قال القيادي
البارز بحزب البعث العربي الاشتراكي، مقرر لجنة إزالة التمكين المُجمّدة في
السودان، وجدي صالح، إن الحرب المشتعلة بين قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح
البرهان، وقائد
قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "
حميدتي"، لن تفرض واقعا
لا يرضاه السودانيون، و"لن نعترف بنتائج هذه الحرب التي سيفرضها أحد طرفي
النزاع على شعبنا".
وشدّد صالح،
في مقابلة خاصة مع "عربي21"، على تمسكهم الكامل بعودة الديمقراطية،
وقيام سلطة مدنية كاملة تدير البلاد، قائلا: "لن نتنازل عن ذلك مطلقا حتى لا
تتم عسكرة الدولة والحياة السياسية في البلاد؛ فالشعب السوداني حدّد خياراته،
والقوى المدنية ستظل تعمل جاهدة على تحقيق أهداف ثورة كانون الأول/ ديسمبر".
اظهار أخبار متعلقة
وحول موقفهم
من تطورات المشهد السوداني، أضاف: "موقفنا واضح؛ فنحن ضد الحرب، ولا نصطف مع
أي طرف من أطراف الصراع. وإيقاف الحرب موقف إيجابي نعمل عليه جميعا كقوى سياسية
ومدنية، ونحشد كل الجهود الداخلية والخارجية من أجل ذلك؛ فلعنة الحرب لها آثار
سيئة جدا، ونبذل كل جهودنا الممكنة والمتاحة من أجل إيقافها".
ورأى أن
"حل الأزمة السودانية يتمثل في إيقاف الحرب أولا، ثم الشروع في تسليم السلطة
للمدنيين، وإبعاد كل العسكريين بشكل كامل ونهائي من المشهد السياسي، ثم يُشكّل
الشعب السوداني وقواه السياسية والمدنية سلطتهم الانتقالية، وبعد ذلك يجري الترتيب
لانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب السوداني مَن يختاره".
ولفت صالح إلى أنهم بحاجة لمزيد من
"الضغوط الدولية لإجبار الطرفين على الجلوس على مائدة التفاوض لوقف إطلاق
النار أولا ثم بعد ذلك الدخول في مفاوضات وحلول شاملة".
وتاليا نص
المقابلة الخاصة مع "عربي21":
ما قراءتكم
لتطورات الوضع بالسودان؟ وكيف يبدو المشهد العسكري والأمني اليوم على الأرض؟
تطورت الأوضاع
في بلادنا ووصلت مرحلة الحرب -مع الأسف الشديد- وكل هذا الصراع الذي نعيشه من
الواضح أنه صراع حول السلطة، وتلك الحرب ليست وليدة أحداث اليوم، بل ترجع لأسباب
مختلفة ولفترات ماضية؛ فالخلافات داخل المكون العسكري كانت موجودة وتراوح مكانها
بين المد والجزر إلى أن انفجرت بين الطرفين، وكان من الواضح أننا نتجه نحو هذا
الصدام اللعين، رغم وساطة العديد من الجهات الداخلية والخارجية التي سعت سابقا
للحيلولة دون ذلك، لكن الطرفين كانا جاهزين ومستعدين لهذه الحرب التي كانت متوقفة
على مَن يطلق الرصاصة الأولى.
وهذه الحرب هي
صراع حقيقي على السلطة، رغم أن بها ابتزاز عاطفي باسم الوطنية والديمقراطية
وبشعارات أخرى؛ فالبرهان لا يريد أن يتنازل عن السلطة، وكذلك حميدتي يسعى
للاستحواذ على حصته منها، وبات الوضع اليوم أكثر تعقيدا وتأزما، خاصة مع استمرار
القتال حتى الآن وانتقاله إلى ولايات أخرى، وسقوط العديد من القتلى والمصابين،
وتدفق موجات النزوح لخارج البلاد، وانهيار الخدمات المدنية.
