في 28 أيار (مايو) الحالي، سيذهب الأتراك إلى التصويت لمرشّحهم
المفضل في الجولة الثانية من
الانتخابات الرئاسية. حظوظ الطرفين لا تزال قائمة من
الناحية النظرية حتى نهاية اليوم المذكور، لكن عملياً يستمتع الرئيس رجب طيب أردوغان
وفريقه بأفضلية على خصمه كمال كيليتشدار أوغلو وتحالفه تخوّله تحقيق الفوز في
الاستحقاق النهائي.
من جملة الأسباب الموجودة الآن والتي ترجح فوز معسكر أردوغان هي المعنويات العالية الناجمة عن تحقيق هذا الفريق الفوز في الانتخابات البرلمانية،
وهو الأمر الذي يعني أنّهم قطعوا المسافة الأصعب وحقيقة أنّ مرشّح هذا المعسكر كان
ينقصه حوالي 0.5% من الأصوات يعني أنّه الأقرب للفوز. تماسك التحالف الذي يقوده
حزب العدالة والتنمية أي تحالف الجمهور يعني أنّ هذا المعسكر قادر على حشد الناخب
بشكل أسهل من المعسكر الخصم. فضلاً عن ذلك، فإنّ القاعدة الجماهيرية التي صوّتت
للرئيس أردوغان في الجولة الأولى تبدو محفّزة لإنهاء الأمر في الجولة الثانية.
على المقلب الآخر، يوجد صدمة نفسية ومعنويات متدنية للغاية لدى معسكر
المعارضة الذي يقوده حزب الشعب الجمهوري أي تحالف الملّة أو الأمة، وذلك لأنّهم
كانوا قد توقعوا بشكل غير واقعي انتصاراً ساحقاً في الجولة الأولى والسيطرة على
البرلمان والرئاسة معاً. علاوة على ذلك، يشهد تحالف هذا المعسكر الآن خلافات
داخلية كبيرة وصراعات نتيجة الخسارة، ولذلك فإنّ الجمهور الداعم لهذا الطرف محبط
وغير متحمّس للذهاب إلى الصندوق. فضلاً عن ذلك، فإنّ الإهانات التي تعرّض لها
ضحايا الزلزال ممّن صوتوا للرئيس أردوغان في الجولة الأولى من قبل هذا المعسكر
خلقت ردّة فعل معاكسة لدى جميع الأطراف بما في ذلك قاعدة تحالف الأمّة الذي يقوده كمال كيليتشدار أوغلو.
التخبّط الذي حصل في معسكر كمال كيليتشدار أوغلو والتلون في الهوية خلال فترة فصيرة من علمانية متطرفة إلى يسار متطرف إلى إسلام خفيف، إلى قومية متطرفة، والتغيير الذي حصل من حملة الحب التي كان هو ومعسكره يروّجون لها إلى حملة تخويف عنصرية وفاشية لجذب أصوات اليمين المتطرف، قد ترتد بشكل عكسي لأنّ الناس قد تفهم هذا التلون السريع على أنّه فقدان للمصداقية،
هذه المعطيات ترجّح كفّة الرئيس أردوغان عملياً، ومع ذلك فإذا ما
أردنا أن ننظر إلى الأمر من الناحية النظرية فقط، فهذا يعني أنّ هناك سيناريو واحد
من الممكن لكيليتشدار أوغلو أن يحقق فيه الفوز ربما، وهذا السيناريو يتطلب أنّ
يوفق فريقه بالتحالف المبطّن مع حزب الشعوب الديمقراطية الكردي المتعاطف مع حزب
العمّال الكردستاني الإرهابي، وأن يجري كيليتشدار أوغلو صفقة مع العنصريين
اليمينيين المعادين للاجئين كأوميت أوزداغ وسنان اوغان، ويحاول الحصول على المزيد
من أصوات القوميين وأن يأمل أن تتقاعس قاعدة التحالف الذي يقوده حزب العدالة
والتنمية في الذهاب للتصويت لأردوغان تحت تأثير الانطباع بوجود نصر سهل، وأن يدعم
الحظ كمال كيليتشدار أوغلو في هذه الخطة. ومع ذلك فهذا لا يضمن له النجاح بالضرورة
لكنه سيرفع من حظوظه إذا ما توافرت لديه نفس شروط الجولة الأولى والدعم الذي لقيه
فيها، وهو أمر مستبعد إلى حد كبير.
لكن ماذا عن دور سنان أوغان المرشّح الذي كان قد حصل على حوالي 5% من
الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسة؟ بالرغم من معرفته بأنّه سيخسر في
الجولة الأولى، إلاّ أنّ هدفه كان الدفع بهذه الانتخابات إلى الجولة الثانية
والتفاوض حينها على مكاسب سياسية مقابل تجيير الأصوات التي حصل عليها إلى أحد
المرشّحين في الجولة الثانية. حتى الآن نجح سنان في هذا الأمر، لكن يبدو أنّ البعض
يبالغ بأهمّيته، فالسيناريو الوحيد الذي تكون فيه أهمّية لأصوات الكتلة التي حصل
عليها هو أن يحصل المرشّحان على نفس الزخم في التصويت الذي حصل في الجولة الأولى،
وأن ينضم أوغان إلى كيليتشدار أوغلو في محاولة لهزيمة أردوغان. لكن حتى في هذا السيناريو
الاستثنائي، هناك بعض الأمور التي لا تبدو واقعية. فنسبة الـ5% التي حصل عليها
أوغان في الجولة الأولى لا تمثّل القاعدة الحقيقية لأنصاره. هناك على الأقل 3% من
هذه الشريحة ذهبت أصواتهم إليه إما لأنّهم كانوا ينوون التصويت لمحرّم إنجة أو
نكاية بالمرشحين الأساسيين. هذا يعني أنّ أصوات أكثر من نصف كتلته ليس له سيطرة
عليها، وهؤلاء سيقررون بأنفسهم دعم أردوغان أو كيليتشدار أوغلو أو عدم
التصويت. هذا يعني أنّ أوغان لا يمتلك
القوّة التي يعتقد أنّه يمتلكها ولا يستطيع توجيه كل الكتلة التي حصل عليها
للتصويت لهذا الطرف أو ذلك، مع أنّ مهمّته ستكون أسهل في توجيه الأصوات نحو
أردوغان، علماً أنّ كيليتشدار أوغلو أكثر حاجة إليه وإلى أصواته من أردوغان.
أخيراً، التخبّط الذي حصل في معسكر كمال كيليتشدار أوغلو والتلون في
الهوية خلال فترة قصيرة من علمانية متطرفة إلى يسار متطرف إلى إسلام خفيف، إلى
قومية متطرفة، والتغيير الذي حصل من حملة الحب التي كان هو ومعسكره يروّجون لها إلى حملة تخويف عنصرية وفاشية لجذب أصوات اليمين المتطرف، قد ترتد بشكل عكسي لأنّ
الناس قد تفهم هذا التلون السريع على أنّه فقدان للمصداقية، وبالتالي فإن من الصعب للناس
أن تصوت لشخص أو فريق تعرف أنه لا مصداقيّة لديه وأنّه لن يستطيع تنفيذ وعوده على
الأرجح. على العموم، ففي النهاية المواطن التركي هو الذي سيقرر، وقراره سيحسم المعركة
في الصندوق.