في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2024، سنشهد
انتخابات رئاسية
جديدة في الولايات المتّحدة الأمريكية قد تترك نتائجها انعكاسات كبيرة على أكثر من
صعيد في الكثير من الملفات الساخنة في مناطق مختلفة من العالم. في نيسان (أبريل) الماضي،
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن رسمياً عن ترشحّه للانتخابات المقبلة، لكنّ المتابع
لوضع الرئيس الصحي ولأدائه ولتصرّفاته يستطيع أن يرى بوضوح تراجع قدرته على
القيادة.
بايدن هو الرئيس الأكبر سناً في تاريخ الرؤساء الأمريكيين، وقد انتقد
عددٌ من المراقبين ترشيحه وإعادة ترشيحه لهذا السبب كما لغيره من الأسباب من بينها
أنّه يعاني الآن من مشاكل صحيّة كثيرة آخرها توقف النفس الانسدادي أثناء النوم،
كما أنّه لا يستطيع أن يميّز ويفقد توازنه في بعض الأحيان، وينسى في الكثير من
المرات ويخلط الأمور والأسماء ببعضها البعض، وآخر سقطاته في هذا المجال قوله أنّ
الرئيس بوتين يخسر الحرب في العراق!
رئيس يعاني من كل هذه المشاكل لن يكون من الصعب على مرشّح آخر هزيمته
وإن لم يكن قوّياً. المشكلة الكبرى بالنسبة لبايدن وأنصاره، أنّ ترامب قد يترشّح
هو الآخر أيضاً بالرغم من الكم الهائل من العوائق والعراقيل التي توضع أمامه من
قبل المؤسسات الأمريكية وما يسمّيه البعض الدولة العميقة هناك لمنعه من الترشّح.
للقضاء كلمة أخرى أيضاً فقد تمّ إقحامه في الموضوع من خلال عدد كبير من القضايا
المتعلّقة باتهامات ضد ترامب تتم إثارتها في توقيت حسّاس قبيل الانتخابات المقبلة
آخرها في شهري نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو الماضي.
وبالرغم من ذلك، يبقى احتمال ترشّح ترامب قائماً حتى الآن، وهو ما
يفترض أن نولي أهمّية للكلام الذي يقوله بشأن القضايا المتعلّقة بالمنطقة
والملفّات الساخنة حول العالم، ولعل أهمّها ملف الحرب الروسية ضد أوكرانيا. خلال
الشهر الماضي، أجرى ترامب عدّة لقاءات بالإضافة إلى بعض الخطابات العامّة تحدّث
فيها عن موقفه من الحرب الروسية ضد أوكرانيا وعن أولوياته وخياراته بشأنها في حال
وصوله إلى السلطة. يمكن إيجاز أولويات ترامب من الحرب القائمة بما يلي:
أولا، هو يعتقد أنّ بوتين ذكي لكنّه أخطأ في قراره الدخول إلى
أوكرانيا، وأنّه لو كان لا يزال رئيسا للولايات المتّحدة لما كان ذلك قد حصل من
الأساس. ولذلك، فهو من وجهة النظر هذه يعتقد أن دور الإدارة الأمريكية وموقفها
الضعيف شجّع بوتين على اتخاذ القرار بغزو أوكرانيا.
ثانياً، يعتقد ترامب أنّ الولايات المتّحدة تتحمّل العبء الأكبر من تكاليف
تمويل صمود الأوكرانيين في وجه الآلة العسكرية الروسية في الوقت الذي يدفع فيه
الأوروبيون جزءاً بسيطاً من التكاليف مقارنة بالمخاطر المحدقة بهم. بمعنى آخر، يرى
ترامب أنّ الحرب لا تشكل تهديداً خطيراً للولايات المتّحدة بالقدر نفسه الذي
تُشكّله للدول الأوروبية، وأنّ هذا الأمر يفترض أن يكون العبء الأكبر على
الأوروبيين وليس على الولايات المتّحدة الأمريكية، وأنّ بقاء الوضع على حاله يعني استغلال
الأوروبيين للولايات المتّحدة واستغبائهم للأمريكيين.
في حال فوز ترامب، فإنّ الضغط سينتقل بشكل سريع إلى الأوروبيين حيث يرى ترامب أنّ عليهم تحمّل المزيد من الأعباء الماديّة والعسكرية على حدّ سواء. وإذا ما كان جاداً في قوله أنّه سينهي الحرب بشكل سريع فهذا يعني أنّه على الأرجح سيستخدم أوراقه وهي أكبر في هذه الحالة ضد أوكرانيا منه ضد روسيا.
ثالثاً، يرفض ترامب الإجابة عمّا إذا كان يجب أن يدعم انتصار طرف على
حساب طرف آخر، ويقول إنّ أولويّته يحب أن تكون وقف الحرب ومنع القتل لأي من
الطرفين وأنّ هذه الحرب كارثة للجميع يجب إنهاؤها.
رابعاً، يزعم ترامب أنّه سيكون بإمكانه إيقاف الحرب بشكل سريع
(يستخدم مصطلح خلال 24 ساعة) لأنّه يعرف الرجلين (بوتين وزيلينسكي)، كما أنّه يعرف
أنّ لكل منهما نقاط قوّة وضعف يمكن استغلالها للتوصل إلى اتفاق سريع ينهي الحرب،
ويضيف أنّ الحرب تتعلق بالمال والسلاح وأنّه يمكن إنهاؤها.
باختصار، هذه المعادلة تعني أنّه في حال فوز ترامب، فإنّ الضغط
سينتقل بشكل سريع إلى الأوروبيين حيث يرى ترامب أنّ عليهم تحمّل المزيد من الأعباء
الماديّة والعسكرية على حدّ سواء. وإذا ما كان جاداً في قوله إنّه سينهي الحرب
بشكل سريع فهذا يعني أنّه على الأرجح سيستخدم أوراقه وهي أكبر في هذه الحالة ضد
أوكرانيا منه ضد روسيا.
صحيح أنّ الرئيس الروسي في مأزق حالياً، وأنّه قد يستغل أي مبادرة
مفيدة أو مربحة بالنسبة له وإن جاءت من الجانب الأمريكي، إلاّ أنّ حجم الدعم
المالي والعسكري الذي تتلقاه أوكرانيا من أمريكا يعني أنّه سيكون من الأسهل على
ترامب الضغط على أوكرانيا منه على روسيا وذلك من خلال التلويح بتقليص أو قطع الدعم
في حال رفض المسؤولون الأوكرانيون الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الرئيس الروسي
بوتين، ولأنّه سيكون من الصعب وربما من المستحيل على أوروبا تعويض ما ستوقفه
أمريكا، فستضطر أوكرانيا في نهاية المطاف الخضوع للإملاءات الأمريكية بهذا الصدد.
إذا ما صحّ هذا التشخيص، فإنّه سيكون من مصلحة الأوكرانيين تحقيق أكبر تقدّم ممكن على أرض المعركة قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة لأنّه في حال
فوز ترامب، فإنّ من المحتمل جداً أن تضطر أوكرانيا إلى التخلي عن جزء من سيادتها
أو ربما التوقّف عن التقدّم الميداني في أحسن الأحوال والتفاوض على المناطق التي لا
تزال محتلّة.