تمكنت السلطة في
مصر، من الإفلات بأعجوبة من آثار
الهزيمة الثقيلة في نقابة
الصحفيين، وبما
يعنيه ذلك من دلالة، وبدت كافة الأطراف،
على اختلافها، كما لو كانت مسخّرة لتقديم المساعدة، والبعض من شيعتنا فعل بحسن
نية، وسلامة طوية، وبدافع الإحباط من ناحية، والجهل بطبيعة نقابة الصحفيين
المصريين من ناحية أخرى!
ولم تأت المساعدة من العامة من جميع الأطراف، ولكن انتقلت
منها إلى نخبتها، فبدت مقولة روّج لها رجل الأعمال أشرف السعد، بما عُرف عنه من
الهزل في موضع الجد، كما لو كانت قد اعتُمدت رسمياً، فقرأتها في تعليق لمن يعرف
نفسه بأنه يعمل في جهاز الخدمة العامة التابع للقوات المسلحة، قبل أن يتبناها
الإعلامي أحمد موسى!
هذه المقولة هي أن فوز معارض بمنصب نقيب الصحفيين، دليل
على نزاهة النظام الذي يصفه الأشرار بأنه قمعي، ودليل على ديمقراطية هذا النظام،
في إشارة إلى أنه كان بإمكانه تزوير
الانتخابات!
"المؤامرة" كانت حاضرة منذ اللحظة الأولى في تعليقات كثيرين، نعرف بعضهم ولا نعرف أغلبهم، إذ لم يستوعبوا أن النتيجة تعبر عن إرادة أحد، فلا أحد في مصر يملك إرادة
وفي المقابل فإن "المؤامرة" كانت حاضرة منذ
اللحظة الأولى في تعليقات كثيرين، نعرف بعضهم ولا نعرف أغلبهم، إذ لم يستوعبوا أن
النتيجة تعبر عن إرادة أحد، فلا أحد في مصر يملك إرادة، وإذ كان هذا مقبولاً من
أناس أتعبتهم المحنة فاستسلموا لمتاعبهم، فقد كان الغريب أن يصيغ الإعلامي الصديق
حمزة زوبع هذه الرؤية؛ "فما حدث في نقابة الصحفيين من
نجاح البلشي قد يكون
أمرا متعمدا، لكي يفوز شخص مؤيد للانقلاب ولكنه معارض للنظام، في رسالة
للخارج"!
شطح الخيال ونطح:
بيد أن صديقنا "زوبع" لم يتبن رؤية التنظيم
الدولي للمحبطين العرب بشكل كامل، ومنهم من شطح به الخيال ونطح، فاعتبر النتيجة
على هذا النحو محاولة من النظام الحاكم للتغرير بالشعب، فيصدق أنه جاد في مسألة
التغيير عن طريق الصندوق، ومن ثم يحرض على منافسته في انتخابات 2024، لكي يحصل على
الشرعية بهذه الانتخابات التنافسية. وهي تصورات توحي بأن صدمة الهزيمة التي اقتربت
من الذكرى العاشرة لها كانت كبيرة، وأنها ضربت مركز التفكير لدى كثير من العامة
الذين هزمهم الانقلاب العسكري، وسحق أرواحهم!
لقد سألني أحد الزملاء: ألم يكن النظام قادراً على تزوير
الانتخابات ليفوز مرشحه؟ وهو سؤال في بطن وعقل كثيرين ممن ذهبوا بعيداً بحسن نية،
لكن أحمد موسى، وباعتباره عضوا سابقا في مجلس نقابة الصحفيين المصريين، كما أنه
عضو قديم فيها، فإنه يعرف الحقيقة، لكنه يستغل جهل الناس، في تبني خطاب ديمقراطية
النظام الذي سمح بفوز معارض له. والفائز يفتقد لهذه الصفة (معارض) في خطاب الطرف
الآخر، الذي لا يزال واقفاً عند حدود 30 يونيو، لم يستطع عقله الباطن تجاوز هذه
اللحظة، ولو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً، ليس بدافع النفاق، ولكن للاستسلام
للهزيمة!
"أول هام" فإن
النقابات المهنية في مصر لها
طبيعة خاصة، إذ أن الانتخابات تجرى تحت الرقابة الكاملة لأعضائها، لذا فعندما
اندفع نظام مبارك لوقف هيمنة الإخوان على مجالسها، تحرك في اتجاهين، الأول أنه أقر
قانوناً بمقتضاه أن تجرى الانتخابات بإشراف قضائي، وارتفع بالنصاب القانوني لصحة
انعقاد الجمعية العمومية، وليس كما كان الحال بأن الانتخابات تجرى بمن حضر، وكان
المسيطر على عقل النظام أنها الأقلية المنظمة في مواجهة الأغلبية المبعثرة.
