لا تبدو تصريحات الوزير
سموتريتش غريبة حين تحدث عن رغبته في محو قرية حوارة عن الوجود، إذ إنها ليست إلا استمرارا للوعي الصهيوني الذي أنشأ دولة الاحتلال على أنقاض شعبنا، بعد أن أعمل فيه المحارق والمذابح والتهجير.
وفيما تداعت الأصوات لاستنكار وشجب وإدانة ما تفوه به سموتريتش، فإن الحقيقة أن المتطرف العنصري لم يكن يفعل أكثر من مواصلة حديث يومي يقوله كل يوم في مجالسه الخاصة، وهو ما جاء به إلى الكنيست.
الرجل لم يتم انتخابه بسبب وسامته ولا بسبب حبه للسلام وتمسكه بالإنسانية، بل جاء بسبب أفكاره المتطرفة ودعواته لإبادة
الفلسطينيين وتهجيرهم من البلاد.
هذه كانت الأفكار التي حملته إلى مقاعد الكنيست. لذلك فإن الاستغراب والشجب والسب والدعوات للإدانة لا تعبر حقيقة عن حقيقة ما جرى.
العضو الطبيعي في الكنيست والمنتخب وفق الأصول لم يفعل شيئا جديدا، ولم تتطور أفكاره أو لم تنحدر درجة واحدة، بل هي كما هي لم يضف إليها سطرا ولا نقطة، واصل بانسيابية التعبير عن نفس الأفكار.
إنها ذات الأفكار التي جذبت إليه الجمهور الذي شعر بأنه يعبر عنه بأصالة وصفاء دون ديماغوجية ولا شعارات رنانة. فهو يقول لهم ليس فقط ما يريدون أن يسمعوه، بل أيضا ما يؤمنون به. إنه المجتمع الصهيوني الخالص النقي الذي يعبر كما عبر طوال العقود الماضية عن حقيقة المشروع الإحلالي الكولونيالي في البلاد.
حين جاء أوائل الصهاينة إلى فلسطين، لم يأتوا من أجل أن يتعايشوا معنا. كما أنهم لم يقوموا بتطوير مقولات إنسانية عن التعايش وعن الحياة المشتركة، ولم يكتبوا شعرا حول الطبيعة الجميلة التي يريدون أن يعيشوا فيها كما قد يفعل المهاجرون إلى بلاد يريدون أن يعيشوا بين أهلها بسلام ومحبة. ولم يقوموا بالاندماج بالمجتمع الجديد الذي آواهم. لم يحدث أي من ذلك، بل على العكس تماما؛ جاؤوا إلى البلاد من أجل سرقتها ومن أجل طرد أهلها وقتلهم.
وبالنظر للأفكار المؤسسة للمشروع الصهيوني، فإن المؤكد أن سموتريتش عبر بشكل اعتيادي عن أفكار راسخة في وعي
الصهيونية، وهي ذات الأفكار التي جعلت من الصهيونية الفكرة التي يجمع عليها كل هؤلاء الغرباء من بلاد مختلفة ومن ثقافات متباينة.
أفكار ظلت هي جوهر وصلب الصهيونية، حتى وإن حاولت عبر عقود بعد النكبة تقديم دولتها الجديدة بوصفها واحة في صحراء، الواحة التي تعني في آخر المطاف الغيتو المحرم على الآخرين.
وعليه، فإن تفوهات سموتريتش يجب ألا تتم مقابلتها بهذا الجزع وكأننا اكتشفنا شيئا جديدا، بل يجب أن تكون ناقوسا ينبهنا إلى أن شيئا لم يتغير، وأننا ما زلنا مع نفس الغزاة ونفس اللصوص ونفس العقلية التي جعلت من النكبة فعلا أخلاقيا، وجعلت من قتل الفلسطيني تقريبا لحلم جماعي نسجه مؤلفون مجهولو الهوية ومنقطعو النسب، عبر خرافات لا أساس لها من الصحة ولا دليل لها في كتب التاريخ وآثاره المادية.
إنها تفوهات تقول لنا؛ إننا ما زلنا مع نفس العدو. لم يتغير شيء ولم يتبدل شيء. فكل شيء على حاله وكل شيء كما كان، وإننا يجب أن نواصل العمل من أجل حفظ قضيتنا من أن تتحول لقضية اقتصادية ومادية وبحث عن الرفاهية.
وبقدر أن هذا أمر محتم بقدر حاجتنا لتذكره. فما قاله سموتريتش ليس إلا المقولة التي يجب ألا ننساها، وهي أن القضية الحقيقية هي قضية النكبة.
أساس الصراع هو ما جرى قبل خمس وسبعين عاما، حين تم حرق القرى وتدمير المدن وقتل الأطفال والشيوخ.
سموتريتش قال: يجب أن نواصل فعل ذلك. يجب ألا نتوقف. وحين أشار لحوارة وضرورة أن تقوم الدولة بحرقها، فإنه يواصل نفس الدعوات التي كان يطلقها مجرمو الهاغاناه وغيرها من العصابات الصهيونية لإبادة القرى العربية.
إن قتل الفلسطيني جزء من إنجاز المشروع الصهيوني، لذا فإن البحث عن سلام معه ليس إلا استراحة من أجل مواصلة عمليات التطهير العرقي التي لم تتوقف يوما.
وربما وعبر جردة سريعة، لن نجد عامين مرا دون وجود مذبحة بشكل كامل قامت بها دولة الاحتلال أو عصاباتها من الجيش والمستوطنين بحق شعبنا. تاريخ وجود إسرائيل هو تاريخ من المذابح والمجازر.
هذا أمر ليس جديدا ولم يتوقف وليست الدهشة التي أصابت البعض، إلا لأننا ربما بسبب أشياء كثيرة نسينا أو شعرنا لوهلة بأننا ننخرط في تفاصيل بعيدة عن جوهر الصراع. ربما الانقسام! ربما الخلاف والشقاق الداخلي! ربما رغبتنا الحقيقية في بناء مؤسسات الدولة القادرة على مواجهة مشاريع المحو والإبادة! وربما أيضا، وهذا مؤكد، أننا بحاجة لاستراتيجية قائمة على تأكيد بقائنا وصمودنا في أرضنا؛ لأن ما حدث في النكبة يجب ألا يتكرر، وأن ما حدث في الطنطورة يجب ألا يتكرر، وأننا يجب أن نظل في البلاد رغما عن أنف دولة الاحتلال؛ لأن التاريخ يقف إلى جانبنا، ولأن الحق إلى جانبنا، ولأنه ليس لنا خيار آخر إلا أن نظل في هذه البلاد، بلادنا.
(الأيام الفلسطينية)