في خضم الصِّدام في كيان العنصرية والإرهاب "
إسرائيل"، بين
اليمين الديني التلمودي المتطرف وحكومته الشوفينية من جهة، والمعارضة الصهيونية
بأطيافها العلمانية واليسارية وكل المناهضين لتشريعات الكنيست اليميني التي تنال
من دور القضاء والمحكمة العليا لمصلحة نتنياهو وفريقه.. وبعد إقالة وزير الدفاع
يؤاف غالانت الذي طالب بوقف تلك التشريعات مؤقتاً.. أبدت إدارة بايدن قلقها الشديد
مما يجري في دولة "إسرائيل"، حليف الولايات المتحدة الأمريكية المشارك
مع قواتها تحت مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية، وتمنى بايدن أن يرى تسوية
حرصاً منه على دولة صهيونية تتمتع بحماية أمريكية، وذات وظيفة ودور في المنطقة،
ولها رصيد نووي يقدَّر بمئات القنابل والرؤوس النووية، وهو الصهيوني قلباً
وقالباً، كما صرَّح بذلك وأكده في زيارته لها، وتوقيعه مع لابيد إعلان القدس في
14/7/2022..
وبسبب هذه الدعوة واجه نتنياهو بايدن بقوله يوم الأربعاء 29/3/2023:
"إن إسرائيل دولة ذات سيادة تتخذ قراراتها بإرادة شعبها ولا تخضع لضغوط من
الخارج بما في ذلك من أفضل الأصدقاء."، وفي الوقت ذاته قال أداته وذراعه وذو
النفوذ في حكومته ائيتمار بن غفير "إسرائيل ليست نجمة على العلم الأمريكي،
نتوقع أن يفهم بايدن هذه النقطة.".. وتوالت تصريحات من وزراء ومسؤولين "إسرائيلين،
حاليين وسابقين ومن معلقين أمريكيين، فيما بدا أنه خلاف يتطور.. ورأى وزير الدفاع
الإسرائيلي المُقال بيني غانتس في التهجمات على بايدن: "ضرراً يلحق بعلاقاتنا
مع الولايات المتحدة، أقرب أصدقائنا وأهم حلفائنا، هو ضربة استراتيجية"،
وانقسم اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية بين معارض لتشريعات حكومة نتنياهو
القضائية ومؤيد لها، مما أعطى دفعاً لبايدن فأعلن، رداً على سؤال صحفي بأنه لن
توجه دعوة لزيارة البيت الأبيض لنتياهو في وقت قريب.
لقد وقعت هزَّة سياسية بدرجة 0,oo1 بالمقياس السياسي الصهيو ـ أمريكي، وحدث إزعاج متبادل، وتطاول نتنياهو
وبن غفير وغيرهما من اليمين الديني على بايدن الديمقراطي، وارتفعت نبرة السجال
الكلامي على غير المعتاد، لكن كل ذلك يدخل على نحو ما في إطار الصراع بين الحزبين
الجمهوري والديمقراطي الأمريكيين ومن يوالي كلاً منهما من الصهاينة في "إسرائيل
من اليهود في فلسطين المحتلة والولايات المتحدة الأمريكية. وهو صراع سبق لنتنياهو
اليميني العنصري المندمج عضوياً مع الحزب الجمهوري، أن انخرط في هذا الصراع كرئيس
لحكومة "إسرائيل" ضد الرئيس باراك أوباما الديمقراطي.
لقد وقعت هزَّة سياسية بدرجة 0,oo1 بالمقياس السياسي الصهيو ـ أمريكي، وحدث إزعاج متبادل، وتطاول نتنياهو وبن غفير وغيرهما من اليمين الديني على بايدن الديمقراطي، وارتفعت نبرة السجال الكلامي على غير المعتاد،
وما يجري الآن يعيد إلى الذاكرة ما جرى بين نتنياهو والرئيس باراك
أوباما، وكان بايدن حينها نائباً للرئيس.. فقد تحدى نتنياهو الحزب الديمقراطي
والرئيس أوباما في عقر الدار الأمريكية، فقبل دعوة رئيس مجلس النواب الأمريكي جون
بينر، واستُقبل في الكونغرس ذي الأغلبية الجمهورية آنذاك، ورحب به رئيس المجلس
بينر، وألقى كلمة أمام الكونغرس في3 آذار (مارس) 2015، رغم أنف رئيس الولايات
المتحدة الأمريكية الديمقراطي أوباما.