والاتجاه الثاني هو تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى،
وإدارتها عبر الحراسة القضائية كما حدث لسنوات في نقابة المحامين، وكما حدث إلى أن
قامت ثورة يناير بالنسبة لنقابة المهندسين، أيضاً بالنسبة لنقابة الأطباء التي ظلت
أكثر من سبع عشرة سنة تدار بمجلس منتهية ولايته، مع أغلبيته الإخوانية، إذ كان
عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح عضوين في مجلس الإدارة، وكانا من الذكاء
بمكان إلى درجة وجود تفاهمات بينهما وبين النقيب الحكومي حمدي السيد، الذي حمى
النقابة من الحراسة وحمى مواقع الإخوان من التعسف الحكومي، لكن على ألا تجرى
الانتخابات فيفوزوا بها فيقنن الإخوان الوضع القانوني لهم. فقد ترك النظام الحال
على ما هو عليه، بحيث يجعل المجلس على كف عفريت والقرارات التي قد تتخذ موصومة
بعدم الشرعية، وهي تفاهمات لم تحدث في نقابة المحامين، فكان الصدام مع النقيب أحمد
الخواجة والإخوان بطموح مختار نوح الجارف (ممثل الإخوان وقتئذ ورمز الاستنارة
الآن) ليذهبوا بالنقابة إلى المجهول، فنوح أراد أن يجعل من النقيب الخواجة بكل
تاريخه مجرد خيال مآته، فكان ما كان!
فكرة تزوير الانتخابات ليست واردة، لأن الرقابة تتم من أعضاء الجمعية العمومية أنفسهم، والوضع أكثر سيطرة في نقابة الصحفيين، لأن عدد الأعضاء ليس بالشكل الضخم كما في النقابات الأخرى، وبعد انتهاء فترة التصويت يتم نقل الصناديق على مشهد من الجميع
بل كانت وقفة رجال:
هذا الأمر يؤكد أن فكرة تزوير الانتخابات ليست واردة، لأن
الرقابة تتم من أعضاء الجمعية العمومية أنفسهم، والوضع أكثر سيطرة في نقابة
الصحفيين، لأن عدد الأعضاء ليس بالشكل الضخم كما في النقابات الأخرى، وبعد انتهاء
فترة التصويت يتم نقل الصناديق على مشهد من الجميع إلى الدور الرابع حيث قاعدة
كبيرة، ويوضع كل صندوق على منضدة يحيط بها أكثر من عشرين من الأعضاء فضلاً عن
الواقفين والمتجولين، ومع كل صوت يقوم كل الموجودين بكتابته أمام خانة المرشح،
ونظرا لقلة العدد، فإنه في ظرف ساعة واحدة من عملية الفرز يتم إعلان النتيجة، وبعد
ذلك يبدأ فرز نتيجة المرشحين لعضوية المجلس!
وعندما كان القانون الموحد للنقابات ينص على إعلان
النتيجة في محكمة جنوب القاهرة، فإن الجماعة الصحفية كانت تصر على الإعلان في
النقابة، على عكس نقابة المحامين مثلاً التي كان يتم فيها الالتزام بنص القانون،
والتي خرجت من الحراسة منهكة لا تجادل ولا تناقش!
وكان أن استقر الحال على التوافق بين تقاليد النقابة
والقانون، فيكون إعلان النتيجة بشكل غير رسمي في النقابة، بذكر عدد الأصوات دون
تحديد الفائز، على أن يكون الإعلان الرسمي من المحكمة من جانب رئيسها، ولم يحدث في
مرة أن حدث اهتمام بما سيعلن، والذي كان يتم في صباح اليوم التالي، لأن النتيجة لا
تكون مغايرة!
