طالب الكاتب البريطاني،
بيتر أوبورن، بلاده بالتخلي عن التصريحات التي لا قيمة لها والمنددة بهجمات المستوطنين وتوجيه رسالة واضحة مفادها أن تلك الهجمات لا بد أن تكون لها عواقب، وذلك في أعقاب الهجمات الأخيرة التي شنها مستوطنون على قرى فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.
وفي مقال له نشره موقع "
ميدل إيست آي"، وترجمته "عربي21" قال أوبورن، إن
بريطانيا هي التي تمكن إسرائيل من فرض نظام
الفصل العنصري، منتقدا السفير البريطاني لدى دولة
الاحتلال، نيل ويغان، بعد مقابلة أجراها مؤخرا مع صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أدلى خلالها بتصريحات "جوفاء" معتادة "يرددها كل سفير بريطاني في إسرائيل وعلى مدى عقود".
ولفت الكاتب إلى أن تصريحات ويغان لم تتضمن أي ذكر للموجة الهمجية التي يشنها المستوطنون، من اعتداءات واجتياحات، في كل أنحاء الضفة الغربية، والتي عادة ما تتم بمساندة وحماية من قبل الجيش الإسرائيلي.
اظهار أخبار متعلقة
وأكد أن ويغان أخفق في أن يشير إلى أن هذه الهجمات لا تحظى فقط بتمكين كبار الوزراء في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بل تتم فعلياً بتحريض منهم، كما لم يشر ويغان إلى حقيقة أن منظمتين من أشهر منظمات حقوق الإنسان في العالم، ألا وهما منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتسووتش – بالإضافة إلى مجموعة حقوق إنسان إسرائيلية هي بيتسيلم، باتت الآن تعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري.
وتاليا نص مقال بيتر أوبورن:
قبل عشرين عاماً ألفت كتاباً عن سيرة عبقري الرياضة الأسود في جنوب أفريقيا، والمسمى بازل دوليفيرا.
ما زال الكتاب يطبع بعد مرور عقدين من الزمن وذلك بفضل ما له من دلالة معاصرة عميقة، وبالذات فيما يتعلق بالتعاون البريطاني مع سلطات نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) في جنوب أفريقيا.
كان بازل لاعب كريكيت مبدعاً، وكانت لعبة الكريكيت – مثلها في ذلك مثل الراغبي وكرة القدم – لعبة وطنية في جنوب أفريقيا. إلا أن نظام الفصل العنصري كان يعني عدم تمكنه إطلاقاً من الاختلاط باللاعبين البيض، ولهذا لم يكن بوسع بازل أن يدخل إلى المستويات الرفيعة من اللعبة.
تمكن أخيراً من الخروج إلى إنجلترا، وبعد فترة من المكابدة مع الحياة في ظروف غير مألوفة، تم اختياره ليلعب ضمن الفريق الوطني، وشارك في أول مباراة له في ملاعب "لوردز" التي كانت حينذاك المقر الرئيسي للعبة الكريكيت على مستوى العالم، وكان ذلك في يونيو (حزيران) من عام 1966.
يتصادف أن تلعب إنجلترا مباراة ضد أستراليا في نفس المكان بينما أنا جالس أكتب هذا المقال.
منذ تلك اللحظة غدا بازل خنجراً موجهاً إلى قلب نظام الفصل العنصري، وذلك لأن منتخب إنجلترا كان من المقرر له في شتاء عام 1986 أن يشارك في بطولة تنظم في جنوب أفريقيا، وكان من شأن اختيار اللاعب "الملون" من جنوب أفريقيا (بحسب المصطلح الذي كان سائداً في عهد نظام الفصل العنصري) أن يهدد بتحطيم أسطورة التفوق العرقي للبيض.
اظهار أخبار متعلقة
أكشف في الكتاب كيف أن رئيس وزراء جنوب أفريقيا جون فوستر تآمر مع المؤسستين السياسية والرياضية في بريطانيا للحيلولة دون اختيار بازل دوليفيرا ضمن لاعبي المنتخب. سواء عن قصد أو عن غير قصد، أصبح السير جون نيكولز، سفير بريطانيا في جنوب أفريقيا، جزءاً من المؤامرة التي حاكها فوستر.
توجهت إلى الأرشيف الوطني في كيو، وهناك قرأت البرقيات التي كان قد بعث بها إلى لندن، فهالني ما وجدت فيها، وانتابتني مشاعر تتراوح بين الرعب والعار وعدم التصديق. ففي تكلف واضح، هنأ نفسه بما كان متاحاً له من تواصل سهل وما كان يتمتع به من علاقة دافئة مع رئيس الوزراء فوستر – وكان ذلك في نفس الوقت الذي بلغ فيه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ذروة توحشه وفساده.
في المقابل، كان رئيس الوزراء فوستر يتعامل مع السفير البريطاني كما لو كان آلة كمان يعزف عليها، مستخدماً إياه، بإرادة منه، كالأبله.
