قضايا وآراء

أرادت إسرائيل باقتحام جنين جني الثمار وتحصيل المكاسب.. فوجدتها أرضا موحلة!

طه الشريف
ماذا حقق الاحتلال من اقتحام جنين؟- جيتي
ماذا حقق الاحتلال من اقتحام جنين؟- جيتي
شهد مخيم "جنين" للاجئين الفلسطينيين (يتجاوز عدد سكانه 15 ألف نسمة في مساحة لا تزيد عن نصف كيلو متر مربع) والواقع في شمال الضفة والمطل على غور الأردن، يوم 3 تموز/ يوليو، أكبر عملية اقتحام لقوات الاحتلال الإسرائيلي خلال عقدين من الزمان، في عملية أطلق عليها الصهاينة اسم "المنزل والحديقة"، ولقد اعتاد الاحتلال الاشتباك مع المخيم واقتحامه منذ نيسان/ أبريل لعام 2002.

وتحسبُ إسرائيل للمخيم حسابا كبيرا خاصة مع الظهور القوي لـ"كتيبة جنين" منذ نشأتها في أيلول/ سبتمبر عام 2021 نتيجة لعدة عوامل؛ أبرزها عملية نفق الحرية (واقعة هروب 6 من الأسرى الفلسطينيين من سجن جلبوع وإعادة اعتقالهم مرة أخرى) بعدها بأيام قليلة، وقبلها انطلاق معركة سيف القدس انتصارا للأقصى، في أيار/ مايو من نفس العام..

وتطلق إسرائيل على المخيم اسم عش الدبابير، وينعته المحلل الفلسطيني "إبراهيم المدهون" بالبندقية التي لا تسكت! ووصفه الإعلام الصهيوني بالتهديد الخطير، وأن مواجهته أولوية استراتيجية في الدفاع عن أمن إسرائيل، ولقد اغتيلت على مداخله صحفية الجزيرة "شيرين أبو عاقلة" قبل أكثر من عام.

و"كتيبة جنين" لها اليد العليا داخل المخيم وهي خليط من الشباب المنتمي لعدد من حركات المقاومة الفلسطينية، وهي كذلك صاحبة النهج المعلن والقائل بعدم ترك البندقية تحت أي ظرف، وتوجيهها نحو الاحتلال ومستوطنيه ومن يساندهم من العملاء فقط! وأن هذه البندقية لن تطلق رصاصة في الهواء. وقد أجرت قناة الجزيرة من قبل تحقيقاً عبر برنامجها "ما خفي أعظم" حول استخدام "كتيبة جنين" لقنابل بدائية وصدادات شوكية وعوائق حديدية في شوارع وأزقّة المخيم، لمنع تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلي.

إذن ما الذي أرادته إسرائيل بمعركتها الأخيرة مع مخيم جنين وكيف كانت النتيجة؟!

في البداية استهل الاحتلال الصهيوني العملية بشنّه عدة هجمات بمروحيات وطائرات مسيّرة، ثم اقتحم المخيم بقوات مكونة من حوالي 1200 جندي من قوات النخبة الخاصة، وما يقارب 200 آلية ومصفحة وناقلات الجند والجرافات، فضلا عن أنظمة التشويش وطائرات الاستطلاع ومنظومة التكنولوجيا الحربية المتطورة، ومشاركة من وحدات النخبة الخاصة ووحدات القناصة والمظليين ووحدات الدوفدفان المستعربين.

وقد أعلنت إسرائيل أهدافاً لعمليتها في مخيم جنين لكن المقاومة فاجأتها بأمورٍ أربكت من حساباتها، حتى أنهت العملية بعد 48 ساعة.. فما الذي حدث؟؟

أرادت إسرائيل القضاء على كافة المقاومين وضرب البنية التحتية للفصائل الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية، وتفريغ جنين من السلاح واغتيال واعتقال عدد من المطلوبين على قوائمها، لكنّ ذلك لم يتحقق واختفى الشباب بطريقة مذهلة، وقد اعتقل الاحتلال العشرات ممن لا علاقة لهم بأعمال المقاومة!

وأرادت دخول المخيم حتى بلوغ جميع أطرافه لكنها لم تحقق مآربها من الانتشار إلا في حدود 30 في المائة فقط من مساحة المخيم! حيث فاجأتها المقاومة بعبوات شديدة الانفجار تدخل الخدمة لأول مرة، فوقعت القوات في عدة كمائن ومصائد.

وأرادت كذلك بتلك العملية مسح الصورة السلبية للاقتحام السابق بسبب نجاح المقاومة بإعطاب عدد من الآليات وإصابة بعض الجنود، لكنها تكررت مع الاقتحام الأخير حينما حاولت قوات الاحتلال الخروج والانسحاب فوقعت تحت ضربات المقاومة وتعرضت لعدد من الكمائن وقتل جندي وأصيب آخر!

وقد التهبت مدن الضفة بعرين الأسود وكتيبة جنين في نابلس وجنين! وتحولت المقاومة إلى حالة فكرية عامة باتت بل وأصبحت تفرّخ للاحتلال حالة من التحديات الأمنية ستزداد صعوبة يوما بعد يوم، ولن تلقى إسرائيل الانكسار وتتجرع الذل في قطاع غزة وحده! ولن تتمكن من أن تصول وتجول في مدن الضفة لتعربد كما تشاء بعد تمكنها من تحييد قطاع غزة، وذلك بعقدها تفاهمات مشتركة بمعاونة الخيّرين من الوسطاء العرب!

كل ذلك بخلاف ردود الفعل التي جاءت عقب اقتحام المخيم مع انفجار فوهة الغضب التي خلّفت عدة عمليات متفرقة: كعملية الدهس والطعن التي جرت وقائعها في تل أبيب وأسفرت عن إصابة 7 إسرائيليين 4 منهم بجروح خطيرة، يوم 4 تموز/ يوليو، ومثل الرشقات الصاروخية (22 صاروخا) التي انهالت من قطاع غزة على مستوطنة أسديروت يوم 5 تموز/ يوليو وقد أصابت 3؛ أحدهم إصابته خطيرة، ومثل قذيفة الهاون التي أطلقت من الجنوب اللبناني على قرية الغجر في الجولان المحتل صباح 6 تموز/ يوليو، وأخيرا وليس آخرا! عملية المستوطنة "كدوميم" غرب نابلس بالضفة الغربية، وقد أعلنت حركة "حماس" المسئولية عنها وأسفرت عن مقتل اثنين؛ جندي وحارس في المستوطنة.

الكلمة الأخيرة أصبحت إذن للمقاومة الفلسطينية سواء في غزة أو الضفة، موجهة لدولة الاحتلال الصهيوني تقول لهم: "أتت الرياح بما لا تشتهي السفن!".. وموجهة للسلطة الفلسطينية المدعومة بعيداً عن خيارات الشعوب وفي القلب منهم أبناء الشعب الفلسطيني تخاطبهم بقولها: عفوا تجاوزناكم ولن يُسمع لكم صوت بعد ذلك!
التعليقات (0)