كتاب عربي 21

من باندونغ إلى بكين: أي دور للعرب والمسلمين في المشهد الدولي الجديد؟

قاسم قصير
بوادر بروز مراكز قوة جديدة- الأناضول
بوادر بروز مراكز قوة جديدة- الأناضول
في الرابع والعشرين من شهر نيسان/ أبريل من العام 1955، انعقد مؤتمر باندونغ (مدينة إندونيسية، وهي عاصمة ولاية جاوة)، وقد حضر المؤتمر ممثلون لأربع وعشرين دولة آسيوية وأفريقية أبرزهم الرئيس المصري جمال عبد الناصر، بالإضافة إلى رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، ورئيس يوغسلافيا جوزيف تيتو، والرئيس السوداني إسماعيل الأزهري، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية كمراقب (قبل انتصار الثورة الجزائرية في مواجهة الاحتلال الفرنسي).

وقد تبنى المؤتمر مجموعة من القرارات لصالح القضايا العربية وقضايا الشعوب الأفريقية والآسيوية وضد الاستعمار الغربي، وكان النواة الأولى لحركة عدم الانحياز التي ضمّت لاحقا حوالي سبعين دولة، وكان لها دور مهم على الصعيد العالمي، في ظل الصراع المحتدم آنذاك بين الاتحاد السوفييتي والمحور الشيوعي من جهة (حلف وارسو)، وبين أمريكا والدول الغربية والمحور الرأسمالي (حلف الناتو).

وكان لهذه الحركة السياسية دور مهم في دعم الثورات التحررية ومواجهة الاستعمار ودعم القضية الفلسطينية، وإطلاق حركة سياسية عالمية ترفض الانحياز لأحد المحورين.

اليوم، نستعيد لحظة باندونغ ودور حركة عدم الانحياز، في ظل الصعود الجديد لدور الصين على الصعيد العالمي وبعد رعايتها للاتفاق الإيراني- السعودي، وكأننا اليوم أمام لحظة جديدة على الصعيد الدولي والإقليمي، هي: لحظة بكين.

واستمر دور هذه الحركة لفترة من الزمن، لكنه تراجع لاحقا في ظل التغيرات التي سادت الأوضاع الدولية والإقليمية ورحيل القادة المؤسسين، وصولا إلى انهيار الاتحاد السوفييتي وقيام النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

وكان من أهم بنود حركة عدم الانحياز: احترام حقوق الإنسان، سيادة جميع الدول ووحدتها، عدم التدخل في شؤون الدول، تسوية النزاعات بالطرق السلمية، تنمية المصالح المتبادلة بين هذه الدول.

واليوم، نستعيد لحظة باندونغ ودور حركة عدم الانحياز، في ظل الصعود الجديد لدور الصين على الصعيد العالمي وبعد رعايتها للاتفاق الإيراني- السعودي، وكأننا اليوم أمام لحظة جديدة على الصعيد الدولي والإقليمي، هي: لحظة بكين.

فالعالم يشهد اليوم تطورا مهما على الصعيد الدولي في ظل تراجع الدور الأمريكي واتجاه العالم إلى نظام جديد متعدد الأقطاب، وهذا باعتراف المسؤولين والمفكرين والباحثين الأمريكيين. فلم تعد أمريكا هي التي تدير شؤون العالم مع حلفائها، وبرزت قوى دولية وإقليمية جديدة تحاول أن يكون لها دور جديد في العالم.

ولعل الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين وتصريحاته التي أطلقها حول ضرورة اتباع أوروبا لسياسات جديدة مستقلة عن أمريكا، إضافة لزيارة الرئيس الصيني الأخيرة إلى روسيا، وما سبق ذلك من تصاعد للدور الصيني في العالم وفي المنطقة، إضافة لتنامي دور المنظمات الإقليمية والدولية الجديدة، ومنها منظمة شنغهاي ومجموعة دول البريكس، وما يجري من تغيرات في أمريكا اللاتينية، كل ذلك يؤشر إلى أننا ذاهبون إلى نظام إقليمي ودولي جديد.