حينذاك ارتفعت نبرة التحدي، وعلا الاحتجاج والسجال الكلامي.. وقال
وزير الخارجية آنذاك جون كيري: "إن دستور الولايات المتحدة يضع مسؤولية رسم
السياسة الخارجية في عهدة إدارة الحزب الحاكم. وإن رئيس الجمهورية يبقى هو الشخص
المُخوَّل بعقد المعاهدات والاتفاقيات، وإجراء مباحثات مع حكام العالم.".
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي بأن الرئيس باراك
أوباما لن يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند حضوره إلى الولايات
المتحدة بناء على دعوة من مجلس النواب في آذار (مارس) المقبل.
وأوضحت المتحدثة بيرناديت ميهان في بيان، بأنه: "طبقاً لما هو
متعارف عليه منذ زمن ووفقاً للمبادئ، فإننا لا نرى رؤساء الدول أو المرشحين
لانتخابات وشيكة، وهذا لتجنب ظهور تأثير على العملية الديمقراطية في بلد
أجنبي.".. وكان الاستقبال وقتها سيمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو دفعة
دعائية مقابل إسحق هرتسوغ في انتخابات 17 آذار (مارس) 2015. لقد لعب نتنياهو لعبته
وتحدى ونجح في الانتخابات، ولكنه لم يمنع توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وقدم
باراك أوباما لإسرائيل، قبل ذلك وبعده، ما لم يقدمه رئيس أمريكي من قبل، كما قيل.
ذاك يوم، وهذا يوم.. وفي تقديري أن الرئيس بايدن وحزبه الديمقراطي لن
يكونا الآن في وضع أفضل من وضع الحزب والرئيس الديمقراطيين في عهد أوباما، لا سيما
وهما على أبواب انتخابات في عام ٢٠٢٤ وفي ظروف تواجه فيها إدارة بايدن تياراً
دولياً يطالب بتعدد الأقطاب في السياسة الدولية، وتغرق في المستنقع الأوكراني،
وتخوض تحدياً مكشوفاً ضد روسيا الاتحادية والصين وكوريا الشمالية، وتنقل قوات
ومعدات وأسلحة إلى مناطق المواجهة المحتَمَلَة هناك، وتحتاج إلى قوة حليفها
الصهيوني في الشرق الأوسط.
فنتنياهو يعرف هذه الظروف، ويتقن اللعب على هذه الحبال أكثر من غيره،
وهو في ذلك كما يُقال عنه، يقدِّم مصلحتَه الشخصية على مصلحة حزب الليكود / حزبه،
ويرفع العلاقة مع الحزب الجمهوري فوق علاقة "إسرائيل" بالولايات المتحدة
الأمريكية، لا سيما حين تكون الإدارة للديمقراطييين، لأنه يستند إلى الجمهوريين العنصريين
وغيرهم من الأمريكيين اليمينيين، ويواليهم وهم يناصرونه.. فالحزب الجمهوري
وأتباعه، وإيباك والكثير من اليهود الأمريكيين وقفوا إلى جانبه في حكوماته
السابقة، وشجعوه على تحدي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما
الديمقراطي، وكانوا معه في عهد ترامب.
في تقديري أن الرئيس بايدن وحزبه الديمقراطي لن يكونا الآن في وضع أفضل من وضع الحزب والرئيس الديمقراطيين في عهد أوباما، لا سيما وهما على أبواب انتخابات في عام ٢٠٢٤ وفي ظروف تواجه فيها إدارة بايدن تياراً دولياً يطالب بتعدد الأقطاب في السياسة الدولية، وتغرق في المستنقع الأوكراني، وتخوض تحدياً مكشوفاً ضد روسيا الاتحادية والصين وكوريا الشمالية، وتنقل قوات ومعدات وأسلحة إلى مناطق المواجهة المحتَمَلَة هناك، وتحتاج إلى قوة حليفها الصهيوني في الشرق الأوسط.
ونتنياهو الإسرائيلي اليميني العنصري يصطف مع الجمهوريين اليمينيين
الأمريكيين العنصريين، وهو أقرب إلى ترامب البلطجي ونهجه من غيره من الجمهوريين
الأمريكيين.. وهو مثله مستميت على السلطة، وملاحق بثلاث قضايا في المحاكم، ومهدد
بالحكم عليه وبتنحيته عن الحكم.
