الحرية
والدعاة
أن تنادي بالحرية
فهذا لا يعني أنك تفهم ما تنادي به أو أنك تعلن قدرتك على تحمل مسؤولية حريتك، لذا
فمعظم منتقدي التغيير والإصلاح مستلذون بالعبودية وانتقادهم للعبودية نفسها، ليسوا
جادين بكرهها بل هم إلى ملاطفة القيد أقرب لأنها ترفع عنهم مسؤولية فشلهم، كذلك
الطغاة أنفسهم والهادفون إلى أطماع سوداء يهمهم تعطيل أولي الحصافة؛ فهؤلاء يشكلون
بارتقائهم عملاقا ماردا ولو كانوا هزيلي الجسم لا يجيدون تصويب بندقية صيد
ليصطادوا أرنبا أو ليقتلوا أسدا، ولكن بالمقابل لن يخيف الطغاة من يحمل السلاح وهو
يصوب بعيون تتصل بدماغ لا يعمل إلا في طلب حاجاته وغرائزه كأي من خلق الله.
الشريعة والحياة
إن حق الحياة
يوجب تمام الأهلية، وهي الحرية المدعومة تكريم الخالق
لخلقه وتوجيه الحياة من الاستعباد للشهوات رغم أهمية سدها كحاجات وإشباعها كغرائز/
لكن وفق ما تمليه معايير الأخلاق والشريعة. وهنا لا بد من لفت النظر إلى أن
الشريعة هي شريعة الكتاب التي هي مثان وثوابت، وليست الشريعة المصطلح عليها في
اليهودية، فالمنزل في اليهودية هي الوصايا وكانت دفعة واحدة أما الأحكام فهي أتت
من المسيرة لبني إسرائيل واعتبرت شريعة ثبتت عندها الحياة فلا تصلح لزمان آخر.
وهذا ما يجعل
الباحثين يخطئون في توصيف
الاجتهاد على أنه شريعة في الإسلام وهو ليس كذلك وإنما
قراءة من علماء عصر لعصرهم، لأن شريعة الإسلام في القرآن، وأن المثاني هي آلية
تكييفها لتكون صالحة عبر الزمكان، فقد تكون متباينة وفق المكان في زمان واحد وهي
بالتأكيد متباينة وفق الزمان في كل مكان، فهي اجتهاد آدمي من
النص الإلهي. هذا
الفهم يجعلنا ننظر بعمق إلى التراث وما يمكن أن نفيد منه لأنه ما خلا النص فهو
اجتهاد بشري يؤخذ منه أو لا يؤخذ لأنه قد يكون ناجحا في عصره وزمنه لكن لا يناسب
عصرنا وزمننا وتقييد ذلك سيؤدي إلى تحجيم فاعلية المثاني، فلا بد أن نعود إلى
استقراء الواقع لاستنباط ما يفيد هذا الواقع بدل نقل تجارب أقوام أخرى وإسقاط سلبيات
تاريخهم على واقعنا الذي لم يمر بذات الدورة التاريخية.
القوانين قراءة العصر للنص
إن نقلنا من عصور
أخرى ما فهمه السلف الصالح وهو فهم لعصرهم، فإننا نأتي بقالب على واقع تغير ولم
تعد مخرجات فهمهم إلا منبع تصادم إن لم نستعن بها لفهم جديد، في ذات الوقت قد يُتهم
المصلحون بالنفاق فما فوقه إن نُقل الفهم القديم على واقع ليس له صلة به، بل إن الإصرار
على هذا هو تبديد لفرص نهضة إسلامية جديدة عندما نصر أن نستدعي الماضي بأحكامه
وتفسيراته ومشاكله بل بأحداثه التاريخية ومعالجات السلف لعادات وتقاليد قبلية
جاهلية.
