تتواصل عمليات إجلاء الجاليات الدبلوماسية والرعايا الأجانب من
السودان، في وقت تتزايد فيه المخاوف من أن يكون إصرار الغرب على إجلاء رعاياه بهذه السرعة مقدمة لحرب طويلة تضر بمصر.
والقتال الذي اندلع في 15 نيسان/ أبريل الجاري، بين قوات الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، أسفر عن مقتل أكثر من 400 شخص وإصابة نحو 3551 آخرين.
والجمعة الماضي، الذي وافق عيد الفطر في السودان، قبل الطرفان بهدنة لمدة ثلاثة أيام، بدعوى تيسير أمور المواطنين، بمناسبة العيد، إلا أن مراقبين توقعوا أن الهدنة جرى استغلالها لنقل إمدادات سلاح خارجي ودعم لطرفي الصراع.
اظهار أخبار متعلقة
"إجلاء سريع"
ومع تردي الأوضاع الأمنية، تسعى الكثير من دول العالم لإجلاء دبلوماسييها ورعاياها من السودان، حيث "وصلت السبت الماضي، أول سفينة إجلاء تضم 50 مواطنا سعوديا وعددا من رعايا الدول الشقيقة"، وفق قناة "الإخبارية" السعودية.
وزارة الخارجية السعودية، أكدت أن قواتها البحرية بالتعاون مع فروع عسكرية أخرى، أجلت 91 مواطنا، و66 من الكويت وقطر والإمارات ومصر وتونس وباكستان والهند وبلغاريا وبنغلادش والفلبين وكندا وبوركينا فاسو، بينهم دبلوماسيون ومسؤولون.
وأعلن الجيش السوداني، الخميس الماضي، عن إجلاء 177 عسكريا مصريا كانوا يتواجدون في مطار مدينة مروي بشمال البلاد.
وأكدت "رويترز" و"فرانس24"، أن أطرافا عدة بينها الاتحاد الأوروبي، يقومون بإعداد خطط لإجلاء رعاياهم الأجانب، بينما نشرت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان قوات في دول مجاورة استعدادا لعمليات كهذه.
واستعدت أمريكا وبعض الدول الأخرى لإجلاء مواطنيها، إذ قال الجيش السوداني في بيان إن أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين ستجلي دبلوماسيين ورعايا آخرين من الخرطوم، وهو ما تم جزئيا، الأحد.
ورغم البيانات المتتابعة من
مصر عن عمليات الإجلاء، فقد أُصيب أحد أفراد البعثة الدبلوماسية المصرية بالرصاص جراء الاشتباكات الدائرة في السودان، وفق المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبوزيد، الأحد.
اظهار أخبار متعلقة
"إجلاء كامل وإغلاق مريب"
التسارع الغربي في عمليات الإجلاء، دفع مراقبين إلى التوقع بأن يطول أمد
الحرب في السودان، وبينهم الباحث والمحاضر في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية، أنس القصاص، الذي تحدث عن ما اعتبره "تطورا شديد الأهمية"، في الملف السوداني.
ولفت القصاص عبر صفحته على "فيسبوك" إلى أن صورا للأقمار الصناعية سجلت على مدار الأيام الثلاثة الماضية تشير إلى جسر جوي مكون من 19 طائرة (سي 17 غلوب ماستر) ممتد من قواعد عسكرية كبرى داخل أمريكا باتجاه القاعدة الأمريكية في جيبوتي، ومحتمل وجهات أخرى.
ويرى أن هذا الجسر غير مرتبط بعمليات الإجلاء للرعايا، أو الدبلوماسيين، مؤكدا أن هذه الطائرات بإمكانها نقل ما يقارب الـ15 ألف شخص وهو عدد قد يتخطى عدد أفراد الجاليات الغربية في السودان مجتمعة.