مرة واحدة حدثت أزمة، وكان هذا قبل الثورة، عندما سرت
شائعة بأن قاضياً شوهد في السلالم الجانبية للنقابة وليس عبر المصعد الكهربائي، وهو
يحمل صندوقاً بعد الفرز، التزاماً بنص القانون، وأنه تم إرجاعه من جانب الأعضاء،
وإذ لم أتأكد من صحة الواقعة، لكني شاهدت جدلاً بين عدد من أعضاء المجلس والمرشحين
وبين أعضاء اللجنة القضائية، بأنه لا بد من إعلان النتيجة في النقابة كما جرى
العرف. وفي ظل هذا الضجيج لم يكن النقاش واصلاً للقاعدة، وكان لدينا شك بأن الهدف
من هذا الإصرار، هو إسقاط سكرتير عام النقابة والمرشح يحيى قلاش (نقيب الصحفيين
لدورة لاحقة)، فصعدت وزميلي عبده مغربي أعلى منضدة وهتفنا: "النتيجة في
النقابة"، واستشعر الحضور أن ثمة أزمة على المنصة، فكان الهتاف من الجميع بما
هز أركان المبنى: "النتيجة في النقابة"!
ولم نكن نعلم أن برنامج "العاشرة مساء"، ينقل
وقائع عملية الفرز على الهواء مباشرة، لتصل الأزمة إلى الخارج فتقلق النظام. ومن
المفارقات الفكاهية في هذا اليوم، ولإرباك القضاة فيدركون حجم الأزمة إن هم أصروا
على موقفهم، أن قمت باستغلال الصوت الجهوري للزميل مغربي، فقلت له قل للقاضي رئيس
الحاضرين: يا مزور، فسألني: هل تعرفه؟ زور في ماذا؟
- قل له ذلك ثم أخبرك فيما بعد.
وفعل فكان صوته فارقاً عن هتاف "النتيجة في النقابة"،
وانتبه القاضي وسط الضجيج فسأله وهو يشير إلى صدره مستنكراً: أنا مزور.. أنا
مزور، فيرد: يا مزور!
واتصل المرحوم ياسر رزق بوزير الإعلام أنس الفقي هاتفياً
ليخبره بأن ما استقر في وجدان الجمعية العمومية هو إسقاط يحيى قلاش، والموقف هنا
خارج السيطرة ولن يسمح أحد بمخالفة تقاليد النقابة، ولا نعرف إن كان قد تواصل
بدوره مع وزير العدل أو ماذا حدث، لكن الذي حدث أن اللجنة القضائية رضخت للأمر
واتبعت العرف المستقر في نقابة الصحفيين!
والجدير بالذكر هنا، أن جريدة "المصري اليوم"
أرادت أن تكرر جريمتها في مظاهرات جامعة الأزهر، عندما مهدت الأجواء لقرار أمني
باعتقال الطلاب، بأن نشرت صورة لطلاب الإخوان وهم يلعبون الكاراتيه، وقالت إنهم
يخططون لقلب نظام الحكم، لتبرير القرار بالاعتقال. فقد نشرت صورا مما جرى في نقابة
الصحفيين واتهمت من فعلوا هذا بالبلطجية، وطالبت بمحاكمتهم لاحتجاز القضاة
بالمخالفة للقانون، وكتبت يومئذ مقالاً حمل عنوان: "بل كانت وقفة رجال"،
فالقضاة هنا ليسوا على منصة المحكمة ولكنهم في عمل إداري، تماماً كما استنكرت
موقفها في مظاهرات طلاب الأزهر!
أكبر أزمة تواجه السلطة هي التعامل مع كل الملفات بمنطق إدارة المعسكر، وهناك يكون للتعليمات معنى، عندما تكون القاعدة: "نفذ الأوامر ولو كانت خطأ ثم تظلّم". وفكرة التظلم نفسها قد لا تكون قائمة، وهو أمر ناجز في إدارة المعسكرات، لكن الدول ليست معسكرات لتدريب الجنود!
استفزاز السلطة للصحفيين:
وأمام هذه الرقابة، يصبح الحديث عن تزوير الانتخابات
عبثاً، لكن السلطة كانت قد استعدت لهذه الانتخابات بطريقتها الخاصة، ولم يكن من
يديرون الملف على دراية بكثير من التفاصيل الصغيرة المهمة، فكانت المفاجأة غير
المتوقعة بالنسبة لهم ولنا!
وأكبر أزمة تواجه السلطة هي التعامل مع كل الملفات بمنطق
إدارة المعسكر، وهناك يكون للتعليمات معنى، عندما تكون القاعدة: "نفذ الأوامر
ولو كانت خطأ ثم تظلّم". وفكرة التظلم نفسها قد لا تكون قائمة، وهو أمر ناجز
في إدارة المعسكرات، لكن الدول ليست معسكرات لتدريب الجنود!