وقد سبق لترامب أن انتهج النهج الذي ينتهجه نتنياهو وأتباعه اليوم
ليتخلص من القضايا التي تلاحقه، فعين قاضياً في المحكمة الأميركية العليا ليضمن
أكثرية لصالحه وللحزب الجمهوري، وقام بما قام به من مخالفات وأفعال أشهرها هجوم
أنصاره على "الكابيتول هيل" والعبث بمحتوياته، واستباحته لكل الأساليب
والوسائل ليبقى في الحكم. وتلك أفعال قال الحزب الديمقراطي إنها تهدد الديمقراطية
الأميركية.
ونتنياهو يفعل ما فعله ترامب، فهو يريد أن يحدّ من سلطة القضاء لكي
لا يُقصى عن السلطة بحكم أو بأمر قضائي، فهو قيد المحاكمة في ثلاث قضايا مرفوعة
ضده.. ويقول عنه معارضوه "إنه يهدد الديمقراطية الإسرائيلية؟!".. لكن
نتينياهو أكثر مكراً وخداعاً وثعلبية وقدرة على المناورة من ترامب، ويعرف التوقيت
الملائم ليلعب ويتغلَّب. وقد تابعنا وشاهدنا كيف عبث بترامب عبثاً ملحوظاً فيما
سُميَ بـ "صفقة القرن"، والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة "لإسرائيل"،
وبالجولان السوري المحتل جزءًا من كيان الاحتلال والعنصرية والإرهاب الصهيوني
"إسرائيل"، وبالتفاق النووي مع إيران، وبعدم سحب قوات الاحتلال الأمريكي
من سوريا يوم قرر سحبها.. ومن.. ومن.. ومن..
لقد بدت في الأفق السياسي ملامح مواجهة بين إدارة بايدن وحكومة
نتنياهو، إلا أنها بنظري ستكون "زوبعة في فنجان"، فهذا خلاف داخل البيت
العنصري ـ الصهيوني ـ الأمريكي المُشترك، لن يؤثر على الدعم الأمريكي المطلق
"لإسرائيل"، ولا على التحالف الاستراتيجي العميق بينهما، ولا على
أهدافهما الاستعمارية ومصالحهما المشترَكة.. ولن يغير شيئاً في السياسة الأمريكية
الحاضنة للمشروع الصهيوني ـ التوراتي التوسعي، والمتعهدة بحمايته ودعمه بالمال
والسلاح وبتفوقه على العرب والمسلمين كافة.. ولن يؤثر على تمويل الاستيطان
والتشجيع عليه.. وسيتعزز السكوت عن جرائم قطعان المستوطنين الهمَج وإرهاب جيش
الاحتلال الإسرائيلي المُجرَّد من الأخلاق، وسيستمر قتل الفلسطينيين والاستثمار في
الإرهاب ضدهم واتهامهم بالإرهاب.. فذاك مخطط صهيو ـ أمريكي استعماري ـ عنصري مبدئي
راسخ ومتفق عليه في الدولة العميقة لكل منهما، ولن تخرج منه الولايات المتحدة الأمريكية
أو توقفه أو تعترض عليه، فلعبة القيم والمبادئ تلعبها مع غير الداخلين عضوياً في
تركيبتها العنصرية الراسخة.. وهو مخطط يستهدف وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه
ومقاومته، وكلَّ من يناصره من العرب مناصرة تتخطَّى الكلام.
وستبقى الشراكة بين الصهاينة والأمريكيين وطيدة ومعززة ومتطورة
ومستمرة، ومؤيَّدَة مِن الأوروبيين الذين ارتكبوا وإياهم الجرائم الفظيعة بحق
الشعب الفلسطيني والأمتيين العربية والإسلامية منذ بداية الاستعمار الأوروبي،
وإنشاء كيان الإرهاب والعنصرية "إسرائيل" في فلسطين على حساب الشعب
الفلسطيني وأمته العربية.
ولا يبدو أن هذا الوضع يمكن أن يتغير مادام الفلسطينيون وحدَهم
ويعانون من تشتت صف ورأي، وما دام العرب في هَلْهَلَة وتبعية وضعف ويعطون ظهرهم
لقضيتهم المركزية، قضية فلسطين وشعبها، وما دام المسلمون في تدابر وتنافر.. ولا
يأخذ المَعنيون من أولئك جميعاً بقوله تعالى: (.. إِنَّ ٱللَّهَ لَا
يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ..) .