مع دخول
الحرب الروسية
الأوكرانية عامها الثاني، تزايدت الأصوات
الإسرائيلية المعارضة لموقف تل أبيب من
هذه الحرب الممتدة، رغم أنها فضلا عن كونها صراعا عالميا، فإنها حرب إقليمية. صحيح
أنها في منطقة لا تبدو ضرورية لدولة الاحتلال، على الأقل حاليا، لكنها لا يمكن أن
تكون غير مبالية بتطوراتها المتسارعة.
زلمان شوفال السفير
الإسرائيلي السابق في واشنطن، اعتبر أن "أحد مفاعيل سياسة الاحتلال تجاه الحرب
الأوكرانية مسألة الوجود الروسي في سوريا، والتعاون العملي معها، وهي عوامل تدرجها
إسرائيل في قراراتها من الحرب، مع أن النشاط الإسرائيلي ضد الأهداف الإيرانية في
سوريا ربما يخدم أهداف
روسيا أيضا، رغبة منها بإضعاف القوى والمصالح الإيرانية
الأخرى في سوريا، ولعل هذا أحد الأسباب التي يمنع إسرائيل من تزويد أوكرانيا
بأنظمة دفاع جوي، رغم أنها ستضطر لإعادة النظر في موقفها إذا تم التحقق من أنباء
التعاون الصاروخي بين طهران وموسكو".
وأضاف في مقال نشرته
صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21"، أنه "من وجهة نظر إسرائيل، فإن
الحرب في أوكرانيا، أكثر من مجرد صراع عالمي، فهي حرب إقليمية، ورغم ذلك فلا يمكن
لإسرائيل تجاهلها، ومن ثم سيتعين على الدبلوماسية الإسرائيلية التعامل معها، ومع
تصويت إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لصالح القرار الذي دعا روسيا
للانسحاب الفوري وغير المشروط من جميع الأراضي في أوكرانيا، يوضح الطبيعة الإشكالية
المحتملة لهذا، وليس فقط في السياق الأوكراني، بل في مسائل إقليمية ودولية أخرى".
وأشار إلى أن
"إسرائيل تراقب وعود أمريكا بتزويد أوكرانيا بدبابات أبرامز، مما شكل استجابة
عاجلة لمشكلة خطيرة، والمشكلة أن أوكرانيا تخسر الحرب، بنظر الكثير من التحليلات
السائدة في الصحافة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، ورغم ذلك يبدي الجنود
والمواطنون الأوكرانيون إصرارا على مواصلة القتال. لكننا، وفق بعض القراءات
الإسرائيلية، أصبحنا أمام حرب استنزاف شبيهة بالحرب العالمية الأولى، حيث يتحقق
النصر من قبل الجانب الذي لديه ميزة من حيث حجم السكان والأراضي، وفي المستوى
الاقتصادي والتكنولوجي، وفي الحرب الحالية تبدو روسيا، رغم أنها تعاني مشاكل مع
القوى البشرية والعسكريين".
وأوضح أن
"المعطيات الإسرائيلية المتوفرة تتحدث، أن كلا الجانبين؛ روسيا وأوكرانيا،
لديهما بالفعل مصلحة واضحة في الوصول للمفاوضات، لكن إدارة بايدن لديها خطط أخرى؛ لأن الأمر لم يعد يتعلق فقط بالمساعدات العسكرية وغيرها، بل باستمرار المواجهة مع
روسيا، بما تحمله من عواقب يصعب التنبؤ بها مسبقا، على الأقل في السياق
الإسرائيلي. ولئن كانت هذه الحرب من وجهة محافل سياسية وعسكرية إسرائيلية دفاعية
بالنسبة لأوكرانيا، فهي بالنسبة للروس معركة من أجل البقاء ضد العدوان الغربي، الذي
تقوده الولايات المتحدة نفسها وحلفاؤها الأوروبيون".
ويتزامن هذا الانتقاد
الإسرائيلي لسياسة الاحتلال من حرب أوكرانيا مع ما تبديه من "تمنّع" في
استجابتها للمطالب الغربية بالتورط الكامل في الحرب، بزعم أنها تعد نفسها ليست
عضوا في أي تحالف عسكري رسمي، بل تسعى لتحقيق مصالحها وحدها، فضلا عن كون
الصراعات المتفجرة المتعددة، وحالة عدم الاستقرار المستمر في ساحتها الداخلية، يجبرها على تجنب فتح نزاعات جديدة في الخارج، خاصة مع قوة عظمى مثل روسيا.
لكن هذا لا ينفي وجود
العديد من الاعتبارات المتراكمة لتغيير السياسة الحالية، أولها حاجة الاحتلال لدعم
الغرب بالتزامن مع زحف إيران نحو العتبة النووية، وثانيها تفاقم الخلافات
الإسرائيلية الغربية حول التغييرات القانونية الداخلية، والاستيطان، وخطر الانفجار
مع الفلسطينيين، وثالثها إضرار سياسة "الجلوس على السياج" بالعلامة
التجارية للاحتلال في العالم بظهوره دولة تخشى روسيا.