وأضاف: "في ظني أن تلك الحركات هي عمليات نقل مكثفة لقوات خاصة أمريكية في إطار عملية موسعة لإعادة الانتشار في جيبوتي وقاعدة رامشتاين في ألمانيا - مقر قوات الأفريكوم - كتعزيز لاستجابة الطوارئ التي طرحتها الأزمة السودانية خلال الأيام الماضية".
وتابع: "وما يؤكد ذلك التصور بوجود ترتيبات ضخمة وتوقعات بتصاعد الأزمة في السودان هو ذلك الإجلاء الكامل والإغلاق المريب للسفارة الأمريكية في الخرطوم على نحو لم يفعله الأمريكيون منذ عشرات السنين".
"مؤشر للأسوأ"
ودفعت عمليات الإجلاء الغربي السريع، مراقبين وسياسيين لمطالبة النظام المصري بالتحرك السريع لوقف الحرب في السودان، وعدم ترك الموقف لمزيد من التدهور.
اظهار أخبار متعلقة
وقال الصحفي المصري في "تي آر تي" التركية، سمير العركي، إن "التحرك المصري تجاه ما يحدث في السودان يجب أن يكون سريعا وحاسما، ولا ينبغي لها ترك الأمور لمزيد من التدهور الذي سيكون على حساب الأمن القومي المصري".
وعبر صفحته على "فيسبوك"، أضاف أن "إجلاء الرعايا الأجانب الذي يجري على قدم وساق مؤشر لما هو أسوأ".
"عربي21"، توجهت إلى سياسيين وخبراء وباحثين سياسيين، وطرحت عليهم التساؤل حول دلالات إجلاء الرعايا الأجانب من السودان بهذه السرعة، ومدى اعتبارها مؤشرا على أن القادم أسوأ، للبلد العربي الذي يبلغ تعداده نحو 45.66 مليون نسمة.
وأثارت "عربي21" تساؤلات عن الخسائر المحتملة على مصر من إطالة أمد الحرب هناك، والدور الذي يجب أن تلعبه القاهرة سريعا في الأزمة، والأوراق الممكنة لديها لممارسة الضغوط على طرفي الحرب في الخرطوم.
اظهار أخبار متعلقة
"الأمر خطير"
وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر الدين علام، وفي تعليقه على تساؤلات "عربي21"، أشار إلى خطورة الموقف في الجارة الجنوبية لمصر، ولفت إلى تأثيره المحقق على القاهرة، مكتفيا بقوله: "ربنا يسترها علينا وعلى السودان".
وكان علام قد عبًر عن أسفه في صفحته على "فيسبوك"، من أن أحداث السودان، كشفت أسرارا وكواليس مكائد دولية وإقليمية مكثفة طمعا في السودان من ناحية، وهي تستهدف مصر "كهدف أساسي" وفق رأيه.
وأضاف: "مصر والسودان، أساس استقرار المنطقة، ومشكلة كبيرة لأعداء الأمة وخونة الداخل والخارج، ومحاولات الأعداء دائما افتعال أزمات داخلية مستمرة في كلا البلدين، والانقضاض الخارجي إن أمكن عسكريا أو استراتيجيا، ويساعدهم في ذلك للأسف سوء الإدارة الداخلية".
وأكد أن "الحذر والضرب بقوة وتحجيم ما حدث وما يحدث ومن هم وراءه، يجب أن يكون هدفا رئيسيا لأى تحرك مصري، والأهم استيعاب الأسباب وتجنب أى سقطات داخلية في إدارة الدولة".
اظهار أخبار متعلقة
"الأمد سيطول"
وفي تعليقه، قال السياسي والبرلماني المصري السابق الدكتور ثروت نافع، إن "إجلاء الرعايا من السفارات الأجنبية في السودان وخاصة من سفارات الدول الكبرى دليل على أن هذه الحرب ليست قصيرة وأنها (الدول الكبرى) ترى في الأفق أن الأمد سيطول".