لقد فرضت السلطة قيادات صحفية لا تتمتع بأي شعبية داخل
المؤسسات، ثم طلبت منها الضغط على الصحفيين لديها بانتخاب مرشح السلطة، مع التهديد
بأنه في حال سقوط المرشح نقيباً وأعضاء المجلس فسيكون الإجراء هو عزلهم بعد
الانتخابات. وفي الحياة المدنية لا تدار الأمور بهذه العجرفة!
إن لرؤساء المؤسسات الصحفية تأثيرا ولا شك، لكن هذا
التأثير محكوم بأن القيادات القديمة كانت لديها كاريزما تفتقدها العناصر المنتقاة
حالياً، ثم إنها كانت تحوز بدرجة أو بأخرى على القبول العام داخل مؤسساتها. ولم
تكن الأمور تدار بالأوامر وحدها، لكن كانت هناك الجزرة أيضاً، ثم إنه حدث تطور
جديد لم تنتبه له جماعة ظاهر النص التي تدير الملف الآن، وهو أن رؤساء المؤسسات
فقدوا نفوذهم منذ فترة طويلة، إذ كانت تقسم اللجان بحسب الصحف، وهو الأمر الذي ظل
لسنوات، ومن ثم كانت المؤسسة التي تخرج على الالتزام معروفة، لكن حدث أن أقام أحد
الصحفيين دعوى قضائية ليكون التوزيع على اللجان حسب الحروف الهجائية!
وحدث أن فاز مرشح تيار الاستقلال النقابي جلال عارف
بمنصب النقيب (في 2004)، مع مرحلة تولى فيها صفوت الشريف رئاسة مجلس الشورى، ومن
ثم مسؤولية تمثيل المالك للصحافة القومية، الذي كان يجد من قياداتها تجاوزا له منذ
أن كان وزيراً للإعلام، فاعتبر ما جرى في النقابة رمية بغير رام، لإبعاد إبراهيم
نافع عن النقابة، وكانت الخطوة الأولى أنه اقترح أن تنحاز النقابة لرافع الدعوى،
فسلمت بالطلبات ومن ثم كان الحكم بأن يكون التوزيع وفق الحروف الهجائية لا
المؤسسات، ومن هنا لا يجد رئيس المؤسسة ظهره مكشوفاً لأنه لن يكون معروفاً من رئيس
المؤسسة الأكثر نفوذاً في مؤسسته!
الشحن والتفريغ:
لقد حشدت المؤسسات عن طريق نقل العاملين فيها في حافلات
إلى النقابة، مع أنها جميعها تقع في محيطها ولا يحتاج الأمر إلى كلفة الشحن
والتفريغ، ولكن لضمان مشاركة صحفيي الصحف القومية فعلا، ولا يدعون الحضور في اليوم
التالي، على غير الحقيقة لا سيما وأن الانتخابات في يوم العطلة الأسبوعية لمعظمهم،
وقد قام رؤساء التحرير بما عليهم من خلال الدعاية والتحريض بأن التصويت سيكون تحت
الرقابة من خلال كاميرات في اللجان، وربما صدق البعض ذلك، لكن كانت درجة الرفض
أكبر من حجم الخوف!
وتكمن أزمة من أداروا الملف من ناحية السلطة، في عدم إدراكهم
بأن القيادات الصحفية فقدت تأثيرها الكافي منذ فترة طويلة، وكان الأمر يلزمه
استخدام الامتيازات، لكنهم تصرفوا بكبرياء لا مبرر له. وكانت البداية من اختيار
مرشحهم، وإذا كان خالد ميري قد فاز لأكثر من دورة بعضوية المجلس، فإن منصب النقيب
يعد كبيراً عليه، وإذا كانت مواصفات أهل الحكم هكذا، فلم يراعوا اختلاف التوقيت،
عما كان عليه الحال قبل أربع سنوات، وكان الأمر كله مستفزاً، أشخاصاً وممارسات!
