لم تعلُ أسوار
العنصرية كما علت في هذه الأيام بين جنائن
أوروبا وجحيم بلدان العالم الثالث، أسوار كسدِّ ذي القرنين الذي بناه في وجه يأجوج
ومأجوج.
كاد كليتشدار أوغلو أن يجرف السوريين بالجرافات، أو أن
يشحنهم بالشاحنات، وينبذهم وراء الحدود، فليس على الحدود بحر يرميهم فيه، أما إخوة
يوسف، فطردوا إخوتهم سيرا على الأقدام، كما تفعل حكومات الفينيقيين والقرطاجيين
والكنادكة في
لبنان وليبيا والسودان. وكان طار شعارٌ مطربٌ في وصف الشعبين السوري
واللبناني هو "شعب واحد في بلدين"، وقد أمسى السوريون شعبين في بلد واحد؛
شعبا متجانسا وشعبا غير من غير جنس. والحال هو مثله في مصر، بل هم عدة شعوب، أو
عدة طبقات مثل الهندوس. مهما يكن فقد طغى منسوب العنصرية في كوكب الأرض برمته.
فقد بنت فنلندا سياجا على طول حدودها بطول ألفي كيلومتر،
بلغت كلفته نصف مليار دولار في وجه الروس المحاصرين، وبنت اليونان سياجا في وجوه
اللاجئين، وسبقت ألمانيا الجميع بجدار برلين، ومثلها إسرائيل التي سمّت جدران
الفصل العنصري بين الغازين والمغزيين؛ اسما لطيفا هو الجدار العازل "للضجة
والصخب". ويُظنُّ أنَّ أول عرق علا في الأرض هو عرق بني إسرائيل، الذي بُني
على الدين، ويُظنُّ أيضا أنَّ أصل لفظ الإثنية من الوثن، فقد كانت القبائل تعبد
أوثانا، ولكل قبيلة وثنها، وقيل إنَّ لفظ "راسيسموس" اللاتيني من الرأس
العربية، وهو الراجح عند علماء اللغات.
معدّل العنصرية يرتفع في بقاع الأرض، فقد سُجلت أكثر من ستة ملايين واقعة عنصرية في ألمانيا في السنة الماضية، ونجت تركيا من زلزال عنصري مؤكد بخسارة كليتشدار أوغلو، الذي كان ينوي الفوز بالرئاسة بأرواح السوريين ومصائرهم. وتردُ أخبار يومية من الهند التي تقتل المسلمين، وهم هنود عِرقا لكنهم من دين مختلف
تبيَّن الوقائع والأخبار انقلابات كونية كبيرة، وتحذِّر
مراصد المناخ والفلك أنَّ درجة "عنصرية" واحدة سترتفع في كوكب الأرض
المصابة بالحمى من طغيان البشر وبطرهم وإسرافهم في أمرهم، وهي كفيلة بإغراق مدن
كثيرة، وهي العاقبة التي عوقب بها فرعون إنّه كان عاليا من المسرفين.
وقد علمنا أنّ الحرائق التهمت غابات في كندا وأستراليا
وتركيا بما كسبت أيدي الناس، ويمكن القول بعبارة شعرية إنَّ الأرص تتألم من
العنصرية المعولمة، وهم بنو نفس واحدة. ثمة أسوار أخرى، ليس لها عنصرية ظاهرة،
كالأسوار التي بُنيت في وجه الأنهار الأسيرة، مثل سدِّ أتاتورك على نهر الفرات
الذي قال الخبراء إنه سببٌ من أسباب زلزال قهرمان مرعش، وسد نهر دينبرو الذي دمّر
وجرف مئات القرى، وسدِّ النهضة الذي يهدد القاهرة بالعطش وبالغرق معا.
معدّل العنصرية يرتفع في بقاع الأرض، فقد سُجلت أكثر من
ستة ملايين واقعة عنصرية في ألمانيا في السنة الماضية، ونجت تركيا من زلزال عنصري
مؤكد بخسارة كليتشدار أوغلو، الذي كان ينوي الفوز بالرئاسة بأرواح السوريين
ومصائرهم. وتردُ أخبار يومية من الهند التي تقتل المسلمين، وهم هنود عِرقا لكنهم
من دين مختلف.
وقد يكون سبب العنصرية قوميا أو دينيا أو مذهبيا أو لَونيا،
بل وقد يكون الطعام سببا للعنصرية مثل الشكولامو الفينقية. وليست أحمدية أول من
يهجو بالطعام في شدة الزمان وكلب الدهر، فقد كانت القبائل العربية تعاير بعضها بعضا
بالطعام، ومن ذلك أن معاوية بن أبي سفيان مازح الأحنف بن قيس، فعرّض بطعام قبيلته
وسأله عن البجاد، فردَّ عليه ردا أفحمه، فقال: هو السخينة يا أمير المؤمنين.
والبجاد كان طعام تميم في الجدب، والسخينة طعام قريش في القحط، فأقرَّ له معاوية
بحسن الردِّ فقال: واحدة بأخرى والبادي أظلم.