أما بالنسبة لتأثير مصر ودورها الواجب خلال أزمة جارتها الجنوبية، فأضاف أستاذ "الدراسات الاستراتيجية" بكندا، في حديثه لـ"عربي21": "للأسف، مصر تعتبر خصما لأحد الطرفين؛ لذا فإن تأثيرها سيكون ضعيفا في هذه المعادلة، ولأن هناك طرفا لن يقبل الوساطة المصرية".
مؤسس "الحركة الليبرالية المصرية"، أوضح أن "هذا نتيجة لأن القاهرة تدخلت في الشأن السياسي بالنسبة للثورة السودانية، ولم تعد كسابق عهدها في التأثير على القرار السياسي في السودان"، وفق تعبير نافع.
وعن الأوراق المصرية يرى أنه "ليست هناك أوراق كثيرة لمصر في الملف السوداني"، مستدركا بقوله: "لكن للأسف الشديد فإن دور مصر يتقلص دوليا نتيجة التدهور السياسي والتدهور الاقتصادي والوضع الحالي للبلاد".
"السيناريو الأسوأ"
وفي رؤيته، قال الباحث والأكاديمي المصري الدكتور محمد الزواوي، في حديثه لـ"عربي21"، إن "الوضع في السودان مرشح للتصعيد ما لم تتدخل قوى وساطة فاعلة في الصراع وتنزع فتيل الأزمة".
وأضاف الزواوي المحاضر بمعهد الشرق الأوسط في جامعة "سكاريا" التركية: "ومن ثم فإن إجلاء الرعايا الأجانب يعد أمرا طبيعيا في ظل الأوضاع الأمنية والمعيشية التي تزداد سوءا، لاسيما مع اتساع رقعة المعارك والتي لم تستثن حتى المطارات والمراكز الحيوية في البلاد".
وفي تقديره فهو يرى أن "السيناريو الأسوأ هو تحول الأوضاع إلى حرب أهلية واسعة النطاق، لا سيما بالنظر إلى الموارد والمعدات التي تمتلكها قوات الدعم السريع".
وأشار إلى أنه "من الواضح أن قائد قوات الدعم السريع، حمديتي، لن يتنازل عن سلطاته بسهولة والموافقة على دمج قواته في الجيش الوطني، ومن ثم فهو يراهن على كسر قيادة الجيش واستلام السلطة هو فعليا".
ويعتقد الزواوي، أن "ذلك هو السيناريو الوحيد الذي ربما يحافظ على حياته (حميدتي) وعدم محاكمته بتهمة الخيانة العظمى والتمرد على الجيش الوطني".
وتابع: "ومن ثم فبالنظر إلى تلك المعطيات وكذلك بالنظر إلى داعمي حمديتي الإقليميين والدوليين، فإن الرهان يبدو على إسقاط الجيش الوطني وتنصيب حكومة تابعة لتلك القوى الإقليمية".
اظهار أخبار متعلقة
"أوراق مصر"
وعن الدور المصري، قال الزواوي: "فربما يقتصر على إجراء مباحثات مع القوى الإقليمية الفاعلة ومحاولة الخروج بسيناريو توافقي وإن كان ذلك يصبح صعبا يوما بعد يوم".
وأوضح أنه "لا سيما وأن أدوات مصر للتأثير سواء على المستوى الإقليمي أو حتى في داخل السودان باتت شبه معدومة، نظرا للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وكذلك اعتماد القاهرة على المانحين الإقليميين والدوليين لانتشالها من أزماتها الاقتصادية".
"السيناريو الأكثر قتامة"، في تقدير الباحث والأكاديمي المصري، "هو انهيار الدولة في السودان ودخولها في حرب أهلية تزيد من مصاعب مصر وتؤدي إلى تدفق لاجئين وتهدد أمنها المائي بما يقلص من أوراقها للضغط على إثيوبيا في ملف سد النهضة".