هل ساهمت
الخلافات بين المدنيين في اندلاع تلك الحرب؟
هذا أمر غير
صحيح بالمرة، ولا يمكن التحجّج بخلافات المدنيين، والمكون العسكري كان دائما يزعم أنه جاهز لتسليم السلطة للمدنيين بينما كان يتذرع بأن المكون المدني بداخله
خلافات، في حين نحن أكدنا أن الخلافات بين المدنيين وبعضهم البعض أمر طبيعي جدا،
خاصة أن خلافاتهم تُدار بالحوار والكلام لا السلاح، والحقيقة أنه كان يمكن التوصل إلى
حوار وتفاهم بين المدنيين.
أين أنتم وأين
دوركم من تلك الأحداث؟
موقفنا واضح؛
فنحن ضد الحرب، ولا نصطف مع أي طرف من أطراف الحرب. وإيقاف الحرب موقف إيجابي نعمل
عليه جميعا كقوى سياسية ومدنية، ونحشد كل الجهود الداخلية والخارجية من أجل ذلك؛
فلعنة الحرب لها آثار سيئة جدا، ونبذل كل جهودنا الممكنة والمتاحة من أجل إيقافها.
نحن نعمل مع
القوى السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، ومع التنظيمات النقابية والمهنية، وندعم
جهود توقف الحرب، ونعتبر هذا العمل مهمتنا ومسؤوليتنا التاريخية، لذا دعوْنا –وما
زلنا نكرر الدعوة– لتكوين جبهة مدنية واسعة لإيقاف هذه الحرب. وبحمد الله قد تم
إعلان هذه الجبهة وإعلان بيانها التأسيسي، وضمت: القوى السياسية، والنقابات، ولجان
المقاومة، والتنظيمات المهنية، والنقابية، والشخصيات الوطنية.
اظهار أخبار متعلقة
ونتوقع أن يكون لهذه الجبهة دور كبير ومهم في تكثيف الجهود من أجل إيقاف الحرب التي يجب
أن تتوقف في أسرع وقت، لأن آثارها كارثية للغاية على السودان، وعلى المستوى
الإقليمي، وعلى السلم والأمن الدولي.
نحن لا نواجه
عدوا خارجيا، بل اقتتالا داخليا، وكل الضحايا سودانيون في المقام الأول، وبالتالي فلا منتصر في هذه الحرب، ولا مصلحة لنا في استمرارها ولن تفرض علينا واقعا لا نرضاه
.
هل يمكن لأحد
الفريقين حسم الاقتتال لصالحه قريبا أم إن الأمور مرشحة للتوسع إلى ولايات أخرى؟
الحرب غير
منحصرة في ولاية الخرطوم فقط، بل امتدت إلى عدد من الولايات الأخرى؛ فهناك معارك
جارية في غرب وشمال دارفور، كما شهدت ولاية شمال كردفان وعدد من الولايات عدة
معارك.
وإذا استمرت
هذه الحرب اللعينة فستنتشر المعارك في كافة أنحاء السودان، لذا فإننا نعمل جاهدين من أجل
وقف الاقتتال.
أما عن الحسم
العسكري؛ فليس الحاسم هو المنتصر، وليس المهزوم منهزما، لأن هذه الحرب ليس فيها
منتصر ومهزوم والكل خاسر.. المتضرر هو الشعب السوداني.
كيف تنظرون إلى أزمة دمج قوات الدعم السريع في الجيش؟
بداية، لا
ينبغي لنا الانحياز لأي طرف من طرفي الصراع؛ فهذا لن يوقف النار. وكل المبادرات
السياسية ومواقف القوى السياسية قبل الحرب تناولت الوضع القانوني والعسكري وضرورة
دمجها وكل القوى المسلحة في جيش وطني واحد، وذلك بعدما جرت نقاشات سابقة بخصوص هذا
الأمر، وفي كل الأحوال هناك إجماع من القوى السياسية المدنية منذ اليوم الأول
بضرورة رفض وجود أي قوة أو مليشيا تحمل السلاح خارج المؤسسة العسكرية السودانية
التي يجب أن تكون هي المؤسسة الوحيدة المعنية بذلك وتحتكر أدوات العنف في إطار دور
وطني تقوم به، وهذا أمر مُتفق عليه.