بريطانيا هي التي تمكن إسرائيل من فرض نظام الفصل العنصري
تذكرت يوم الأربعاء الماضي بحيوية السير جون نيكولز بينما كنت أقرأ مقابلة لسفير بريطانيا في إسرائيل، نيل ويغان، أجرتها معه صحيفة ذي جيروزاليم بوست، التي تعتبر أقدم صحيفة ناطقة بالإنجليزية في إسرائيل، إذ تعود إلى عهد الانتداب البريطاني في الثلاثينيات من القرن العشرين.
اختارت الصحيفة العبارة التالية عنواناً للمقابلة التي أجرتها مع السفير: "السفير البريطاني: الروابط مع إسرائيل أقوى من أي وقت مضى".
قال ويغان في حديثه مع صحيفة ذي جيروزاليم بوست إن القضايا الفلسطينية تحظى في العلاقات البريطانية الإسرائيلية باهتمام أقل بكثير مما كان عليه الوضع قبل عقدين من الزمن حينما كان دبلوماسياً صغيراً في السفارة في تل أبيب.
قال السفير ويغان بالفعل إن بريطانيا "قلقة جداً" بشأن بناء المستوطنات في الضفة الغربية، ولكن كلامه ذلك لم يزد عن كونه من نوع نفس التصريحات الجوفاء المعتادة التي لم يزل كل سفير بريطاني في إسرائيل يرددها وعلى مدى عقود.
اظهار أخبار متعلقة
إنها مجرد تصريحات، ولا يفعلون شيئاً بشأنها.
أشاد السفير بعمق العلاقة التجارية بين بريطانيا وإسرائيل. ولكن لم تتضمن تصريحاته أي ذكر للموجة الهمجية التي يشنها المستوطنون، من اعتداءات واجتياحات، في كل أنحاء الضفة الغربية، والتي عادة ما تتم بمساندة وحماية من قبل الجيش الإسرائيلي.
أخفق ويغان بكل أدب في أن يشير إلى أن هذه الهجمات لا تحظى فقط بتمكين كبار الوزراء في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بل تتم فعلياً بتحريض منهم.
كما لم يشر ويغان إلى حقيقة أن منظمتين من أشهر منظمات حقوق الإنسان في العالم، ألا وهما منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتسووتش – بالإضافة إلى مجموعة حقوق إنسان إسرائيلية هي بيتسيلم، باتت الآن تعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري.
كما التزم ويغان الصمت إزاء المبدأ الأول الموجه للحكومة الائتلافية التي شكلها حزب الليكود بزعامة نتنياهو بالتنسيق مع حلفائه الجدد في التيار اليميني المتطرف.
يقضي هذا المبدأ قضاء مبرماً على أي فرصة ممكنة لإنجاز حل الدولتين، وذلك من خلال النص على أن "للشعب اليهودي حقا حصريا لا قبل لأحد بالتشكيك فيه في جميع أجزاء أرض إسرائيل"، وفي نفس الوقت يتعهد "بالمضي قدماً في بناء وتطوير" المستوطنات داخل الضفة الغربية المحتلة.
لربما ظننت بأنه من المفروض أن تزعج مثل هذه العبارات شخصاً مثل ويغان، وذلك باعتبار أن حل الدولتين هو السياسة الرسمية لبريطانيا، ونظراً لأن بريطانيا تعارض بناء المستوطنات. ولكن لم يحدث ذلك.
بل حسبما صرح به الدبلوماسي البريطاني فإن العلاقات بين بريطانيا وإسرائيل أقوى من أي وقت مضى. لربما ظننت بأن ويغان كان من المفروض أن يلاحظ بأن إسرائيل تُحكم حالياً من قبل حكومة هي الأشد عنصرية والأكثر يمينية منذ نشأة الدولة قبل خمسة وسبعين عاماً.
ولكن ذلك لم يخطر بباله بتاتاً.
اظهار أخبار متعلقة
جائحة من الهجمات الاستيطانية
بالطبع، ويغان مجرد موظف حكومي، وهو بما يصدر عنه إنما يعبر عن سياسة الحكومة البريطانية، ولا أدل على ذلك من حقيقة أنه وجه نفس الرسالة من خلال مقال نشرته له صحيفة جويش نيوز (الأخبار اليهودية) في شهر أبريل (نيسان) الماضي.
تصادف أن تنشر مقابلة ويغان مع صحيفة ذي جيروزاليم بوست في نفس النهار الذي شهد قيام عشرات المستوطنين باجتياح قرية ترمسعيا في الضفة الغربية، حيث عاثوا فيها فساداً وتخريباً، فأضرموا النيران في ثلاثين منزلاً ودمروا ستين سيارة، وأطلقوا النار على عمر جبارة، الفلسطيني الذي يبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً، فأردوه قتيلاً.
عندما سافرت إلى ترمسعيا لمعاينة ما لحق بها من أضرار، اكتشفت أن أحد أكبر زملاء ويغان رتبة، القنصل العام البريطاني ديان كورنر، كانت أيضاً متواجدة هناك.
