ما من بلد إلا وكان تقسيم الساكنين على أرضها كما يلي: مواطنون من
أهل البلد، أو من يحملون جنسيتها، أو مقيمون من غير أهلها، أقاموا في هذه البلدان
بشكل قانوني، حسب ما ينظمه قانون البلد من إقامة غير مواطنيها بها، سواء كانت
إقامة للعمل الخاص، أو العمل الحكومي، أو غيرهما.
ولكن الملاحظ أن هناك لهجة من العنصرية والتشنج اتسم بها خطاب بعض
المواطنين في بلداننا
العربية، تجاه المقيمين في بلادهم، وقد دارت سجالات على
تويتر مؤخرا، بسبب تغريدة حملت مثل هذا الأسلوب، قام بكتابتها مغرد كويتي، وأنزل
معها فيديو لمدة زمنية قصيرة جدا، لاحظ فيها أن مسجد بلال بن رباح بالكويت، في
صلاة العيد، أن معظم مرتاديه في هذا اليوم لم يكونوا من المواطنين الكويتيين، بل
من المقيمين، وأن المسجد في منطقة سكنية من الأهالي، فكيف تم هذا، وأين المواطنون؟!
سرعان ما جاء الرد عليه على تغريدته ما بين مؤيد، وما بين من رد على
هذا الخطاب بعنصرية متبادلة، وهي ردود وسجالات تنم عن مشكلة لدى من كتب التغريدة،
ومن عقبوا عليه بنفس الطريقة والأسلوب، وليست المشكلة في مثل هذا الخطاب فقط في أن
الخطاب يعد عنصريا، ولا يليق بخلق وسلوك المسلم أو العربي، بل لأنه أيضا يتسم
بعقدة النقص والتناقض.
فالمفترض أن المقيم في بلادنا العربية سواء الخليجية أو غيرها، هو
ضيف، وعادة وأخلاق المسلمين والعرب هي إكرام الضيف، بل وحسن معاملته، كما أن
المقيم جاء لهذه البلدان للعمل، وطلب العمل ليس عيبا، بل هو مطلب مشروع، وقد نظمه
قانون هذه البلدان، وإلا لتم منعه.
المقيم في بلاد العرب أو الغرب، لم يذهب للتسول، بل ذهب للعمل المشروع، أو لطلب العلم المرغوب، فليس عالة، بل إضافة لوطنه، وللوطن الذي تعلم أو عمل فيه، ولو لم يكن من ورائه نفع ما قبله البلد الذي أقام فيه، فالواجب التعامل مع المقيم العامل في بلد ما بالاحترام والتقدير، لأنه عنصر بناء لا هدم، فمن العامل البسيط إلى القاضي في المحاكم والأستاذ في الجامعات، هو مصدر نهوض وبناء في البلاد العربية والغربية.
الأمر المهم أيضا الذي يغيب عن مثل هذه العقليات المتشنجة، أنه ما من
بلد خلا من وجود مقيمين فيها من خارجها، أو مسافرين من أبنائها يحملون صفة مقيمين
في بلدان أخرى، فالدول الخليجية والعربية فيها نظام يعرف: بالبعثات العلمية، فالطالب
الكويتي أو القطري أو السعودي أو الإماراتي، أو المصري، حين يسافر من بلده لدولة
عربية أو أوروبية للدراسة، فهو مقيم، فماذا سيكون موقف المتشنجين تجاه المقيمين،
لو رزق هذا المواطن العربي المقيم في بلد آخر، لو رزق بمتعصبين ممن نراهم في
بلداننا؟ فلا تخلو بلد على وجه الأرض من هذا الأمر، إما أن تحتضن مقيمين على
أرضها، أو يخرج من أبنائها من يقيم خارجها لهدف علمي، أو اقتصادي، أو دبلوماسي.
فالمقيم في بلاد العرب أو الغرب، لم يذهب للتسول، بل ذهب للعمل
المشروع، أو لطلب العلم المرغوب، فليس عالة، بل إضافة لوطنه، وللوطن الذي تعلم أو
عمل فيه، ولو لم يكن من ورائه نفع ما قبله البلد الذي أقام فيه، فالواجب التعامل
مع المقيم العامل في بلد ما بالاحترام والتقدير، لأنه عنصر بناء لا هدم، فمن
العامل البسيط إلى القاضي في المحاكم والأستاذ في الجامعات، هو مصدر نهوض وبناء في
البلاد العربية والغربية.
أما أن العنصري أو المتشنج تجاه المقيمين في بلادنا العربية، يتسم
بالتناقض، وعقدة النقص، فهو أمر جلي واضح، حيث إن طريقة التعامل مع المقيمين ليست
واحدة، بل تتم بحسب جنسية المقيم، فهل يقف نفس الموقف مع المقيم الأجنبي، فهل
يتعامل بنفس الطريقة من التعالي والعنصرية مع المقيم الفرنسي، وهل يتعامل نفس
المعاملة مع الأمريكي المدني سواء كان تاجرا أو عاملا، فضلا عن أن يكون الأمريكي
مثلا جنديا في قاعدة أمريكية في بلد خليجي أو عربي، هل يملك أن يكتب حرفا، أو
يتكلم عنه بشكل لا يليق، بالتأكيد الإجابة: لا، بل سيثبت بكل طريقة أنه متحضر، وأن
هؤلاء ضيوف علينا، فإذن المعاملة مختلفة تماما، وهو ما يدل على تناقض شديد لدى
المتعصبين ضد المقيمين في بلادهم.
وهو ما نراه عندما يأتي إلى بلادنا فرق رياضية غربية، أو لاعبون
مشاهير أو غير مشاهير، لا نجد مثل هذه الخطابات المتشنجة، فلو أن اللاعب الرياضي
الشهير (ميسي) تعاقد معه نادي عربي أو خليجي، هل يمكن أن نرى هذا الخطاب يقال عنه،
وأنه جاء يقاسم أبناء البلد في أرزاقهم، رغم ارتفاع أجور اللاعبين، وهي أرزاقهم،
لكن التشنج نراه في الوظائف الأخرى التي هي فعالة وبناء في المجتمعات مثل التدريس
والطب وغيره.
أما الإنسان المعتدل الوسطي في نظرته لأي ضيف في بلده، سواء كان
للعمل أو للجوء، فهو التعامل بمنطق: أن الأرض أرض الله، وأنه لا يأخذ أحد رزق أحد،
بل يتعامل بمنطق: يأتي الضيف برزقه، ويخرج بذنوب أهل البيت، وهو ما نراه والحمد
لله في غالبية المسلمين والعرب في تعاملهم مع المقيمين، ولكن نبرة العنصرية
والتشنج بدأ يلاحظ فيها الازدياد والتسارع منذ مدة، وبشكل مخيف، وبخاصة في أجيال
تالية، نخشى من توسع دائرتها وانتشارها، إذا لم تتدخل الدول بقوانين صارمة تمنع
مثل هذه الخطابات، وتردع بالعقاب من يسيء، كما أنها تقف بالمرصاد للمقيم إذا أخطأ،
فكذلك يكون حالها مع المواطن إذا أساء، فالقانون ضابط وحاكم بين كل الأطراف، ولا
يحابي أحدا.
[email protected]