وكان ظن البعض
بأنه عندما يوقع الطرفان على وثيقة اتفاق سياسي فسيكون هناك مخرج ونتجنب المواجهة
العسكرية، لكن الإصرار على المواجهة -بتأجيج من فلول النظام البائد- فجّر الحرب،
وعقّد الأوضاع أكثر، واستغل الفلول تلك الأحداث المؤسفة التي صنعوها وأجّجوا نارها
متوهمين العودة من خلالها مرة أخرى إلى السلطة، حتى ولو كانت على أنقاض السودان وجماجم
شعبه.
وكيف ترون
فرار بعض السجناء المحسوبين على النظام السابق من بعض سجون العاصمة الخرطوم؟
الذي قام
بإخراج المسجونين من السجون السودانية هو صاحب مصلحة حقيقية في إحداث الفوضى،
وإثارة الحرب، والمستفيد من ذلك بالطبع هم فلول النظام السابق، بعد أن صارت قيادات
النظام السابق أحرارا.
وقد شهدت
البلاد فوضى عظيمة، لكن لا يمكن الجزم بإخلاء كل السجون في الولاية، وهناك محاولة
للتشويش على المشهد السياسي، ومن المعلوم أن الحروب تأتي بالفوضى والاضطرابات
والانفلات الأمني، لكنّ المراقبين للأحداث يؤكدون أن هذا العمل مُرتب ومُدبر ومُخطط
له من قبل.
هل هناك خطوط
حمر لدى المجتمع الدولي حيال عودة حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم سابقا؟
لا ننشغل بهذا
الأمر، ولا نراهن على مواجهة فلول النظام السابق بواسطة المجتمع الدولي فقط؛ فإرادة
الشعب السوداني هي التي رفضتهم، وإرادته هي التي أسقطتهم، وهي التي ستقف في مواجهة
أي محاولة متوهمة منهم للعودة للسلطة مرة أخرى.
ثورة كانون
الأول/ ديسمبر ما زالت مستمرة، وروحها وأهدافها ما زالت في قلوب الثوار، وبالطبع
لن تكون لهم أي إمكانية لعودتهم إلى السلطة مرة أخرى؛ لأن الشعب السوداني بكل أطيافه
ضد عودة هؤلاء إلى الحكم.
اظهار أخبار متعلقة
أعتقد أن هذا
الأمر مجرد دعاية إعلامية، وحرب نفسية في مواجهة الشعب السوداني، وحتى إن سيطروا
على مواقع القرار داخل بعض مؤسسات الدولة فإنهم لن يستطيعوا من خلالها العودة إلى
السلطة مطلقا.
لمَن تخضع
السجون حاليا في الخرطوم والمدن الأخرى في البلاد؟
تخضع إدارة السجون
في الأصل لوزارة الداخلية، ولشرطة السجون على وجه الخصوص، وبعد انقلاب 21 تشرين
الأول/ أكتوبر 2021 تم فصل شرطة السجون عن الشرطة العامة، وجعلها شرطة مستقلة تتبع
وزارة الداخلية، وبالتالي فالسجون تتبع لشرطة السجون تحت مظلة وزارة الداخلية
السودانية.
ما دلالات
إجلاء الرعايا الأجانب من السودان؟ وما أثر ذلك على طول أمد الصراع؟
أنا لا أربط
عملية إجلاء الرعايا الأجانب من السودان بأنه دلالة على طول أمد الحرب أو قصرها؛
لأن معارك الحرب تتم داخل العاصمة، ورعايا الدول الأجنبية وخاصة البعثات
الدبلوماسية، والعاملون بالمنظمات الدولية يقيمون بالعاصمة، فمتى ما تهدد أمنهم أو
استقرارهم فمن حقهم مغادرة البلاد.
