ملفات وتقارير

حكومة السيسي تستبق رمضان بزيادة أسعار الوقود.. وغضب وتوتر بالأسواق

بررت الحكومة قرارها بتذبذب أسعار خام برنت وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار- جيتي
بررت الحكومة قرارها بتذبذب أسعار خام برنت وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار- جيتي
رفعت الحكومة المصرية، فجر الخميس، أسعار الوقود مجددا بنسبة ما بين 7 و11 بالمئة في البلاد التي يعاني مواطنوها (104 مليون نسمة تقريبا) من أزمات متتابعة مع الغلاء.

وأثار القرار حالة غضب شعبي في الأسواق، ومخاوف من إشعال موجة ارتفاعات جديدة في السلع والخدمات، خاصة أن القرار يأتي قبل 3 أسابيع من شهر رمضان.

"زيادة قياسية"

وفي تبريره للقرار، قال بيان مجلس الوزراء، إنه في ظل تذبذب أسعار خام برنت وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، قررت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية -تجتمع 4 مرات سنويا- التوصية بتعديل الأسعار الحالية للربع الأول من العام الجاري.

البيان أعلن تعديل سعر بيع منتجات البنزين بأنواعه الثلاثة، لتصبح كالآتي "8.75 جنيه" للتر (البنزين 80)، -بنزين الغلابة والسيارات المستهلكة والدراجات النارية- من 8 جنيهات بنحو "75 قرشا" بنسبة بلغت 9.375 بالمئة.

كما تم رفع لتر (البنزين 92)، الأكثر استخداما من "9.25 جنيه" إلى "10.25 جنيه"، بزيادة بلغت واحد جنيه وبنسبة زيادة حوالي 10.81 بالمئة.

فيما سجل "بنزين 95" أو بنزين الأغنياء (75 قرشا) بنسبة زيادة وصلت 6.98 بالمئة، مرتفعا من "10.75 جنيه" إلى "11.50 جنيه".

مع زيادة غاز تموين السيارات من "3.6 جنيه/ للمتر"، ليصبح "4.50 جنيها" بنسبة زيادة 20 بالمئة.

كما جرى تعديل سعر بيع طن المازوت لغير استخدامات الكهرباء والمخابز من 5 إلى 6 آلاف جنيه للطن، بنسبة زيادة بلغت 20 بالمئة.

وذلك مع تثبيت سعر بيع السولار عند 7.25 جنيه للتر، وتثبيت سعر المازوت المورد للكهرباء والصناعات الغذائية.



وكما اعتاد المصريون طوال سنوات حكم السيسي، (منذ 2014)، ويجري رفع أسعار الوقود يوم الخميس أو فجر الجمعة، وهو ما دأب المصريون على تسميته بـ"الصب في المصلحة"، في إشارة إلى القرارات الحكومية المجحفة بحقهم.


 
وسجلت أسعار الوقود في عهد السيسي أرقاما قياسية، حيث كان يبلغ سعر "بنزين 80" قبل توليه الحكم منتصف 2014، نحو "90 قرشا"، و"بنزين 92" حوالي "1.85 جنيها"، و"بنزين 95" "5.85 جنيها"، أما السولار فكان بنحو "1.10 جنيها"، فيما سجلت أسطوانة الغاز 5 جنيهات فقط.

اظهار أخبار متعلقة


"مشاجرات اليوم الأول"

"عربي21" رصدت بعض ردود فعل المصريين حول القرار الذي اعتبره البعض صادما، حيث دارت مشادة بين بعض الركاب وسائقي الميكروباص المتجه من إحدى مناطق محافظة الشرقية "شمال شرق" باتجاه مدينة القاهرة.

بينما يتحدث السائقون عن قيمة الزيادة أو التعريفة المحتملة لأجرة الركوب بعد رفع سعر البنزين، تدخل بعض الركاب في الحديث مطالبينهم بتثبيت الأجرة، ما تسبب في مشادة اعتاد عليها المصريون مع كل زيادة وقود.

ورغم أن القرار لم يطل أسعار الغاز للمنازل وأسطوانات البوتاجاز، التي لا تخضع للتسعير ربع السنوي، إلا أن مصريين توقعوا ارتفاع أسعار أسطوانات البوتاجاز بالتبعية مع رفع تعريفة النقل التي سترتفع دون شك برفع سعر البنزين بأنواعه الثلاثة.

"دفاعا عن السيسي"

قرار رفع أسعار الوقود في مصر بجميع أنواعه ما عدا السولار والمازوت، يأتي في ظل ما تروجه بعض الصحف والمواقع التابعة للنظام حول رفض السيسي أي زيادات جديدة في أسعاره.

