"
بوتين شيطان" و"جبان" ويشعر بعقدة نقص بسبب "قامته القصيرة". أوصاف أطلقت على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من قبل شخصيتين مقربتين من الكرملين، وهما لوزيف بريغوجين المنتج الموسيقي الروسي الشهير، والملياردير فرخاد أخمدوف، خلال مكالمة هاتفية بين الرجلين، وفق وسائل إعلام أوكرانية. هاتان الشخصيتان ساندتا التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
المكالمة التي دامت حوالي 35 دقيقة والتي نشرتها القناة التلفزيونية الأوكرانية الخامسة أثارت عاصفة في صفوف النخبة السياسية الروسية.
ففي تصريح أدلى به الاثنين الماضي، أكد يفغيني بريغوجين مسؤول مجموعة "فاغنر" العسكرية أن "لا علاقة له بالتصريحات التي أدلى بها شخص يحمل نفس اللقب لكن لا تربطه معه أي علاقة عائلية"، واصفا المقابلة الهاتفية "بالعنيفة والمتهورة".
وأكد ستيفان هال، المتخصص في الشؤون الروسية بجامعة "دو باث" في جنوب غرب بريطانيا أن "العديد من المدونين الروس نشروا تعليقات كثيرة حول التسجيل الصوتي" على مواقع التواصل.
"لقد دمروا البلد"
أما لوزيف بريغوجين، فبعدما تحدث في البداية عن عملية تزوير وقعت على التسجيل الصوتي، أقر فيما بعد بأنه أجرى "حديثا خاصا" مع فرخاد أخمدوف، موضحا أن "جزءا من المكالمة الهاتفية مركب وغير حقيقي وكان الهدف من ذلك هو إيذاؤه". لكن الموقع الإعلامي الروسي المستقل نوفايا غازيتا أكد بالمقابل أن "الاستخبارات الروسية (إيف إس بي) أكدت صحة المكالمة الهاتفية".
وإضافة إلى شتم الرئيس بوتين ووصفه بنعوت غير "مقبولة"، يزعم أن لوزيف بريغوجين أضاف أن "مقربي بوتين أخذوا البلاد إلى الهاوية ويتعاملون مع الشعب كأنه قمامة وبسببهم أصبحت الأمة (يقصد الأمة الروسية) لا تملك أي مستقبل".
تصريحات عنيفة ليست في متناول مواطن روسي بسيط. لكن فرخاد أخمدوف "ليس مواطنا بسيطا" بحسب ستيفان هال، بل هو رجل ثري استثمر في مجال الطاقة والغاز وكان نائبا في البرلمان الروسي (الدومة) في الألفيات.
فهو ينتمي إلى النخبة الاقتصادية الروسية لكنه "ليس من المقربين من النظام" حسب نفس المحلل. أما لوزيف بريغوجين، فهو يعتبر من "أبرز المنتجين في مجال الموسيقى وساند الرئيس بوتين خلال حملته الانتخابية في 2018".
ويعتقد ستيفان هيل أنه في حال تأكدت صحة التسجيل الصوتي بين الرجلين، فهذا يعني أن "جزءا من النخبة الروسية غير راضية عن الطريقة التي تدير بها
روسيا الحرب في أوكرانيا"، مضيفا أن هذه النخبة " لا تعبر فقط عن استيائها إزاء الهجمات العسكرية الروسية التي لم تحقق أهدافها، بل إنها أكثر من ذلك، تعتقد أن الحرب على أوكرانيا هي حرب خاصة لبوتين وحده وللدائرة المقربة منه".
لكن يفغيني غولوفشانكو، المتخصص في الخطاب الدعائي والسياسي الروسي في جامعة كوبنهاغن السويدية أوضح أن "المكالمة التي جرت بين فرخاد أخمدوف ولوزيف بريغوجين لا تحث على القيام بثورة ضد بوتين بل هي مقابلة بين رجلين يشتكيان من التكلفة الاقتصادية الباهظة للحرب الروسية على أوكرانيا ويتساءلان كيف يمكن لهما الحفاظ على ثروتيهما في ظل هذه الحرب".
وإلى ذلك، أكد مختصون لفرانس24 أن "المكالمة الهاتفية لا تشكل تهديدا مباشرا لحكام روسيا.. والدليل على ذلك أن القنوات الإخبارية الروسية الكبرى لم تتطرق أصلا إلى هذا الموضوع".
لكن وفق المحلل ستيفان هال، دائما، فإن "الخوف الوحيد الذي يمكن أن يشعر به فلاديمير بوتين، هو أن يدرك مستثمرون ورجال أعمال روس أنهم ليسوا الوحيدين الذين يعارضون سياسة الكرملين بل إن هناك معارضين آخرين في البلاد يتقاسمون نفس الرأي والموقف".
مكيدة مدبرة من طرف النظام؟
وأوضح يفغيني غولوفشانكو، أن نشر "المكالمة الهاتفية من قبل وسائل إعلام هو بمثابة تهديد للأغنياء الروس الذين ربما يخططون من أجل انتقاد النظام ورسالة مفادها أن النظام الروسي وأجهزته الاستخباراتية لها القدرة على التنصت على أي مواطن روسي". وتابع: "إذا تبين أن التسجيل الصوتي حقيقي، فهذا يعني أن النظام الروسي يتنصت أيضا على مقربين من بوتين، أمثال فرخاد أخمدوف ولوزيف بريغوجين اللذين أظهرا مرات عديدة مساندتهما للرئيس بوتين".
فرضية أخرى ترجح أن النظام الروسي هو الذي سرب التسجيل الصوتي بحسب المحلل ستيفان هيل، لكي يبرهن أنه "يسيطر على الوضع الأمني ويملك آذانا في كل مكان وله القدرة على أن يتنصت على أي شخص كان، حتى على الذين يعتقدون بأنهم لا يمكن أن يمسهم أحد على غرار فرخاد أخمدوف ولوزيف بريغوجين".
وإذا تبين أن هذا السيناريو حقيقي فعلى لوزيف بريغوجين أن يخشى من توقيفه من قبل الأمن الروسي. فهل المقابلة المطولة التي أجراها مع الموقع الإخباري "فونتونكا" بمدينة سان بطرسبورغ وعبّر فيها عن مساندته الكاملة للرئيس بوتين ما هي إلا استراتيجية للإفلات من العقاب؟