وصل قطار تطبيع
العلاقات الدبلوماسية بين
مصر وتركيا إلى محطته الأخيرة في القاهرة قادما من أنقرة، حيث حظي وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، باستقبال حافل في العاصمة المصرية القاهرة، السبت، في أول زيارة من نوعها منذ 11 عاما.
حفاوة الاستقبال وحرارة الترحيب كانت عنوان الزيارة الأبرز والحدث الأهم في المنطقة منذ بداية العام الجاري، إيذانا بانتهاء الجولات الاستكشافية التي بدأت قبل نحو عامين في أعقاب توقيع اتفاق العلا بالسعودية لإنهاء الحصار الرباعي لدولة قطر مطلع عام 2021.
ورهنت مصر حينها أي تقدم في العلاقات مع
تركيا عندما يكونون راضين عن الحلول المطروحة للمسائل العالقة بينهما، وبعد رصد وتقييم السياسات التي سوف تنتهجها أنقرة سواء مع القاهرة أو في إطار سياسات مصر الإقليمية.
لقاء قمة مرتقب
وأشار الوزير التركي، خلال زيارته الأولى للقاهرة، إلى أن الزيارة تدشن لمسار استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين، مضيفا أن "مصر دولة مهمة في حوض المتوسط، ونولي أهمية بالغة لدورها في قضايا المنطقة".
بدورها، وصفت الخارجية المصرية الزيارة بأنها "تُعد بمثابة تدشين لمسار استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين، وإطلاق حوار مُعمق حول مختلف جوانب العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك".
وقال تشاووش أوغلو إن "الرئيسين المصري والتركي تعهدا خلال لقائهما بالدوحة بتطوير العلاقات"، في إشارة إلى اللقاء الذي عقد على هامش حضور رجب طيب أردوغان، وعبد الفتاح السيسي، حفل افتتاح مونديال كأس العالم في قطر 2022.
وفي 27 شباط/ فبراير الماضي، أرسلت مصر مساعدات إنسانية إلى تركيا من أجل المتضررين من الزلزال الكبير الذي ضرب تركيا وسوريا وأسفر عن سقوط 50 ألف قتيل، تقدمها وزير خارجية مصر سامح شكري والتقى نظيره التركي.
الملفات المطروحة على الطاولة
بشأن الملفات المطروحة أوضح الوزير التركي أن الوفود ستبدأ في مناقشة قضايا تجارية وعسكرية وسياسية خلال فترة قصيرة، منها اتفاق تركيا لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا ومشروعات الطاقة، واستكشاف الموارد الهيدروكربونية وخطوط الأنابيب في البحر المتوسط.
واعتبر مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير عبد الله الأشعل، أن "مرحلة الاستكشاف التي أعلنتها مصر قبل عامين يبدو أنها انتهت إلى قرار سياسي في القاهرة بأهمية إتمام التطبيع مع أنقرة، بعد الاتفاق الضمني على الخطوط العريضة لشكل ومستقبل العلاقات والملفات العالقة التي على رأسها ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، والوضع في البحر المتوسط".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد في حديثه لـ"
عربي21": "سبق أن توقعت أن يشهد العام الحالي تحولات مهمة في علاقات مصر الخارجية وخصوصا في محيطها الإقليمي، حيث تشهد المنطقة تطورات سياسية واقتصادية بالغة الأهمية، ولم تعد سياسة العداء الثنائي تجدي نفعا في محيط ملتهب بالأحداث".
وأشار الدبلوماسي المصري السابق إلى أن "مصر وتركيا الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة لرفع مستوى العلاقات إلى المستوى الرئاسي، وإذا كانت دول الخليج قد تجاوزت خلافاتها، والسعودية وإيران قامتا بتطبيع العلاقات الدبلوماسية، فلماذا لا تطبع القاهرة علاقتها بأنقرة خاصة أن ما بينهما من الاتفاق والتاريخ المشترك أكبر بكثير من نقاط الخلاف".
إذابة عقد من التوتر
توترت علاقات أنقرة مع القاهرة منذ أن قاد رئيس النظام عبد الفتاح السيسي الانقلاب العسكري ضد الرئيس السابق المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي في عام 2013. وكان أردوغان يدعم الأخير بشدة.
ولكن بعد نحو 9 سنوات، تصافح أردوغان والسيسي في قطر على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم العام الماضي، في ما وصفه بيان للرئاسة المصرية بأنه بداية جديدة في العلاقات الثنائية بينهما، وتحدث أردوغان مع السيسي لنحو 45 دقيقة، موضحا أن عملية بناء العلاقات مع مصر ستبدأ باجتماع وزراء البلدين، وتتطور المحادثات بعد ذلك انطلاقا من تلك النقطة.
مرحلة تصفير المشاكل
على الجانب التركي، أعرب المحلل السياسي والخبير الاقتصادي يوسف كاتب أوغلو، عن اعتقاده بانتهاء المرحلة الاستكشافية وقال إن "زيارة تشاووش أوغلو تحمل دلالات كثيرة، وتركيا أبدت النوايا الصادقة والعزيمة القوية نحو ضرورة إعادة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل 11 عاما وإنهاء الخلافات وحل الملفات الشائكة وفتح قنوات الحوار وإبداء حسن النوايا لكي يكون هناك تطبيع كامل وشراكة استراتيجية".
وأضاف لـ"
عربي21": أن "تركيا ومصر يمثلان ثقلين رئيسيين في المنطقة، ومع التغيرات الجيوسياسية التي تعصف هنا وهناك كان حتما على تركيا أن تقوم باستدارة نحو الدول العربية بما فيها مصر وتصفير المشاكل، وهي تعول على مبدأ الكل مستفيد والكل رابح من عودة الأمور إلى نصابها، وبعد هذه الزيارة أتوقع أنه سوف يكون هناك تكامل في العلاقات. مصر هي بوابة أفريقيا، وتركيا هي بوابة أوروبا، وتصل استثمارات الأتراك في مصر إلى 2.5 مليار دولار، ويصل حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 11 مليار دولار وهو ما يؤكد أهمية تعزيز وتأصيل العلاقات".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد أوغلو "أن زمن اللقاءات الاستكشافية انتهى وهناك ارتقاء بالعلاقات الدبلوماسية والسياسية ولا توجد في السياسة عداوات دائمة ولا صداقات دائمة إنما توجد مصالح مشتركة ومنافع متبادلة"، مشيرا إلى أن "من أهم الأولويات التي توليها تركيا اهتماما كبيرا مع مصر هي ملف ترسيم الحدود البحري. وملف شرق المتوسط باختصار هو ملف الطاقة إلى جانب الملف الليبي، وتركيا أكدت مرارا أن وجودها في ليبيا بناء على دعوة من الحكومة الشرعية في طرابلس ولا يوجد أي تهديد للأمن القومي المصري أو مصالح مصر في ليبيا".
وتوقع أوغلو أن "يتم تبادل السفراء بين البلدين في المرحلة القادمة، وربما نشهد ترتيب لقاء قمة بين الرئيسين بعد الانتخابات التركية المقبلة".