وأتبع موالون للنظام القرار بتدشين هاشتاغ "#السيسي_يرفض_اسعار_السولار"، الذي يحمل الحكومة السبب، ويدعي أن السيسي غير راض ولم يقبل زيادة أسعار الوقود.

"إلى أين يصل الغلاء بعد القرار؟"

ووفق مراقبين، فإن القرار يأتي في توقيت تعلن فيه الحكومة أنها تكافح موجات الغلاء، لكن صدوره في هذا التوقيت قبيل شهر رمضان ومع توقعات 4 بنوك عالمية بحدوث موجة تعويم جديدة للجنيه هي الرابعة بعهد السيسي، ستشعل أسعار جميع السلع وخدمات النقل وغيرها.

كما تأتي في توقيت يعاني فيه المصريون من بلوغ التضخم معدلات قياسية، وسط تراجع قيمة الجنيه خلال عام من 15.6 إلى نحو 30.50 مطلع آذار/ مارس الجاري، ما أصاب المصريين بحالة من العجز عن توفير مستلزماتهم اليومية.

وفي 9 شباط/ فبراير الماضي، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي) أن تضخم أسعار المستهلكين بلغ 25.8 بالمئة، على أساس سنوي في يناير/ كانون الثاني، مسجلا أسرع معدلاته بأكثر من 5 سنوات.

ومن أمام أحد معارض "أهلا رمضان"، التي ينظمها حزب "مستقبل وطن"، في معظم مدن الجمهورية، تقف بعض النساء والرجال، الذين عبروا في حديثهم لـ"عربي21" عن أن حجم الأزمة التي يعيشونها "كبير".

وأكدوا أنهم لا يقدرون على "شراء أي سلع للاستهلاك اليومي"، معربين عن مخاوفهم من "تغول جديد في الأسعار مع ارتفاع أسعار الوقود قبيل شهر رمضان".

وقالت سيدة ستينية: "منهم لله، كل ما كنا نتمناه الأسابيع الماضية أن تظل الأسعار على حالها، ولا تزيد مجددا، ولكنها مع زيادة البنزين سيستغلها التجار لرفع أسعار كل ما لديهم من سلع".

وأضافت أنها "كربة أسرة لا تتحمل هذا الغلاء، فما بالك بالغلاء القادم"، مشيرة إلى أنها تقوم الآن "بتغيير عادات أسرتها الغذائية، وتقليل الاستهلاك من اللحوم والدواجن، وعدم شراء إلا الضروري جدا".

"أيادي صندوق النقد"

وفي رؤيته الاقتصادية، قال الخبير والمستشار الاقتصادي المصري الدكتور أحمد خزيم: "بعد توقيع الحكومة المصرية اتفاقية القرض الأخير مع صندوق النقد الدولي، تم الالتزام بمجموعة من الشروط والإجراءات".

رئيس منتدى التنمية والقيمة المُضافة، أضاف لـ"عربي21"، أنه "تجري مراجعة من الصندوق كل فترة على تنفيذ تلك الشروط، وتم توزيع القرض إلى حصص كل 6 أشهر، وأصبحت إدارة الملف الاقتصادي بالكامل تحت سيطرة الصندوق".

وأكد أن "هذا ما لم تعتد عليه مصر، ولم يعتد عليه الوزراء بالحكومة؛ لأنه سيؤدى إلى أن تكون القرارات وفقا لتلك الشروط، وهو ما حدث في رفع سعر الوقود برغم انخفاضه في هذه الفترة عالميا".

وتوقع خزيم أن "يستتبع ذلك الرفع اجتماعا استثنائيا للبنك المركزي للتحريك الرابع لانخفاض الجنيه مع اتجاه لرفع الفائدة، وهو أيضا شرط من شروط الصندوق، بجانب الإسراع في عرض شركات الدولة للطرح".

اظهار أخبار متعلقة


وأوضح أن "ذلك كله حتى تتم موافقة الصندوق على منح القاهرة القسط الثاني للقرض قبل المراجعة المقررة 15 آذار/ مارس الجاري".

وقطع الخبير المصري بأن "تلك القرارات ستؤدي لمزيد من التضخم وارتفاع الأسعار والركود في الأسواق، ومزيد من إنهاك الطبقة المتوسطة، وتزايد الفقر، خاصة خلال أهم مواسم الشعب المصري؛ شهر رمضان المبارك، ومن بعدة عيد الفطر".

