أستاذ كبير وبطل العالم في
الشطرنج وكاتب وناشط سياسي، يعتبره بعض الخبراء أعظم لاعب شطرنج في التاريخ. ويعد من عباقرة العالم بنسبة ذكاء تبلغ 190.
خاض أول تنافس مع الكمبيوتر، وتحدى طويلا الحاسوب "ديب بلو" المطور من "آي بي أم" نهاية تسعينيات القرن الماضي، وهو ما يعتبر التمهيد لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وكان الفوز في هذه اللعبة لصالح الآلة في مواجهة الذكاء البشري.
من المعارضين القدامى للرئيس الروسي فلاديمير
بوتين رغم إعجابه به في البدايات.
غاري
كاسباروف المولود عام 1963 بمدينة باكو بجمهورية أذربيجان السوفييتية الاشتراكية (الاتحاد السوفييتي سابقا) تحت اسم غاريك كيموفيتش وينشتاين، ثم غيرته أمه بعد وفاة والده إلى لقبها العائلي كاسباروف، كان والده مهندسا يهودي الأصل ووالدته مهندسة ذات أصول أرمينية.
وكان كاسباروف يعرف نفسه بأنه مسيحي، على الرغم من أنه "غير مبال جدا للدين".
عرف بنبوغه وذكائه وحبه للمعرفة والقراءة منذ صغره. وكان يمتلك قدرة عجيبة على حل المسائل الصعبة في الرياضيات والجبر.. لذلك نصح معلمه بأن يتخصص في علم الرياضيات لكن والدته رفضت وكانت رغبتها أن يدرس الأدب والشعر.
تعلم الشطرنج في فترة مبكرة جدا من حياته بمشاهدة والديه يقومان بحل ألغاز الشطرنج، فالتحق بمدرسة لاعب الشطرنج الشهير ميخائيل بوتفنيك وهو في سن العاشرة، وتتلمذ على يد اللاعب الأسطورة فلاديمير ماكوغونوف.
حقق نصره المدوي الأول في عام 1976 حين فاز ببطولة الاتحاد السوفييتي للناشئين وعمره 13 عاما، وكرر الإنجاز ذاته العام التالي، وفي 1978 حصل على لقب أستاذ شطرنج بعد فوزه ببطولة في مينسك.
وحين فاز ببطولة العالم للناشئين عام 1980 بمدينة دورتموند الألمانية حصل على لقب أستاذ كبير، ثم فاز ببطولة الاتحاد السوفييتي للشطرنج، وأصبح أصغر لاعب في التاريخ يصبح بطل العالم في الشطرنج حين فاز على بطل العالم آنذاك الأسطورة الموازية له أناطولي كاربوف وعمره 22 عاما .
وفاز بأولمبياد الشطرنج 8 مرات في عهد الاتحاد السوفييتي ثم روسيا .
وضمن أرقامه القياسية حصل على 11 أوسكار شطرنج، وتصدر ترتيب الاتحاد الدولي للشطرنج ما بين عامي 1986 و2005 حيث أعلن تقاعده للتفرغ للسياسة والكتابة، وصنف الأول في العالم لمدة 225 شهرا من أصل 228 من مسيرته الاحترافية، وكان أول لاعب يسجل رقم 2851 في الشطرنج والذي صمد نحو 13 عاما حتى حطمه اللاعب النرويجي ماغنوس كارلسون الذي أصبح مدربا له فيما بعد .
وجمع كاسباروف في كتاب نشرته شركة متخصصة في الأمن السيبراني قصصا امتدت على أكثر من خمس سنوات بشأن التوازن الهش بين الابتكارات التقنية المستمرة واحترام الحريات في زمن التكنولوجيا الرقمية، منتقدا في الوقت نفسه "الانتشار المتنامي للأخبار الكاذبة".
وعندما انتخب بوتين رئيسا لروسيا فقد تعاطف معه كاسباروف، وكان يعتقد أن رئيس الدولة الجديد سيكون قادرا على رفع البلاد وجعلها ديمقراطية، لكنه سرعان ما أصيب بخيبة أمل من الرئيس، وأصبح أحد معارضيه ومنتقديه.
وأسس حركة سياسية أطلق عليها اسم "الجبهة المدنية الموحدة" وانضم إلى تحالف معارض للرئيس بوتين يسمى "روسيا الأخرى".
وفي عام 2008 أعلن ترشحه لرئاسة روسيا لكنه اضطر للانسحاب لعدم استيفائه للعدد المطلوب من الأصوات للترشح. فأسس "حركة التضامن الاجتماعي والسياسي" المعارضة. وعمل على تنظيم الاحتجاجات للمطالبة بإقالة الرئيس، ومع ذلك لم تلق أفكاره دعما لافتا من المواطنين الروس.
وحدثت القطيعة بينه وبين بلاده حين أعلن في عام 2013 أنه لن يعود إلى روسيا من الخارج لأنه يريد محاربة "مجرمي الكرملين على المستوى الدولي"، بحسب قوله.
في العام التالي أدان كاسباروف ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ودعا الروس إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية في بلاده.
وحين كانت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة على أشدها فإنه حذر مؤيدي دونالد ترامب في حملته الانتخابية عام 2016 من أن بوتين "ليس حليفا لكم مهما كان". قائلا: "أريد لمؤيدي ترامب أن يعرفوا أن بوتين ليس حليفا لهم، وأنه سيبقى عدوكم حالما تنتهي الانتخابات".
ومنذ ذلك الوقت أصبح كاسبروف من أشد رموز المعارضة عداء للكرملين، وحاليا يشغل منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة حقوق الإنسان ويرأس مجالسها الاستشارية الدولية.
وانتقد كاسباروف، الذي سبق له أن اعتقل من قبل حكومة بوتين، بشدة الغزو الروسي لأوكرانيا، واصفا بوتين بـ"الديكتاتور". وطالب القوى العالمية ببذل المزيد من الجهد لوقف ما يحدث في أوكرانيا، واصفا رد الفعل الغربي للغزو بأنه مجرد "هراء وتغمغم".
وقال: "وطالما أنه (بوتين) يسيطر على مئات المليارات من الدولارات ويبدو أنه لا يقهر بالنسبة لأصدقائه المقربين في روسيا، فلا أعتقد أن أي احتجاج في الشوارع الروسية سيغير أي شيء".
ورأى أن "الشرط المسبق لإحداث تحول ديمقراطي في روسيا هو إنزال أوكرانيا الهزيمة بموسكو في الحرب".
وعلى وقع مواقفه هذه، فقد أدرجت وزارة العدل الروسية في عام 2022 كاسباروف ورجل الأعمال ميخائيل خودوركوفسكي في لائحة "العملاء الأجانب".
وهذا التصنيف الذي يذكر بتسمية "أعداء الشعب" إبان الحقبة السوفييتية، يستخدم في روسيا ضد المعارضين والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان المتهمين بأنشطة سياسية ممولة من الخارج.
ولا يزال الكثيرون يعتقدون أن رحيل كاسباروف عن رقعة الشطرنج كان سابقا لأوانه، وأنه يمكنه حاليا استعادة تاج الشطرنج. ومع ذلك، فقد قرر كاسباروف تغيير حياته بشكل جذري ونهائي والانخراط في السياسة.
ورغم أن أنشطته المعارضة للحكومة لم تجلب له الكثير من الدعم بين مواطني روسيا، إلا أنه لا يزال أسطورة شطرنج معاصرة تلهم الكثيرين من محبي لعبة الخطط والتركيز والذكاء والصبر.