون «فوكس»، الذي تم فصلة في الآونة الأخيرة. وبث البرنامج على وسائل التواصل الاجتماعي تزامنيا مع المناظرة التي يجيزها الحزب «الجمهوري».
ومن الصعب إجراء مقارنات مباشرة بين مشاهدات وسائل التواصل الاجتماعي وتقييمات التلفزيون، لكن مناظرة الحزب «الجمهوري» على قناة «فوكس» شاهدها 11.8 مليون شخص، أي نصف الجمهور في المناظرة التمهيدية الأولى للحزب «الجمهوري» في عام 2016. وخلال الفترة الزمنية نفسها، حصلت مقابلة ترامب-كارلسون على 73 مليون مشاهدة. وعلى الرغم من أنه من غير المؤكد عدد «المشاهدات» التي استمرت أكثر من بضع ثوان، فمن الواضح أن ترامب استغل لصالحه الحزب الذي لم يتمكن من التحكم في سلوك المرشح. ورغم أنه لم يكن على خشبة المسرح ونادرا ما ورد اسمه، كان ترامب يلوح في الأفق. وقد شبه أحد المراقبين السياسيين المرشحين الثمانية بـ «مائدة الأطفال في عشاء عيد الشكر». وقارن آخر غياب حضور ترامب بالعدو اللدود لهاري بوتر، فولدمورت الذي كان موجودا دائما، لدرجة أن نطق اسمه كان يشكل تهديدا خطيرا.
وحين تجرأ مرشحان شجاعان - وكلاهما حاكمان بارعان - على إدانة تصرفات ترامب في السادس من كانون الثاني/ يناير 2021، أطلق الجمهور صيحات استهجان بصوت مرتفع. فهناك عدد كبير من قيادات الحزب «الجمهوري» لا يريدون أن يكون ترامب مرشحهم، ولم يريدوا ذلك في عام 2016. فشعبويته المتشددة تنتهك مبادئ «المحافظين». وخطابه المثير للانقسام والعنيف في بعض الأحيان مثير للقلق. ومن المثير للقلق أنه قد يقضي معظم العام المقبل في المحكمة في مواجهة لوائح اتهامات متعددة. بالإضافة إلى ذلك، لن يلتزم ترامب بقواعد الحزب. لكن ليس بوسعهم شيء يمكنهم القيام به.
وتظهر استطلاعات الرأي أن غالبية «الجمهوريين» ما زالوا يدعمون ترامب، ولن يصوتوا لصالحه فحسب، بل سيظلون أيضا متمسكين بخيالاته الكثيرة، بدءا من النظرية التي مفادها أن أوباما لم يولد في الولايات المتحدة وكان مسلما، إلى الادعاءات بأن انتخابات عام 2020 قد سُرقت، وإن جو بايدن ليس رئيسا شرعيا، وأن السادس من يناير (كانون الثاني)، كان احتجاجا سلميا؛ فقد أظهر استطلاع للرأي أجري في الآونة الأخيرة بين ناخبي ترامب أن 71 بالمئة يصدقونه أكثر مما يصدقون أفراد أسرهم، وغيره من القادة السياسيين، ووسائل الإعلام.
وربما لا يريده قادة الحزب، لكن نطاق ما يمكنهم فعله حيال ذلك محدود؛ لأنهم إذا تجاوزوا هذا الحد سيقصون جزءا كبيرا من ناخبي الحزب. ولا يستطيع الحزب السيطرة على ترامب أو ناخبيه. ومع وجود منصات التواصل الاجتماعي البديلة، يتمتع ترامب بقدرة انتشار أكبر من الحزب وأكبر من فوكس نيوز التي كانت من أنصاره ذات يوم.
(الاتحاد الإماراتية)