ولفت إلى أن "هذا ما جعل الدولة تعلن عن رفع يبدأ من نيسان/ أبريل المقبل بالمرتبات والمعاشات، في زيادة لا تتوازى مع انخفاض الجنيه وارتفاع الأسعار، ما يشكل الأثر الناتج عن الدائرة الجهنمية لاتساع الفارق".

وتوقع خزيم أن "يتبع هذا الكثير من القرارات التي تتقاطع مع مصالح الصندوق مرة، ومصالح السواد الأعظم من الشعب مرة أخرى، في غياب تام لبدائل ورؤى، خاصة أن إدارة الأزمة هي لنفس المجموعة التي أضاعت فرصة القرض الأكبر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 وأدت إلى الأزمة".

"لا يهمه الشعب"

وفي تعليقه على القرار، قال الخبير والأكاديمي الاقتصادي المصري الأمريكي محمود وهبة، إن مخالفة السيسي وحكومته وعودهم للمصريين بعدم رفع الأسعار مجددا وتقليل الغلاء، "غالبا هو لتنفيذ بنود اتفاق صندوق النقد الدولي، في إطار قرض الـ3 مليارات الذي أُعلن عنه نهاية العام الماضي".

ويرى وهبة، في حديثه لـ"عربي21"، أن دوافع النظام من القرار رغم أن أسعار الوقود عالمية لم تشهد ارتفاعات أو اضطرابات، أنه "سيؤدي لتخفيض الاستهلاك من سلع لا يستطيعون استيرادها لندرة الدولار".

وحول خداع النظام للمصريين عبر هاشتاغات مضللة تدعي رفض السيسي للقرار، قال المعارض المصري إن "السيسي لم يكن يهتم بالشعب أبدا".

ويطالب صندوق النقد مصر برفع الدعم عن مشتقات الوقود بدعوى تقليل العبء على الموازنة العامة للدولة، ما دفع الحكومة لرفع أسعار الوقود بشكل متواصل منذ العام 2014.

ورفعت حكومة السيسي سعر الوقود في تموز/ يوليو 2014، وتشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وحزيران/ يونيو 2017، وحزيران/ يونيو 2018، لتتواصل عمليات التسعير بشكل ربع سنوي منذ العام 2019، حيث ثم تشكيل لجنة تسعير ربع سنوية، قامت برفع سعر الوقود بشكل متتال، بينها 3 مرات في 2022.


 
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أعرب كثيرون عن غضبهم من قرار رفع أسعار الوقود في هذا التوقيت، محذرين من تبعات القرار على ملايين الفقراء، بل وتبعاته على النظام المصري ذاته.

وكشف الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية مصطفى عبد السلام، عن بعض المفارقات، موضحا أن أسعار البترول قفزت إلى نحو 140 دولارا للبرميل في آذار/ مارس 2022، وأنها تراجعت إلى نحو 84 دولارا للبرميل في آذار/ مارس 2023، ما يعني أن "سعر البرميل فقد نحو 56 دولارا من قيمته خلال عام".

وتساءل: "ما مبرر رفع سعر البنزين بنسبة 11 بالمئة، والمازوت وغاز السيارات بنسبة 20 بالمئة، خاصة أن تكاليف الشحن تراجعت عالميا بالفترة الأخيرة، وهناك انفراجة في أزمة سلاسل التوريد والإمدادات العالمية؟".


 
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، كتب السفير المصري فوزي العشماوي: "حقيقي ماينفعش (لا ينفع) أن تتضاعف الأسعار، وأن يُلغي الدعم بما في ذلك وفي مقدمته دعم البنزين والوقود... بكل التأثيرات الكبيرة لذلك على كل شيء... ".

وواصل سرد أزمات المصريين، مؤكدا أنه ماينفعش (لا ينفع) ولا يستقيم أن تستمر الأمور بهذا الشكل، فهذه للأسف وصفة مثالية للغضب والانفجار".


 
وقال الناشط رامي رمسيس، إن "قرار رفع البنزين مافيش (لا يوجد) فيه أي حكمة ولا رحمة ولا تقدير للشعب"، مؤكدا عبر "فيسبوك"، أن رفع البنزين يتبعه موجة من الغلاء لكل السلع، موضحا أن الشعب لم يفق من موجات الغلاء المتتالية.

وتوقع أن يتبع القرار ارتفاع في فواتير الكهرباء والغاز والمياه، مشيرا إلى أن السيسي وعد بعدم تحريك الأسعار قبل حزيران/ يونيو المقبل.

التعليقات (0)