ولكن أؤكد أن هذه الحرب ستتوقف بإرادة السودانيين، من خلال الضغط على طرفي الصراع؛ لأنها حرب
داخلية، وكلما كان هناك ضغط داخلي يتبعه ضغط دولي وإقليمي على طرفي الحرب سنتجه
لوقف هذه الحرب.
ومع دخول
الحرب أسبوعها الثالث -وهذه مدة طويلة- فلا بد من تكاتف جميع الجهود وتضافرها في
الداخل والخارج من أجل إيقافها.
إلى أين وصلت
عمليات إجلاء الرعايا الأجانب؟
إلى حد ما
يمكن القول بأن عمليات الإجلاء تسير بشكل مُرتب؛ فقد تم إجلاء عدد كبير جدا من
الرعايا الأجانب المقيمين داخل العاصمة، وداخل السودان بشكل عام.
يعتقد البعض
بأن خروج البعثات الدبلوماسية يعني أن الحرب قد اشتدت، وأنه ليس هناك رادع لطرفي
النزاع، والحقيقة أنه ليس لذلك أي دلالات، لكن ربما الضغوط التي تُمارس داخليا
وخارجيا على طرفي الاقتتال تساهم في توقف الحرب.
وليست هناك
علاقة مباشرة بين إجلاء الرعايا وتوقف الحرب، وإن كانت هناك علاقة غير مباشرة
باعتبار أهمية المحافظة على رعايا المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية أثناء
الحرب.
وقد رأينا في
الأيام الأولى لهذه الحرب كيف كانت المعارك شرسة وقوية، وأن وجود تلك البعثات لم
يوقفها.
ما موقفكم من
قول البعض بأن العملية السياسية فشلت تماما في السودان؟
نحن مع عودة
الديمقراطية، ومع قيام سلطة مدنية كاملة تدير البلاد في فترة انتقالية تجرى في
نهايتها انتخابات حرة ونزيهة ومباشرة، ولن نتنازل عن ذلك مطلقا حتى لا تتم عسكرة
الدولة والحياة السياسية في البلاد، ولن نعترف بنتائج هذه الحرب التي سيفرضها أحد
طرفي النزاع على شعبنا؛ فالشعب السوداني حدّد خياراته، ونحن من القوى السودانية
التي ستظل تعمل جاهدة من أجل إقامة الديمقراطية، وتحقيق أهداف ثورة كانون الأول/ ديسمبر
المجيدة.
ومن ثم فإنه ليس
هناك مواطن سوداني أو قوى سياسية ضد الديمقراطية سوى الفلول الذين أسقطتهم هذه
الثورة، وتضررت مصالحهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وانعزلوا تماما عن
المجتمع السوداني.
لكن كل الجهود
يجب أن تتجه الآن نحو وقف إطلاق النار أولا، لأن الخسائر الناتجة عن الحرب ضخمة
وكبيرة جدا ومُدّمرة.
هل من المحتمل
أن تتدخل مستقبلا قوى إقليمية ودولية في الأزمة الراهنة بشكل مباشر لحسم وإنهاء
الصراع؟
نحن لا نراهن
في حسم هذا الصراع وإنهاء الحرب على المجتمع الإقليمي والدولي، وإنما نطلب فقط
ممارسة الضغوط لإيقاف الحرب.
نحن ضد أي
تدخل خارجي أو أجنبي في شؤوننا الداخلية وتفاصيلها، ولكن كما أعلنت الجبهة المدنية
لإيقاف الحرب واسترداد الديمقراطية، والتي نحن جزء منها، فإن الجبهة ترحب فقط
بجهود المجتمع الإقليمي والدولي التي تعمل لإيقاف الحرب، والتخفيف من آثارها، وما
تقوم به من عمليات الإغاثة الإنسانية.