الطغيان ليس
طغيان الحاكم فقط وإنما طغيان من يتمسك بأحادية النظرة ويقدس التراث البشري
ويساويه بكلام الله وأشخاصه بالأنبياء. الطغيان أن يتعالى الجهل فتعيش بمشاكل التاريخ
وتتغلف بالتخلف والتدني القيمي والسلوكي بحيث تنتقص من الآدمية، الطغيان أن تسود
قاعدة ولاية المتغلب وهي مخالفة للشورى وإنما تماهت عند فقهاء عصرهم لسد ضعف
وتهاوي حكم الملوك كما فعل الفرّاء والماوردي في كتب بعضها لا تكاد تميز من هو المؤلف،
وهكذا أعقبهم البقية من العلماء وبأشكال كل بحسب ظرفه، فمن ولاية قريش إلى تغلب
كما تغلب الأمويين إلى ولاية الشوكة وولاية المتغلب عسكريا لتسويغ التغلب كحل
لفتنة نعيشها اليوم بأبشع صورها. وهنا تصبح الشورى وأهلية الناس أماني، كذلك
المواطن نفسه يستسيغ أن لا دور له في إقلاق حياته، كل ما يتطلب منه أن يغلق تجارته
إلى أن يستقر الأمر فيخرج إليها وكأن لا شيء حصل، أما اليوم فيهرب برأس ماله وأهله
إلى حيث يستأنف حياته كيفما يحب فلا استقرار ولا دولة.
هذا الأمر أثلم الإسلام
والأديان التي تعيش معه، فقد أصبح لا شيء يهم، ورضا بعبودية المتغلب على حرية تضعك
أمام تضحية مطلوبة لاستقرار الحياة والمشاركة في بناء مدنية تتسارع وتطغى أيضا لأنها
لا تقاد بعقلية حضارية لا يفهمها أهلها، وهم في تيه عنها فتاه العالم نتيجة هذا
التخلي والكسل ومقاومة النخب والمنظومات العقلية المنتجة، فكان واقعنا نحن يقوده
الانطباع الذي ولّدته تسميات الانتساب إلى الإسلام، في حين لم يسم الرسول دولته
باسم الإسلام ولا الصحابة فعلوا ولا الأمويون ولا غيرهم من الملوك والسلاطين.
ما المغزى
من هذا الكلام؟
* أننا
في حالة انحدار حضاري وتخلف مدني كما الغرب في غياب حضاري فكري وأن القيمة الوحيدة
عند الغرب هي النفعية التي تولد تطبع السلوكية، ونحن نرى كيف تتهاوى المدنية كنمط مع
تداعي الأسس التي لم تعد قادرة على حمايتها، فالكل إذن في منظومة تنمية التخلف
العالمية.
* أن
هنالك جهازا معرفيا يحتاج إلى إصلاح، به تراكمات وزوايا تخرج للواقع عناكب من نوع
الأم الحنون.
*
أن هنالك جهازا معرفيا في الغرب مليء بالمغالطات والانطباعات حول الإسلام ويقيسه
بمن ينتمون للإسلام في الهوية الشخصية ومنطق التحشيد المتوارث عن الحروب الصليبية.
*
هذه الأمور المهمة تحتاج إلى دعم لإنشاء مراكز للدراسات تنتج أدبيات وتقيم محاضرات
وتنتج برامج وأفلاما وبلغات متعددة، فالعالم متقارب والظلم من القوي للضعيف أضحى
سلوكا، وهذا يقع على الدول المتمكنة ماديا من بلاد المسلمين، فالإسلام وإن تمكن
قوة فطريق انتشاره ليس كما في السابق وإنما فهمه عن طريق إدارة الميديا بحصافة
لنعيش جميعا بسلام نفهم بعضنا، فليس بالضرورة أن نكون متجاوزين المنطق القرآني
الذي يقول إن المؤمنين أقلية وأن الاختلاف من سنن الكون، وكذلك التعارف والأمران
ليس واحدا فالتعارف بين المختلفين رحمة، والتطابق التام سلبا أو إيجابا هو من معالم
انتهاء الحياة ونحن نرى الغليان، آملين أن لا يكون الانفجار العظيم.