لأوّل مرة في تاريخ الحركة الأسيرة يلتقي
الإضراب المفتوح عن الطعام مع
رمضان، فأن تخوض المعركة وأنت صائم فهذا أمر عظيم، لأن المضرب عن الطعام يحتاج إلى
شرب الماء، فإذا كان صائما فإنه سيمتنع عن شرب الماء نهارا وهذا يثقل عليه كثيرا
في معركة الأمعاء الخاوية لأنها ستكون خاوية من الطعام والماء أيضا، وبذلك فإنه
يخوض معركتين في معركة واحدة:
فالأولى هي معركة الصيام، إذ يسجّل انتصارا على النفس والشيطان فيتمكّن من
شهواته ورغباته ونزواته ويضبطها بطاعة الله ويشحن بذلك القلب من خلال تلاوته
للقران، ليسجّل بذلك حالة انتصار تؤهل إرادته المتحرّرة هذه كي تنتصر في ميدان
المعركة مع الأعداء.
أمّا الثانية فهي معركة تعدّ الأولى بالنسبة لها شيئا يسيرا لا يذكر، فمن
خاض إضرابا مفتوحا عن الطعام يدرك كم هو قاس وشديد إذ يواصل المضرب ليله مع نهاره
دون إفطار ولا سحور فيذوي الجسد وينحل، تخور القوى ويدق ألم الرأس أسافينه في الأيام
الأربعة الأولى، ثم يتحوّل إلى دوخة ودوار ويصيب المعدة من الغثيان ما يصيبها،
ويطير النوم من العيون ليصبح بعيد المنال، وتخور قوى عقارب الساعة فتسير ببطء شديد
وتصبح الساعة كأنها يوم كامل، ويصبح مضيّ يوم من عمر الإضراب إنجازا عظيما يضاف
إلى سجلّ هذه المعركة. وسيكون الإفطار فقط على الماء، ستحضر صور وجبات الطعام
الشهيّة وحلويات رمضان في الذاكرة بينما لن تجد المعدة أمامها سوى الماء. معركة
تحرق فيها السفن، وليس للجنود فيها سوى الماء من أمامهم وقمع السجّان ووحشيّته
وفاشيّته وساديّته من خلفهم.
هكذا قرّر أسرانا الجمع بين معركتين، وفي هذا إشارة واضحة إلى الدرجة التي بلغ فيها سيلهم الأسود زباه، أراد المحتلّ أن يعيد السجون إلى الوراء كثيرا وأن يضرب كل ما توصّل إليه الأسرى من استحقاقات دفعوا مقابلها أثمانا باهظة من التضحيات خاصة ما دفعوه في إضرابات مفتوحة سابقة
وهكذا قرّر أسرانا الجمع بين معركتين، وفي هذا إشارة واضحة إلى الدرجة التي
بلغ فيها سيلهم الأسود زباه، أراد المحتلّ أن يعيد
السجون إلى الوراء كثيرا وأن
يضرب كل ما توصّل إليه
الأسرى من استحقاقات دفعوا مقابلها أثمانا باهظة من
التضحيات خاصة ما دفعوه في إضرابات مفتوحة سابقة، لقد رفع هذا المجنون المتطرف "بن
غفير" سقف عدوانه كثيرا وأوّل ما بدأ به هو السجون، وكأنها كانت في رفاهية
وسعة فأراد أن ينقضّ على الأسرى وعلى حقوقهم وينشب أنيابه السّامة في جسد الحركة
الأسيرة.
وقد قرأ أسرانا مشهدهم السياسي جيدا (وهم خير من يقرأ هذا المشهد بكلّ دقّة
وتفصيل)، ولا بدّ وأنهم قد سمعوا التصريحات التي تريد تأجيل المعركة لما بعد رمضان،
لذلك فقد فوّت أسرانا عليهم هذه الفرصة وكان لهم هذا القرار خوض الإضراب في رمضان.
أسرانا يعتبرون هذه المعركة معركة مصيرية وحاسمة، لقد اختاروا لها عنوانا: "بركان
الحرية، والشهادة"، وهذا يعني كثيرا وهو يعبّر عن أن المطالب لم تعد معيشية
فحسب، وإنما معركة من أجل الحريّة الكاملة غير المنقوصة وكذلك الكرامة، فلم يعد
هناك متّسع من العمر لأسرى أمضوا عدة عقود في السجن ومنهم من دخل العقد الخامس،
فإلى متى الانتظار؟ وقد حدّدوا مطالبهم بما يشمل الأوضاع المعيشية وبما يؤكد تحقيق
حريّتهم، وأن المعركة قد تجاوزت ما سبقها كثيرا وذهبت إلى خندق متقدم من النزال
والمواجهة.
راهن أسرانا على حركة الشارع الفلسطيني فهو كرة الثلج المتدحرجة التي ستسفر عن انتفاضة أو تسعير نار المقاومة، وهذا هو الذي يشكّل الضغط الحقيقي على صانع القرار الصهيوني
ويراهن أسرانا على حركة الشارع
الفلسطيني فهو كرة الثلج المتدحرجة التي
ستسفر عن انتفاضة أو تسعير نار المقاومة، وهذا هو الذي يشكّل الضغط الحقيقي على
صانع القرار الصهيوني، إذ أن رفع كلفة الاحتلال البشرية والمادّية لها حساباتها
عندهم، ولذلك تاريخ في ذاكرتهم، فمثلا إضراب الأسرى عام 2000 أنتج انتفاضة الأسرى
وحرّك أوضاعا كانت ساكنة، مما دفع الاحتلال للاستجابة إلى مطالب الأسرى في حينها.
وهنا حتى يضع الشارع الفلسطيني كلّ ثقله لا بدّ من تفعيل دور المساجد ولا
بدّ من العمل على ثقافة المجتمع الدينية، بحيث يعرف الناس حق المعرفة بأن واجب أسرانا
والوقوف معهم لا يقلّ أهميّة عن صلاة التراويح مثلا، فلم يعد مقبولا بحال من
الأحوال أن نشهد الإقبال العظيم على صلاة حكمها سنة في الدين بينما يزهد الناس في
المشاركة بفعاليات الدعم للأسرى وهي أقلّ ما يقال فيها أنها واجب. يجب أن يعرف
الناس أن هذه تكاليف دينية لا تقلّ أهميّة بل هي أهم من كثير من الطقوس
والشعائر التي نوليها أهمية وقداسة بينما هي في الدين لا تضاهي أبدا قيمة الحريّة
والانتصار للمظلوم ومواجهة غطرسة الاحتلال وعنجهيّته وعربدته على أسرانا. هذا
موكول للأئمة وكلّ من يعرف فقه الأولويات أن يوصلها للناس ويحسن توظيفها، ليعيد
للمسجد روحه ودوره الحيوي والفاعل.