تبدو العوامل
الدولية عاملاً مهماً في الوصول للوضع الحالي. وهنا، تعمل مواقف الدول من ناحيتين؛
تتمثل الأولى في محاولات التدخل في توجيه الأحداث أما الثانية فهي تتعلق بكيفية
انعكاس تأثيرها على دول الجوار والملف الليبي. ويلقي هذا المقال الضوء على مسارات
تأثير الدول فيما يتعلق بإحباط أو تقدم العملية السياسية. وتساعد المواقف الحالية
على فهم أبعاد التداعيات المحتملة للتنافس الدولي حول
السودان، كما هو في حالة في
ليبيا.
وبينما بدأ
السودانيون ترتيب أوراق المرحلة الانتقالية في 2019، ظهرت أشكال مختلفة للتدخل
الدولي. فمن جانب، عملت إثيوبيا على احتواء النخبة الجديدة المنضوية تحت تحالف
"إعلان الحرية والتغيير" حتى ظهر رئيس الوزراء، آبي أحمد، بقوة في توقيع
الوثائق الانتقالية في آب/ أغسطس 2019. كانت الحلول الأفريقية هي المظلة السائدة
في ذاك الوقت، ومع دخول الخلاف حول سد النهضة، وتسارعت معدلات التنافس بين إثيوبيا
ومصر حول توجهات الحكم الجديد في السودان.
دخلت الرعاية الدولية من خلال الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي والإيغاد) والآلية الرباعية (السعودية، الإمارات، بريطانيا، أمريكا)، بحيث تكون مساندة لتمكين بعض الأحزاب من السلطة تحت دواعي إبعاد الجيش عن الشؤون السياسية وتسليم مشاريعه الاقتصادية للحكومة. فجّرت هذه التوجهات الأزمة ما بين القوى السودانية، كما أن استبعادها للجامعة العربية ومصر، كان سبباً إضافياً لتذمر الأحزاب غير اليسارية وابتعادها عن مسار الأمم المتحدة
وفي سياق متوافق
مع المسار الإثيوبي، دخلت الرعاية الدولية من خلال الآلية الثلاثية (الأمم
المتحدة، الاتحاد الأفريقي والإيغاد) والآلية الرباعية (السعودية، الإمارات،
بريطانيا، أمريكا)، بحيث تكون مساندة لتمكين بعض الأحزاب من السلطة تحت دواعي
إبعاد الجيش عن الشؤون السياسية وتسليم مشاريعه الاقتصادية للحكومة. فجّرت هذه
التوجهات الأزمة ما بين القوى السودانية، كما أن استبعادها للجامعة العربية ومصر،
كان سبباً إضافياً لتذمر الأحزاب غير اليسارية وابتعادها عن مسار الأمم المتحدة.
في هذه السياقات، تبنت الآليتان الثلاثية والرباعية، باستثناء العربية السعودية،
سياسة مزدوجة، فبينما بدت جادة في تهميش الجيش واتهامه بالانقلاب في تشرين الأول/
أكتوبر 2021، فإنها اعتبرت مجموعة أحزاب اليسار مؤهلة لتشكيل الحكومة ولو بدون
الأحزاب الأخرى.
وإزاء هذه
التطورات، عملت مصر على تأمين مصالحها وملء الفراغ الناتج عن سقوط البشير. لم تكن
السياسة المصرية تدخلية بقدر ما سعت للانفتاح على كل الأطراف، حيث رغبت في التواصل
مع كل الأحزاب ومكونات الجيش، ورحبت برئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، في زيارة
رسمية للقاهرة التقى فيها مع أطيافا كثيرة من السياسيين والباحثين، وهي إشارة
لافتة لفتح الطريق أمام العلاقات الثنائية. لكن مع تأزم الوضع الداخلي في السودان،
اتجهت مصر لتقديم تصور للحل السياسي عبر مبادرة ورشة القاهرة التي خلصت لحلول لا
تستبعد أيا من الأطراف السودانية.
في هذه السياقات،
قدمت الأمم المتحدة موقفاً مرتبكاً، ليس فيما يتعلق بالمساهمة في تعقيد المشهد
اثناء المرحلة الانتقالية، ولكن في اتخاذها مواقف تُعزز الانقسام بين السودانيين.
فخلال مرحلة عمل بعثة "فولكر بيرتس" منذ حزيران/ يونيو 2020، مالت
لاستبعاد قسم كبير من الأحزاب والتحَفز ضد الجيش. يمكن اعتبار هذه المواقف مُؤجِجة
لاندلاع الاشتباكات، فكل ما فعلته البعثة الدولية يقع في نطاق حصار القوات المسلحة
وإفساح الطريق أمام "الدعم السريع" ليكون أحد اللاعبين السياسيين عبر
تحالفه مع قِسم من "الحرية والتغيير- المجلس المركزي". بعد اندلاع
المعارك، وقعت تصريحات فولكر لإبقاء الوضع كما هو في حالة اشتباك، دون أن يقدم
تعريفاً لتصرفات لتصرفات
قوات حميدتي وما إذا كانت قانونية.
يمكن اعتبار هذه المواقف مُؤجِجة لاندلاع الاشتباكات، فكل ما فعلته البعثة الدولية يقع في نطاق حصار القوات المسلحة وإفساح الطريق أمام "الدعم السريع" ليكون أحد
وعلى الرغم من
الحديث عن تدخل روسيا، بدت الإشارات لوجود قوات فاغنر في حرب السودان هامشية وغير
مستقرة، فكل الروايات استندت لسوابق تجارة الذهب بين الدعم السريع وروسيا دون
ظواهر ميدانية، وكل ما يحدث يدور حول خيارات تدخل روسيا عبر قوات تعتبرها غير
عسكرية. مع وضوح اتجاهات الحرب نحو ترجيح جانب الجيش، سوف تميل روسيا لتوسيع
مصالحها مع الجيش السوداني والتخلي عن ارتباطاتها السابقة، وذلك كخطوة لحماية
نفوذها في وسط أفريقيا ومنطقة الساحل.