كيف ترون ما
يقوله البعض من أن القوى الدولية الكبرى هي القادرة على وقف الحرب وحل الأزمة
السودانية؟
لا يمكن القول
بأن المجتمع الدولي وحيدا هو الذي سيفرض الحل، لكن يجب أن تتكامل كل الجهود داخليا
من قِبل القوى السياسية، والمجتمع المدني بمعناه الواسع، وكذلك الأحزاب السياسية،
والنقابات، والمهنيين، وكل القوى المدنية يجب أن تعمل على إيقاف الحرب، وأن تدعم
أيضا إرادة المجتمع الإقليمي والدولي في هذا الاتجاه بالضغط على طرفي الصراع.
وأؤكد مرة
أخرى أننا نرحب بالمجتمع الدولي وندعمه في ما يتعلق بإيقاف الحرب، وفي الشؤون
الإنسانية وأعمال الإغاثة، دون الدخول في تفاصيل تشكيل المشهد داخل السودان. هذا
خيار الشعب السوداني، الذي لن يتنازل عنه وفق أهداف ثورة كانون الأول/ ديسمبر
المجيدة، وشعاراتها المرفوعة: "الحرية والسلام والعدالة".
ما المطلوب
تحديدا من المجتمع الدولي فعله إزاء حرب السودان؟
على المجتمع
الدولي أن يعي تماما أن السودان لن يستقر مطلقا إلا بإيقاف هذه الحرب، وإقامة سلطة
مدنية ديمقراطية يتوافق عليها السودانيون، وتعمل على إنجاز مهام الفترة
الانتقالية، وإقامة انتخابات حرة مباشرة ونزيهة؛ ليختار فيها الشعب السوداني مَن
يختاره، ونضع البلاد في مسار الديمقراطية الصحيح، وأي حديث غير ذلك لا يمكن أن
يسهم في استقرار البلاد.
نحن نعلم
تماما وضع البلاد، وموقع السودان الجيوسياسي المؤثر على محيطه الإقليمي والدولي،
وحريصون على الأمن في البلاد واستقرارها كحرصنا على الأمن الإقليمي والأمن والسلم
الدوليين.
يجب على
المجتمع الدولي أن يدعم إرادة الشعب في إيقاف الحرب، وإقامة سلطة مدنية ديمقراطية
انتقالية، ثم تجرى انتخابات حرة ونزيهة في أقصر فترة ممكنة؛ ليختار الشعب السوداني
مَن يمثله، وحماية العملية الديمقراطية، وأن تكون السلطة المدنية لها كامل الولاية
والإشراف على كل مؤسسات الدولة بلا استثناء، وهي السلطة التي تضع السياسة العامة،
وتكون السلطة السياسية الأولى في البلاد دون معقب عليها.
وأعتقد أننا
بحاجة لمزيد من الضغوط الدولية لإجبار الطرفين على الجلوس على مائدة التفاوض لوقف
إطلاق النار أولا ثم بعد ذلك الدخول في مفاوضات وحلول شاملة.
وماذا عن
تقييمكم للدور الذي تلعبه مؤسسات العمل العربي المشترك في الأزمة السودانية؟
مؤسسات العمل
العربي المشترك ليست سوى أسماء ولافتات على المباني، والشعب العربي يعلم تمام
العلم أن موقف الجامعة العربية يقتصر على الشجب والإدانة لا أكثر، حتى إن هذه
الكلمات غابت عن بعض القضايا العربية، ولا أتحدث عن الحرب في السودان فقط، ولذا فنحن لا نراهن على تلك المؤسسات لأنها ضعيفة جدا، حتى مع باقي قضايا الوطن العربي
المركزية وخاصة قضية فلسطين، وبالتالي فمجرد الحديث عنها مضيعة للوقت، ونحن نتمنى
أن تقوم الجامعة العربية بدورها في إيقاف هذه الحرب اللعينة.
