قضايا وآراء

السلام البارد: هل تعيد الإمارات تقييم علاقتها مع إسرائيل؟

حامد أبو العز
تويتر
تويتر
في 15 أيلول/ سبتمبر 2020 أي منذ ما يقارب العامين ونيّف، أقدمت الإمارات على التطبيع مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي. رافق هذا الاتفاق اختلافات عميقة بين الحكومتين ومفارقات عجيبة تتعارض مع القانون الدولي. في الواقع أُطلق على عملية التطبيع الإماراتي- الإسرائيلي وصف معاهدة السلام أو ما عُرف فيما بعد باتفاقيات "أبراهام"، وبالعودة إلى القانون الدولي، فإن معاهدة السلام (Peace Treaty) هي: معاهدة أو اتفاق بين طرفين أو أكثر بين الأطراف المعادية (دولا أو حكومات)، بحيث تنهي رسميا حالة الحرب بين الأطراف.

لم تصدق اتفاقية السلام على الحالة الإماراتية- الإسرائيلية بأي شكل من أشكالها، فالطرفان لم يدخلا في مواجهة مباشرة، لا بل على العكس، لقد كانت اتفاقية أبراهام كاشفة لهذه العلاقات في المقام الأول وليس مُنشئة لها، إذ إن التعامل بين الإمارات وإسرائيل في المجال العسكري والتجاري كان قائما، ولكن بطريقة سرية.

الجدل الآخر حول هذه المعاهدات، كان حول تضارب تصريحات كلا الطرفين حول المقابل الذي تم تقديمه للدخول في هذه الاتفاقية، فالإمارات أكدت بأن إسرائيل تعهدت بوقف ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغور الأردن إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل، بينما صرّح نتنياهو بأنه لم يعط الإمارات أي التزام بوقف ضم الضفة وأن الضم لا زال قائما، وأن إسرائيل وافقت فقط على تعليق الضم بشكل مرحلي. وأتت خديعة نتنياهو هذه لإقرار معادلة جديدة في الصراع العربي الفلسطيني تحل محل الأرض مقابل السلام، وهي معادلة السلام من أجل السلام وحسب.

كما ذكرنا آنفا بعد عامين ونيّف، يبدو بأنّ الإمارات تعيد تقييم هذه العلاقة ضمن معيار النفع والضرر. وظهرت بوادر التشاؤم وإعادة التقييم في تصريحات الدكتورة ابتسام الكعبي، مديرة مركز الإمارات للسياسات، في كلمتها في مؤتمر "هرتسيليا" في إسرائيل، حين قالت بأن بلادها محرجة من التطبيع مع إسرائيل بسبب تصرفات حكومة نتنياهو، وبأنه لا دول عربية جديدة ستذهب إلى التطبيع مع إسرائيل.

ولتأكيد حقيقة هذه الحالة من الجمود في العلاقات، يجب الإشارة إلى استطلاعات الرأي التي أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (وهو مركز معروف بقربه من إسرائيل واللوبي الإسرائيلي) بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 وتموز/ يوليو 2022، حيث أظهرت النتائج أن نسبة الإماراتيين الذين لديهم موقف متفائل من التطبيع، انخفضت من 47 في المئة إلى 25 في المئة، في حين ارتفعت نسبة الذين يرون التطبيع سلبيا من 49 في المئة إلى 71 في المئة.

كما تشير عملية تحليل سلوك الشعب الإماراتي على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الفجوة العميقة بين موقف الشعب وموقف القيادة، حيث ظهر تأييد شعبي واسع للشعب الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي في الأحداث والاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، كاقتحام المسجد الأقصى والهجمات الصاروخية على قطاع، غزة ومن قبل اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة.

من جهتها، أشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أن نتنياهو بعد أداء القسم كان عازما على زيارة الإمارات، ولكن تصرفات أعضاء حكومته المتطرفين مثل "بن غفير"، ساهمت بشكل أساسي في تأجيل الإمارات لهذه الزيارة. بالطبع لا يجب أن ننسى أن نذكّر بأن السفير الإماراتي في إسرائيل دعا كلا من نتنياهو والرئيس الإسرائيلي لحضور قمة المناخ في الإمارات، إلا أن قمة المناخ هي قمة عالمية وذات طابع غير سياسي، ولذلك فهذا لا يعني عودة العلاقات الحميمة كما في السابق.

ختاما، لقد أظهرت مسألة التطبيع بين الإمارات وإسرائيل ضرورة أن يؤخذ رأي الشعب في المسائل المصيرية بشكل مباشر، وذلك لأن الافتراق في مواقف الحكومات والشعوب في مسائل السياسة الخارجية يعني الفشل الحتمي، وذلك لأن إرادة الشعوب تغلب على الحكومات دوما.

ويبقى السؤال الأهم وهو: هل يجب أن تستمر الإمارات بالتطبيع مع دولة الاحتلال؟ مرة أخرى ضمن معيار النفع والضرر، نعتقد بأنه على الإمارات إعادة تقييم هذه العلاقات لتصل إلى النتيجة التي توصل لها الشعب منذ البداية، وهي أن التطبيع ضرر ولم تحصد الإمارات إلا الضرر من هذه العلاقة.

التعليقات (0)