تكمن أزمة من أداروا الملف من ناحية السلطة، عدم إدراكهم بأن القيادات الصحفية فقدت تأثيرها الكافي منذ فترة طويلة، وكان الأمر يلزمه استخدام الامتيازات، لكنهم تصرفوا بكبرياء لا مبرر له. وكانت البداية من اختيار مرشحهم
إن مندوبي أهل الحكم في النقابة لم يتصرفوا على أنهم
رجال دولة، كما كان يفعل إبراهيم نافع ومكرم محمد أحمد، ولكنهم تصرفوا على أنهم
رجال أمن، بما في ذلك من غلبة السلوك المستفز، فجرى تكفين النقابة بقطعة قماش أخفت
معالمها على مدى أربع سنوات، وأغلقت الكافتيريا لعامين، والمعلن هو القيام بتجديدات،
لكن الغاية هي أن تخرج من الخدمة تماماً، منذ أن عادت لسلالمها قيمتها الثورية،
فشهدت مظاهرات الدفاع عن الأرض، ثم شهدت مظاهرات التنديد بالاقتحام الأمني لها
لأول مرة في التاريخ. وبدلاً من اعتذار السلطة عن ذلك، قررت الدخول في تحد عن طريق
رجالها فكان هذا المشهد المستفز، والذي تبناه شخص السكرتير العام المعزول محمد
شبانة، والذي قبض الثمن بتعيينه عضواً في مجلس الشيوخ، وصار سلوكه بعيداً عن القيم
النقابية المتوارثة، وكانت لديه أزمة في المسميات، فأطلق على نفسه
"السيناتور"، لا عضو مجلس الشيوخ، وعلى موقعه "الأمين العام
للنقابة"، والمسمى القانوني هو "السكرتير العام"، لكنه بالمسمى
الذي جلبه لنفسه كان يوقع المحررات الرسمية، في سلوك يتسم بالجهل والغباء في وقت
واحد، وكان هذا ما يطرب أهل الحكم نظراً لطبيعتهم العسكرية!
لقد تم تشوين الكراسي، فلا كرسي لصحفي جاء لإنهاء خدمة،
مثل دفع الاشتراك أو نحو ذلك، وليس مسموحاً للصحفي باستقبال ضيوفه، لأن من الضيوف
من كانوا جزءا من عملية النضال الثوري في عهد مبارك، فكان القرار هو الأخذ بالأحوط،
حتى صرنا أمام معسكر لا نقابة، حرض عليه أن الجماعة الصحفية بدت في حالة استسلام
عزز من شعور أهل الحكم بتورم الذات، فهم قادرون على فرض ما يريدون، فيكون النقيب
خالد ميري، ويخوض الانتخابات بدون أن يحمل امتيازات لزوم ما يلزم في كل انتخابات!
ثم حدث أن اختصت القنوات التلفزيونية المرشح الحكومي
بالدعاية منفرداً، وهو تصرف لم يحدث من قبل، وبالشكل الذي مثل سابقة، وكان كل هذا
مستفزاً للصحفيين!
تغير المزاج العام:
وفي المقابل لم يكن لتيار الاستقلال النقابي القدرة على
تصور أن هناك تحولاً جرى في نفوس الناس تجاه هذه السلطة، وكان الاتجاه ألا ينافس،
حتى كتبت أنه من الخطأ ترك الأمور بدون منافسة، ولو كانت النتيجة معروفة سلفاً، فلا
بد من وجود مرشح ولو من أجل الحصول للزملاء على بعض الامتيازات مع وجود المنافسة،
وتراجع جمال فهمي عن فكرة الترشيح، وتقدم خالد البلشي، وبدا الاتجاه أنه مرشح بهدف
أن يسقط، ومن ثم فلم تقدم السلطة امتيازات في هذه الانتخابات!
من العبث تصور أن هذا السقوط الكبير هو مخطط السلطة، لكي ترسل رسائل للخارج، فما حاجتها لمثل هذه الرسائل والخارج معها، وقد طوت ملف الرسائل، فتوقف الحوار الوطني، وتوقف عمل لجنة العفو الرئاسي!
لكن ما لم يرصده أهل الحكم أن هذا كله مثل استفزازاً
كبيراً لقطاع كبير من الصحفيين، ولأن موعد التجديد لشبانة الذي كان يتصرف في
النقابة تصرف المالك فيما يملك، قد حان، فقد رفع الستار عن واجهة المبنى، فكنا
أمام منظر غاية في الكآبة، ليكون الأهم من سقوط المرشح لموقع النقيب سقوطه هو
شخصياً، وهو ما لم يلفت انتباه المحللين من الخارج، بل إن قائمة السلطة لعضوية
المجلس لم ينجح منها سوى واحد من ستة أعضاء. كانت هناك عوامل أخرى ساهمت في نجاحه
بجانب أنه في القائمة، هي عضويته في رابطة المحررين الرياضيين، ولا يبدو في الأداء
مستفزاً كشبانة، أو مستفيداً مثله، وشبانة أيضاً عضو في الرابطة!