هل الصراع
الحالي يُهدّد مستقبل السودان؟
بالطبع.. الحرب
الدائرة الآن تُهدّد بشكل خطير مستقبل السودان السياسي والاقتصادي والاجتماعي
والأمني. لذا، فلا بد من توقف هذه الحرب، ولن تتوقف إلا إذا بذلنا جميعا كقوى مدنية
وسياسية الجهد اللازم لإيقافها، وعلى طرفي الصراع الإيمان بأن استمرار الحرب يعني
انهيار السودان من الناحية الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وآثارها ستكون طويلة
ووخيمة ولا يمكن معالجتها على الأمد القريب، وستجهض تطور البلاد.
ونحن لا نتمنى
أن تنزلق البلاد إلى ما انزلقت إليه بعض دول الجوار في حرب أهلية ضروس مستمرة حتى
الآن، وبإذن الله سنبذل كل ما في وسعنا لكي لا تنزلق البلاد إلى هذا المنزلق
الخطير.
ولذلك، فإننا نركز
في الخطابات على الابتعاد عن خطابات الكراهية والقبلية والإثنية؛ فنحن جميعا
مواطنون سودانيون متساوون في الحقوق والواجبات، ولا تمييز بيننا على أساس لون أو
عرق أو دين أو أصل اجتماعي أو إقليمي أو جهوي، ويجب أن نعمل سويا للمحافظة على
وحدة البلاد شعبا وأرضا، وسننجح في ذلك بإذن الله؛ فنحن نعمل جاهدين على محاصرة
هذه الحرب، وأن تتوقف، وألا تتمدد إلى أي أطراف أخرى.
ما
السيناريوهات المطروحة لحل الأزمة في السودان؟
الحل واحد،
أولا إيقاف الحرب، ثم الشروع في تسليم السلطة للمدنيين، وإبعاد كل العسكريين بشكل
كامل ونهائي من المشهد السياسي، ثم يُشكّل الشعب السوداني وقواه السياسية والمدنية
سلطتهم الانتقالية، وبعد ذلك يجري الترتيب لانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب
السوداني مَن يختاره.
أي وجود للقوة
العسكرية أو المسلحة في المشهد السياسي، أو في تشكيل المشهد السياسي القائم لن
يحقق استقرارا في البلاد، وعلى العسكريين الابتعاد تماما عن العمل السياسي
والاقتصادي، وأن تكون هذه المؤسسات لأداء المهام المنوطة بها فقط؛ فهذه المؤسسات
لم تنشأ لتحكم، وإنما لتحمي حدود البلاد، وتحمي أمنها واستقرارها، أما أن تكون
جزءا من العمل السياسي اليومي، فهذا سيحوّل المؤسسة من قوات مسلحة إلى مؤسسة
سياسية، وهو ما يضر كثيرا بالقوات المسلحة والبلاد.
نحن مع جيش
وطني واحد، وبالتالي فلا بد للسلطة المدنية من أن تعمل جاهدة لدمج هذه الجيوش المتعددة
في القوات المسلحة السودانية؛ ليكون هناك جيش وطني واحد.
ونحن لسنا ضد
القوات المسلحة السودانية، وإنما ضد الحرب، نحن مع دمج كل القوات، وإجراء
الترتيبات الأمنية لدمج هذا العدد الكبير من الجيوش الموجودة في السودان وفقا
للمعايير الدولية التي تتعلق بالدمج، ولذلك نقول: إن الجيش الوطني الواحد هو الحامي
لاستقرار هذه البلاد وأمنها وسلامتها.
نأمل أن تنتهي
كل هذه الجهود سواء كانت جهودنا كقوى مدنية وسياسية، وغيرها من الجهود الداخلية،
أو الجهود الإقليمية والدولية، بإيقاف الحرب وإقامة السلطة المدنية الانتقالية
الديمقراطية.
هذه الحرب يجب
أن تتوقف اليوم قبل الغد. هذه الحرب لعينة، وآثارها كارثية وفادحة جدا على الشعب
السوداني، وعلى محيطه الإقليمي والدولي.. حفظ الله السودان شعبا وأرضا.