إذا كانت
قمة العقبة أنجزت شيئاً، فقد أظهرت عدم كفاية السياسة الأميركية تجاه
إسرائيل وفلسطين. والقمة التي حضت عليها الولايات المتحدة واستضافها الأردن، جمعت قادة من إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن ومصر والولايات المتحدة بهدف تقليص التوترات الإسرائيلية الفلسطينية قبل وأثناء شهر رمضان وعيد الفصح. والقمة لم تعالج المشكلات المنهجية الأساسية.
ووافق الطرفان على ما طرحته الولايات المتحدة من عدد من أنصاف التدابير المستهلكة التي تستهدف تقليص التوترات بشكل مؤقت. فقد وافقت إسرائيل على تجميد قصير الأمد لـ «مناقشة» المستوطنات الجديدة أو هدم منازل الفلسطينيين، وعلى تقليص المداهمات على التجمعات السكانية الفلسطينية، واحترام «الوضع الراهن» في القدس، والإفراج عن مزيد من أموال الضرائب التي يجمعونها لصالح الفلسطينيين، لكنها تحجبها بالمخالفة للاتفاقات.
ووافقت السلطة الفلسطينية على الامتناع مؤقتاً عن التقدم بقضيتها إلى الأمم المتحدة، وتحسين التعاون الأمني مع إسرائيل، واستخدام عائدات الضرائب الإضافية لتوظيف وتدريب -بدعم أميركي- قوات أمنية جديدة للسيطرة بشكل أفضل على مجموعات المقاومة المسلحة التي تظهر في المناطق.
وأظهرت التطورات التي حدثت أثناء اجتماع المشاركين في القمة بوضوح أن هذه الاتفاقات كانت غير كافية ومنفصلة عن الواقع. فمازال الفلسطينيون يترنحون من العملية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة في نابلس التي تحولت إلى مذبحة حصدت أرواح 11 شخصاً، وأدت إلى إصابة أكثر من 100 فلسطيني. وفي غضون اختتام القمة، قتل مسلحون فلسطينيون مستوطنين إسرائيليين كانا يقودان سيارتهما في قريتهما «حوارة».
وفي غضون ساعات قليلة، هبط مئات المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين إلى «حوارة»، وهاجموا وأصابوا مئات السكان الفلسطينيين بجروح، وأضرموا النيران في مئات المنازل والسيارات.
ومع تولي الحكومة الجديدة بقيادة نتنياهو السلطة، تصاعدت وتيرة المداهمات وأعمال عنف المستوطنين مع الإفلات من العقاب. بعد قمة العقبة، استمرت الغارات الدموية وإطلاق النار واعتداءات المستوطنين. وبعد مداهمة إسرائيلية قتلت ستة فلسطينيين آخرين في جنين، وهاجمت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية موكب جنازة أحد الضحايا، واعترضت على رفع أعلام «حماس»، وهذا عزز نظرة فلسطينيين للسلطة الفلسطينية باعتبارها «ذراع للاحتلال».
وحين انتشرت أنباء «اتفاقيات» العقبة في إسرائيل، أعلن رئيس الوزراء نتنياهو بسرعة، قائلا «لا تجميد للاستيطان». وأعلن وزير آخر عزمه مواصلة هدم منازل الفلسطينيين في القدس خلال شهر رمضان. وقال أحد النواب الإسرائيليين بسخرية «ما حدث في العقبة يبقى في العقبة». الولايات المتحدة والأردن ومصر أرادوا أن يسود الهدوء، لكن الوضع في إسرائيل وفلسطين خرج عن السيطرة. وتتكون الحكومة الإسرائيلية الحالية من متشددين ذوي دوافع أيديولوجية يميلون إلى العنف وغير مستعدين للاعتراف بحقوق الفلسطينيين.
وبعد عقود من تدليل الولايات المتحدة للحكومات الإسرائيلية، يتصرف الإسرائيليون في السلطة اليوم وهو يشعرون بأنه لا يمكن محاسبتهم. والسلطة الفلسطينية التي أضعفها عجزها عن تحقيق «وعد السلام» وما تجرعته من إذلال متكرر على يد الولايات المتحدة وإسرائيل، فقدت دعم الناخبين الغاضبين الذين يردون الضربة الآن عند ضربهم. وهؤلاء الفلسطينيون الغاضبون خارج نطاق السيطرة أيضاً. ومن السخف أن تفترض الولايات المتحدة أن مقترحات العقبة ستحقق الهدوء.
وبدلاً من تضميد الجرح المتقيح، كان ينبغي على واشنطن أن تستخدم مشرطًا لحل المشكلات الجذرية والمتمثلة في شعور الإسرائيليين بالاستحقاق والإفلات من العقاب وغضب الفلسطينيين من الانتهاكات المستمرة. وما لم تضع الولايات المتحدة خطوطاً حمراء ثابتة لإسرائيل وعواقب سلبية ملموسة لاستمرارها في سوء السلوك، لن يتوقف العنف ولن ينضج اتجاه جديد في النقاش داخل إسرائيل ولن يجد الفلسطينيون الأمل.
والتغيير لن يأتي بين عشية وضحاها. لقد عمل سوء النهج السياسي على تعميق هذه الحفرة منذ عقود. وسيتطلب الخروج من هذه الفوضى شجاعة وتصميماً ورؤية. وتوخيا للسلامة، وحتى يحدث هذا، يتعين علينا افتراض أننا سنشهد أياماً قادمة صعبة.
(الاتحاد الإماراتية)