العالم يشهد اليوم تطورا مهما على الصعيد الدولي في ظل تراجع الدور الأمريكي واتجاه العالم إلى نظام جديد متعدد الأقطاب، وهذا باعتراف المسؤولين والمفكرين والباحثين الأمريكيين. فلم تعد أمريكا هي التي تدير شؤون العالم مع حلفائها، وبرزت قوى دولية وإقليمية جديدة تحاول أن يكون لها دور جديد في العالم.
لكن الجانب الأهم في كل هذا المشهد الدولي والإقليمي، أن هناك دولا وقوى عربية وإسلامية مهمة تؤدي أدوارا جديدة في هذا المشهد، وهي السعودية وإيران وتركيا، وبشكل أقل نسبيا مصر والعراق وقطر وسلطنة عُمان، وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين. ولعل الاتفاق الإيراني- السعودي وعودة التقارب الإيراني- العربي هو الحدث الأهم في هذا المشهد، ويضاف لذلك التقارب العربي- التركي، وعودة العلاقات العربية مع سوريا ونمو وقوة محور المقاومة في لبنان وفلسطين، وأزمة الكيان الصهيوني وتراجع مشروع التطبيع بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني، وفشل اتفاقات أبراهام، وبدء الوصول إلى حل شامل للأزمة في اليمن.

إذن، نحن أمام مشهد جديد ولحظة إقليمية ودولية تسمح بالحديث عن "لحظة بكين"، التي يمكن أن تشكل فرصة مهمة للشرق كله (العربي والإسلامي والآسيوي)، وبالتعاون مع دول أفريقية ودول أمريكا اللاتينية؛ في أداء دور مهم على الصعيد الدولي والإقليمي. ورغم أن الأوضاع في أوروبا غير محسومة حتى الآن في أي اتجاه ستذهب بانتظار نهاية الحرب في أوكرانيا لتحديد الرابح والخاسر، فإن التململ الحاصل عند الأوروبيين من السياسات الأمريكية بدأ يتطور ويزداد، وإن كان يحتاج لمزيد من الوقت لمعرفة في أي اتجاه سيسير.

ولعل خبر استقبال السعودية أخيرا لوفد من حركة حماس، بعد انقطاع طويل في العلاقات وتأزم هذه العلاقات لفترة من الزمن، يشكّل مؤشرا مهما على السياسات السعودية الجديدة، إضافة لقرار خفض الإنتاج النفطي من قبل دول أوبك رغم معارضة أمريكا.

لكن، هل يعني ذلك أن المشهد العربي والإسلامي سيكون ورديا وبعيدا عن المشاكل؟ حتى الآن لا يمكن قول ذلك في ظل الأزمات المستمرة التي تشهدها بعض الدول العربية، وآخرها التطورات الخطيرة في السودان، وما يجري في تونس من اعتقالات ومواجهة لقوى المعارضة، واستمرار أزمة ليبيا ولبنان، وبعض الهموم الأخرى.

يبقى الرهان مجددا على قدرة العرب والمسلمين على صياغة دور جديد لهم في العالم بالتعاون مع القوى الإقليمية والدولية الصاعدة، وإطلاق حركة عالمية جديدة تعمل لتقديم رؤية جديدة للعالم.

ومع كل ذلك، يبقى الرهان مجددا على قدرة العرب والمسلمين على صياغة دور جديد لهم في العالم بالتعاون مع القوى الإقليمية والدولية الصاعدة، وإطلاق حركة عالمية جديدة تعمل لتقديم رؤية جديدة للعالم، ويمكن الاستفادة كثيرا من المشروع الصيني العالمي وخصوصا ما يسمى "مبادرة الحزام والطريق"، التي تسمى أيضا بمبادرة "طريق الحرير الجديد"، وطريق الحرير البحري؛ وهي استراتيجية تنموية تعتمدها الحكومة الصينية، وتتضمن تطوير البنية التحتية والاستثمارات في 152 دولة ومنظمة دولية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، إضافة لطريق الحرير البري.

وكي لا يعتمد العرب والمسلمون فقط على الخيار الصيني، يمكن لهم أن يطوّروا رؤية خاصة لهم ويتم الاستفادة من التعاون والتقارب بين السعودية وإيران وتركيا ومصر بشكل خاص، إضافة لدور العراق الممّيز، وبذلك يتم إطلاق المشروع العربي والإسلامي وملاقاة الواقع الإقليمي والدولي الجديد.

فهل ننجح في هذا المشروع الجديد؟ أم سنبقى خاضعين لسياسات الدول الأخرى ومصالحها وأطماعها؟

twitter.com/kassirkassem
التعليقات (0)