هيّأت هذه
التداعيات الظروف للحرب الجارية، فلم يساعد التدخل الدولي على دعم الانتقال السياسي،
لكنه ساهم في نضج التناقضات، بحيث ظهر التباين في انقسام السودانيين على الاتفاق
الإطاري بين مؤيد ومعارض، مع انهيار مسار الترتيبات الأمنية (دمج قوات الدعم
السريع في الجيش)؛ القشة الأخيرة في بقاء الوضع متوتراً. فقد ارتبط اندلاع
الاشتباكات بوضوح مواقف دولية متباينة. فمن جهة، تعمل مصر والسعودية وجنوب السودان
لاحتواء التدخل الخارجي وكبح محاولات بعض الدول تطوير الإمدادات لقوات الدعم
السريع. تتكامل مواقف الدول الثلاث في دعم المبادرات الدولية أو المشتركة لوقف
الحرب وضمان سيطرة الجيش السوداني على مقاليد الدولة واستعادة المسار السياسي.
في هذا السياق،
تتضح الملامح الأولية في وجود حزمتين من المواقف الإقليمية؛ بدت الحزمة الأولى في
تفضيل الحفاظ على الدولة، ويتقارب هذا التوجه مع مصر والعربية السعودية وجنوب
السودان، بحيث تمثل مجموعة لاحتواء النزاع داخل السودان تحت مظلة الجيش باعتباره
السلطة الشرعية وانتظاراً لبدء العملية السياسية. وكانت الحزمة الثانية متمثلة في
محاولة بناء موقف يقوم على الاعتراف بوجود أزمة بين طرفين، الجيش وقوات الدعم
السريع، ويلقى هذا التوجه تأييد الإمارات العربية، والأمم المتحدة والاتحاد
الأفريقي، حيث يتوافقون على الحل عن طريق التفاوض.
وأثناء اندلاع
الاشتباكات، لم تقدم السياسة الأمريكية ما يُعين على وقف الحرب، ففي مقترحها
الأخير تبنت عملاً مزدوجاً، فمن جهة تضمن بقاء الدعم السريع طرفاً ومن أخرى، تتهم
الجيش بالقيام بانقلاب. لا تمنح هذه الوضعية بالثقة في الدور الأمريكي أو الاتحاد
الأوروبي، حيث تقوم وجهات نظرهما على افتراض إبعاد الجيش حلاً للخلافات بين
السودانيين.
مناقشات اتجاهات تأثير الإقليمي ترتبط بقدرة الوسطاء على احتواء الأطراف السودانية. وباستثناء جنوب السودان، تبدو ذات الأطراف مرتبطة بالأزمة في ليبيا، فهي تشمل على نحو ظاهر عددا من دول الخليج، ومصر والمجموعة الأوروبية- الأمريكية، بالإضافة لروسيا، ولذلك، يبدو التساؤل مشروعاً حول اتجاهات تأثير هذه الأطراف على ليبيا
بالإضافة لهذه
التداخلات، بدت محاولات من جانب إسرائيل والإمارات العربية للتأثير في مسارات
الأزمة. وبغض النظر عن طبيعة التدخل ومآلاته، بدا خطاب مسؤولي الدعم السريع
منسجماً مع الدعاية السياسية لكل من البلدين على حدة، ويُعبر حديث المستشار
السياسي يوسف عزت عن اتهام الفلسطينيين بالعدوان على إسرائيل توجهاً لتأطير
السودان ضمن النفوذ الإسرائيلي. من هذه الوجهة، يمكن أن تساعدنا خريطة التدخل
الدولي على فهم الشبكات المترابطة. لا يشير واقع الحال لاستقرار التحالفات، فهناك
ما يمكن اعتباره محاولات لإعادة التموضع بسبب تأرجح تأثير القوى المحلية
وتناقضاتها، فمن الصعوبة القول بأن كلاً من
حفتر وحميدتي قادر على الدخول في
علاقات مستقرة.
على الرغم من
توقعات توسع الحرب، تبدو مؤشرات احتواء "تمرد قوات الدعم السريع" قائمة،
غير أن مناقشات اتجاهات تأثير الإقليمي ترتبط بقدرة الوسطاء على احتواء الأطراف
السودانية. وباستثناء جنوب السودان، تبدو ذات الأطراف مرتبطة بالأزمة في ليبيا،
فهي تشمل على نحو ظاهر عددا من
دول الخليج، ومصر والمجموعة الأوروبية- الأمريكية،
بالإضافة لروسيا، ولذلك، يبدو التساؤل مشروعاً حول اتجاهات تأثير هذه الأطراف على
ليبيا. هنا، لا بد من الأخذ في الاعتبار عوامل أساسية، وأهمها، المساندة المتبادلة
ما بين الجيش السوداني وكلٍ من مصر وجنوب السودان بالإضافة للعربية السعودية، وهو
ما يعمل على دعم الاعتراف بالحكومة السودانية القائمة والقيام بدور الوسيط بين
السودانيين، ولعل انعقاد المباحثات الأولى في "جدة" يرسم ملامح الدور
المشترك للدول الثلاث.