فوجئ جمهور مواقع التواصل الاجتماعي بصورة تنتشر لمسشار السيسي
الديني الدكتور أسامة الأزهري، في زيارة لإندونيسيا، وكعادة أهل إحدى ولايات إندونيسيا في تقديرها للأزهر ومشايخه، إذ يقومون بحملهم على الأعناق، محمولا على
كرسي وثير، والسير به لمسافة حتى يصل إلى موضع إلقاء المحاضرة أو الدرس العلمي،
انتشرت الصورة انتشار النار في الهشيم، وانهالت التعليقات على الصورة، وعلى
دلالتها.
الصورة في أصلها كانت يمكن أن تنتشر بشكل آخر، دون إحداث أي ضجيج، أو
انتقاد، فهالة التقدير أو الأبهة التي يتم يتعامل بها بعض العامة مع أهل الدين، لم
تكن مقصورة على أسامة الأزهري، فهم يرونها في رجال الكنيسة، ويرونها في غيرهم، فقد
كان يمكن فهمها في إطار التقدير والاحترام للأزهر، أو للدين وأهله، وهو أمر مفهوم
جدا إذ يصدر من مسلمين في دول شرق آسيا، وهي دول تكن احتراما وتقديرا للأزهر
وعلمائه.
وهي نفس المكانة التي يحملها أيضا مسلمو بلاد العجم، وكذلك بلدان
الأفارقة، وبخاصة لو كان الشيخ القادم من بلدان لها تاريخ في العلم، مثل مصر،
وبخاصة لو كان أزهريا من أعرق وأكبر مؤسسة علمية إسلامية في العالم الإسلامي، وهي
الأزهر، فهي صورة ذهنية ممتدة تاريخيا، وجغرافيا.
إذن فيم الإنكار على
مستشار السيسي الديني، إذا كانت تلك مكانة
الأزهر وأهله عند الناس؟! إن إنكار الناس جاء لأن من قام بنشر الصورة على صفحته
الرسمية هو أسامة الأزهري نفسه، فقد كشفت الصورة عن انتفاخ لا يليق بالمشيخة، ولا
الرمزية الدينية. وكيف حكمنا بأنها انتفاخ؟ لأن الناشر للصورة هو أسامة، كما أن
الناس علقت بشكل واضح أنه لا يليق أن يكون هو الناشر، ولم يستدرك ذلك، أو يقوم
بحذفها، والاعتذار عن المبادرة بالنشر بهذا الشكل الفج، فمن قبل نشرت له صور مع
قطة، ومع كلب، ولم يكن هناك استنكار من الناس بنفس هذا الشكل، بل كانت الصورة
معبرة عن الرفق بالحيوان.
البعض راح يتذكر من الصورة، وهذا الفعل من أهل إندونيسيا، بتصرف تم
أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأن مثل هذه المعاملة تثير ضغائن العسكر ضد
الأزهريين، فقد رأى هذا المشهد عبد الناصر مرتين، مرة مع الشيخ الباقوري، ولكن
التكريم لم يكن يمس مقام ناصر العسكري ولا الرئاسي، بل راح يحدث الباقوري في ضرورة
توظيف مثل هذه المكانة لصالح الدولة.
الصورة في أصلها كانت يمكن أن تنتشر بشكل آخر، دون إحداث أي ضجيج، أو انتقاد، فهالة التقدير أو الأبهة التي يتم يتعامل بها بعض العامة مع أهل الدين، لم تكن مقصورة على أسامة الأزهري، فهم يرونها في رجال الكنيسة، ويرونها في غيرهم، فقد كان يمكن فهمها في إطار التقدير والاحترام للأزهر، أو للدين وأهله، وهو أمر مفهوم جدا إذ يصدر من مسلمين في دول شرق آسيا، وهي دول تكن احتراما وتقديرا للأزهر وعلمائه.
المرة الثانية، كانت في إندونيسيا أيضا مع عبد الناصر، ولكن هذه
المرة، كان ناصر مدعوا من أحمد سوكارنو رئيس أندونيسيا وكان شيوعيا، فلما نزل عبد
الناصر مع شيخ الأزهر عبد الرحمن تاج، فوجئ ناصر وسوكارنو بالجماهير تحتشد وتقوم
بحمل شيخ الأزهر والأزهريين وتهتف بطول الحياة لهم، ولم يلق ناصر نفس الحفاوة،
فأضمر في نفسه الشر للأزهر والأزهريين، كما حكى لي أحد علماء الأزهر الذين شاهدوا
الموقف، وكان أستاذنا الدكتور محمد عبد المنعم البري رحمه الله.
يقول لي: رأينا في عين ناصر الحنق والحقد، ونية الانتقام، وبعد
العودة، قرر رد هذه الإهانة، فقام بحل جماعة كبار العلماء، وأمر بإعطاء سوكارنو
الشيوعي الدكتوراه الفخرية من الأزهر في الفلسفة الإسلامية، ويقول الشيخ الغزالي
معلقا على هذا القرار السخيف: ولماذا لم يعطوه الدكتوراه في التفسير والحديث، من
باب: إذا لم تستح فاصنع ما شئت!!
البعض استدعى ما حدث أيام ناصر، أنه ربما يثير ذلك عليه السيسي ونظامه،
ولكن هذا يمكن أن يحدث لو كان في وجود السيسي نفسه في إندونيسيا، أما وكان الأمر
بعيدا عنه، فلا ضير، ولو كان في الأمر مضرة لأسامة الأزهري، لقام بمحو الصورة من
صفحته، لو استشعر غضبا من السيسي أو نظامه، لكن الأمر بعيد عن ذلك.
لكن بقاء الصورة، ونشرها بهذا الشكل، لا يبتعد عن سياق نظام السيسي
نفسه في المكايدة الدائمة لمشيخة الأزهر، فمن الوارد جدا أن يكون بقاؤها محاولة
رفع لعمامة السلطة، على حساب عمامة المشيخة الأزهرية، لا يستبعد هذا التصور، وإن
كان الهجوم على صورة الأزهري أفقدها أي مساحة من التعاطف، أو التفهم، لأن الناشر
للصورة نفسها كان أسامة، وبعد الصورة بأيام قلائل تنتشر صورة أخرى لشيخ الأزهر
أحمد الطيب، في الحرم، بلباسه العادي، في صورة عاكسة للتواضع والزهد، والابتعاد عن
التفاخر، فكان الرد الطبيعي من الجمهور بصورة على صورة، صورة الفخر السلطوي مع
أسامة، بصورة التواضع العلمي مع الشيخ الطيب، اسما وسلوكا.
[email protected]