ومن العبث تصور أن هذا السقوط الكبير هو مخطط السلطة،
لكي ترسل رسائل للخارج، فما حاجتها لمثل هذه الرسائل والخارج معها، وقد طوت ملف
الرسائل، فتوقف الحوار الوطني، وتوقف عمل لجنة العفو الرئاسي!
إن فكرة الفوز المتعمد لواحد من أنصار 30 يونيو، تتجاهل
أن هذا ملف طوي أيضاً، فالسيسي تجاوز حتى مؤيدي الانقلاب العسكري، ولم يعنه إلا من
هم معه على المنشط والمكره، وإلا لم يكن قد سجن كثيرين من مؤيديه، ولم يكن فرض
الإقامة الجبرية على أحمد الزند!
ثم إن خالد البلشي يعد الأكثر راديكالية من كل البدائل
الأخرى في تيار اليسار، وكاد أن يتعرض للسجن لموقفه ضد اقتحام قوات الأمن لمبنى
النقابة، إبان عضويته في المجلس، ثم إنه رئيس لجنة الحريات في النقابة قبل أربع
سنوات، الذي فتح باب النقابة لأسر المعتقلين من الصحفيين وغيرهم، وبعد هذه المرحلة
أغلقت أبواب النقابة في وجه أسر الأعضاء، وتولى رئاسة لجنة الحريات صحفي حكومي،
أمات اللجنة، وقبض ثمن ذلك عضويته في البرلمان بالتعيين، وسبق ذلك إلحاق ابنه
بكلية الشرطة ثمناً لمجمل الأداء النقابي!
إن أسر الصحفيين المعتقلين فرحت بهذه النتيجة، ومع هذا
يكون كلام صديقنا "زوبع" أنه ينتظر أن يطالب البلشي بالإفراج عن
الصحفيين المعتقلين وفتح تحقيق في فساد النقيب السابق، فإن لم يفعل فهو وضياء
رشوان سواء!
ثم نرى من يقومون بتسخيف الأمر، فماذا يمكن أن يفعل خالد
البلشي؟ وكأنه تم اختياره رئيساً للدولة، أو زعيماً للثورة، أو قائداً للأمة، وليس
لموقع نقيب الصحفيين، يعمل في إطار سقف المجتمع، فلا يجوز له أن يسبقه بخطوة
لإثبات أنه لم يتم إنجاحه في صفقة مع السلطة، كما ترمي رسالة صديقنا "حمزة
زوبع". ولماذا تقبل السلطة نفسها هذه الهزيمة، ولو أمعن الناس لعلموا أنها
رسالة تكررت في أكثر من نقابة أخرى، ومن المحامين إلى الأطباء، إلى المهندسين، وهي
رسائل في حدود الممكن للتعبير عن الأشواق في التغيير والقدرة عليه في هذه المكونات
الصغيرة في الدولة!
لا شك أننا أمام حالة من تشتت الذهن تجعل صاحبها يتصور أن السيسي يبحث عن منافسة جادة في هذه الانتخابات، وهو من يعمل حسابه لكل مغامرة، فالحقيقة أنه يريدها انتخابات على وزن الانتخابات الماضية ومنافسا في حدود موسى مصطفى موسى
إن البلشي لن يكون ضياء رشوان، ولن يغلق أبواب النقابة
في وجه أسر الصحفيين المعتقلين، كما حدث في السنوات الأربع الماضية، فإن كانت لدى
أحدهم الرغبة في التظاهر على سلالم النقابة، ولا أعتقد أنهم يريدون ذلك، فلن يعود
إلى تكفينها مرة أخرى!
لا أعرف إن كان من المناسب الرد على كل ما أثير مثل
القول إن نجاحه هو بهدف التغرير بالشعب للمنافسة في الانتخابات الرئاسية؟!
فلا شك أننا أمام حالة من تشتت الذهن تجعل صاحبها يتصور
أن السيسي يبحث عن منافسة جادة في هذه الانتخابات، وهو من يعمل حسابه لكل مغامرة،
فالحقيقة أنه يريدها انتخابات على وزن الانتخابات الماضية ومنافسا في حدود موسى
مصطفى موسى، فلن يقبل حتى هذه المرة بما قبل به في المرة الأولى بأن يكون المنافس
هو حمدين صباحي خوفاً من أن تأتي الطوبة في المعطوبة، وينقلب السحر على الساحر!
ألم يأن لجرحى الانقلاب أن تلتئم جراحهم؟!
twitter.com/selimazouz1