يبدو أن ثمة ترتيبا معينا لا يتم الإفصاح عنه ما بين القنصل العام البريطاني، ومقره القدس الشرقية المحتلة، والسفير البريطاني ومقره في تل أبيب. عندما يهاجم المستوطنون الإسرائيليون الفلسطينيين، تصدر القنصل العام كورنر إدانة جوفاء مصاغة بعناية فائقة.
تزيل مثل هذه البادرة الجوفاء تجاه الفلسطينيين عن كاهل السفير البريطاني في تل أبيب عبء إزعاج الحكومة الإسرائيلية.
لعلي جانبت الصواب والإنصاف. لربما ما كان ينبغي لي أن أنقض على كورنر حينما لمحتها تمشي تاركة خلفها أحد البيوت المحترقة، وطالبتها بالاستقالة من منصبها.
ولكني كنت لتوي قد انتهيت من محادثة طويلة مع رجا جبارة، عم الرجل القتيل، والذي كان برفقة عمر عندما أطلقت عليه النيران، والذي حمل ابن أخيه وهو في نزعه الأخير مسافة 500 ياردة إلى حيث كانت تنتظر أقرب سيارة إسعاف.
كما أجريت محادثة أخرى مع رجل تحدى بشجاعة هجوم المستوطنين وقفز من فوق جدار ارتفاعه ثمانية أقدام حتى ينقذ أفراد عائلته ويخرجهم من منزلهم الذي تلتهمه النيران.
قلت للقنصل كورنر إنه آن لها أن تتوقف عن إصدار عبارات التنديد باعتداءات المستوطنين وأن تبعث برسالة واضحة نيابة عن المجتمع الدولي مفادها أن هذه الاعتداءات يجب أن تكون لها عواقب.
سألتني: "ماذا تريدني أن أفعل؟" فأجبتها بأنه وأخذاً بالاعتبار أن إسرائيل في عهد نتنياهو غير قادرة على اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة لمنع تلك الاعتداءات، فينبغي على بريطانيا أن تسحب معارضتها لتحقيق محكمة الجنايات الدولية في جرائم الحرب التي ترتكب في فلسطين المحتلة.
كما أن التشريع الأخير الذي سنته الحكومة البريطانية، والذي يحظر على المؤسسات الحكومية فرض مقاطعة على البضائع الإسرائيلية، يبعث برسالة فظيعة، وخاصة أنها تأتي في نفس الوقت الذي يشهد تشجيع الوزراء الإسرائيليين لجائحة من اعتداءات المستوطنين على القرى الفلسطينية.
أجابت كورنر: "أنت تعرف من الذي ينبغي أن تتحدث معه".
رغم أنها لم تفصح عما في بالها إلا أنني عرفت ماذا تقصد، وهي محقة تماماً فيما ذهبت إليه.
اظهار أخبار متعلقة
مسؤولية أخلاقية عميقة
إنها مجرد موظف حكومي غير منتخب ينفذ التعليمات الصادرة عن وزراء الحكومة.
إن المسؤولية عن التواطؤ البريطاني في الموجة الأخيرة من اعتداءات المستوطنين تقع في نهاية المطاف على كاهل صناع القرار: رئيس الوزراء ريشي سوناك ووزير الخارجية جيمز كلفرلي.
من الواضح أن أياً منهما لا يدرك ذلك. كما أن أياً منهما لا يعبأ بأنه إذا كانت بريطانيا بالفعل صديقاً مخلصاً لإسرائيل، فإن ذلك يرتب علينا مسؤولية الإصرار على تغيير الحكومة الحالية بسبب عنصريتها ويمينيتها المتشددة. من المحتمل أيضاً أنه لا يضيرهما أن تواطؤ بريطانيا مع جرائم الحرب الإسرائيلية يجعل تصريحاتنا حول أوكرانيا تبدو جوفاء وأبعد ما تكون عن الإخلاص.
بالنسبة للرجلين، سوناك وكلفرلي، صفقات بريطانيا التجارية مع إسرائيل أهم بكثير من الوقوف إلى جانب حقوق الإنسان والديمقراطية في فلسطين.
عندما عدت إلى القدس الشرقية، أخبرني كبار نشطاء حقوق الإنسان الإسرائيليين أن كورنر امرأة محترمة، وأنها لعبت دوراً رئيسياً من وراء الكواليس لإحباط خطة ليز تراس (رئيسة الوزراء البريطانية السابقة) نقل السفارة البريطانية من تل أبيب إلى القدس.
لربما قدرت، بكل شرف، أنها من خلال العمل من وراء الكواليس قد تكون أكثر نفعاً مما لو غادرت المسرح.
في هذه الأثناء تمت ترقية السفير ويغان إلى منصب سفير بريطانيا في كينيا، وهو منصب مرموق.
وبذلك يتعزز موقعه ويزداد قوة على قوته. ما من شك في أنه دبلوماسي من النوع الذي ما كان سفير بريطانيا السابق إلى جنوب أفريقيا، السير جون نيكولز، ليتردد في الحديث عنه باستحسان بالغ.