قد يكون سبب العنصرية قوميا أو دينيا أو مذهبيا أو لَونيا، بل وقد يكون الطعام سببا للعنصرية مثل الشكولامو الفينقية. وليست أحمدية أول من يهجو بالطعام في شدة الزمان وكلب الدهر، فقد كانت القبائل العربية تعاير بعضها بعضا بالطعام
ونعلم أنَّ أول جريمة عنصرية على الأرض كان سببها بين
الأخوين ساعة، هي سبق الولادة، وكانت البكورية في الأخبار والمرويات رتبة بشرية
بين الإخوة الملوك والإخوة غير الملوك أيضا.
تسعى دول كثيرة إلى التجانس العرقي، اقتداء بإسرائيل، بينما
تعمل دولة عظمى هي أمريكا على صناعة تجانس من رتبة أعلى، وهي صناعة تحويل الجنسين
الذكر والأنثى إلى خمسين جنسا، فهي رتبة أعلى من تجانس الدول الدكتاتورية.
بناء الأسوار العرقية على قدم وساق، لكن هذه الدول لا
تمانع في ضمِّ أراض غير أراضيها، كما تفعل صربيا وروسيا، وتذكر كل دولة حجتها في
غزو الأرض أو ضمّها أو طرد السكان أو نفيهم.
ترد على وسائل التواصل مقاطع مأخوذة من لقاءات ومقابلات
في تلفزيونات ينتوي أصحابها -وهم من صنّاع الرأي وقادة الرأي في المركز الأوروبي-
التضحية بسكان قارات الأطراف الملونة، حتى يصفو لهم العيش.
يزعم بعض المثقفين والباحثين أنّ العولمة تزيل الحدود،
لكنها إزالة محكومة بالإنتاج ومشروطة بالوفرة والخصب، ولا يسلم مجتمع من العنصرية،
بل إنّ أديانا كثيرة هي أديان طبقية تراتبية في نشأتها ومعتقدها، مثل الطبقات
العسكرية، فالعنصرية هي المرض الأول الذي ابتليت به النفس البشرية، وتساهم النكات
أحيانا في تسويق العنصرية مثل النكتة التي سمعتها اليوم عن حلاق عربي، يقول راويها
الحلاق بالعربية: إنّ سويسريا وفرنسيا وعربيا حلقوا عنده في يوم أوقفه لوجه الله،
فعاد له السويسري بهدية ساعة، والفرنسي بقارورة عطر، أما العربي، فأحضر أولاده
الستة حتى يحلق لهم الحلاق شعورهم مجانا! هي نكتة، والنكتة تحذف عنصرا أو ركنا، أو
صفة من الحقيقة، حتى تصير نكتة، وقد أخفى الراوي الذي رواها لوجه الشيطان، أمرا هو
أنَّ العربي لاجئ. وليس المستجير كالمجير، وليس السويسري الذي يدّخر الملوك
ثرواتهم في بلاده ويستطيع أن يعيش على فوائدها من غير خيل ولا ركاب كاللاجئ
المعدوم.
هناك مثال يكرره محللو السياسة عن انحراف الديمقراطية إلى العنصرية، وهو مثال انتخاب هتلر، وقد رحبت أوساط النخبة البولندية باللاجئين الأوكران المسيحيين، وسدّتها في وجوه اللاجئين المسلمين. وأوشك المثال الألماني النازي أن يتكرر في تركيا، وأن يكسب كليتشدار أوغلو عار الدهر، لكنَّ الديمقراطيات الغربية باتت تسد أبوابها في وجوه اللاجئين، مناقضةً بيانات الأمم المتحدة بعد أن شبعت أسواقها من الأيدي العاملة
هناك مثال يكرره محللو السياسة عن انحراف الديمقراطية
إلى العنصرية، وهو مثال انتخاب هتلر، وقد رحبت أوساط النخبة البولندية باللاجئين
الأوكران المسيحيين، وسدّتها في وجوه اللاجئين المسلمين. وأوشك المثال الألماني
النازي أن يتكرر في تركيا، وأن يكسب كليتشدار أوغلو عار الدهر، لكنَّ الديمقراطيات
الغربية باتت تسد أبوابها في وجوه اللاجئين، مناقضةً بيانات الأمم المتحدة بعد أن
شبعت أسواقها من الأيدي العاملة، وقد انتهى الاتفاق الأوروبي حول إصلاح نظام
الهجرة، بمزيد من الحواجز والتعسيرات.
قد تتغذى الديمقراطية على العنصرية، وقد تتغذى العنصرية
على الديمقراطية، وتتعاونان مثل الكسيح والكفيف في الحكاية الشهيرة، ومبادئ
الإنسانية غير كافية، فقد أسفر تيار النظرية الإنسانية إلى إنسانية أوروبية بيضاء
مسيحية، وإلى قاعدة في الحكم هي: لكم ديكتاتوريتكم ولنا ديمقراطيتنا. وإن شئنا
قلنا:
سنحرص كل الحرص على دكتاتوريتكم ونحرمكم كل الحرمان من
ديمقراطيتنا.
twitter.com/OmarImaromar