ملفات وتقارير

إلغاء منتدى شباب العالم الخامس.. تداركا لأخطاء السيسي أم إرضاء للخليج؟

إدارة المنتدى، أكد أنه سيتم توجيه عوائد حقوق الرعاية لتنفيذ حزمة كبيرة من المبادرات- موقع المنتدى
إدارة المنتدى، أكد أنه سيتم توجيه عوائد حقوق الرعاية لتنفيذ حزمة كبيرة من المبادرات- موقع المنتدى
لأول مرة منذ انطلاقة عام 2017، قررت مصر السبت، إلغاء النسخة الخامسة من منتدى شباب العالم، الذي كان مقررا تنظيمه بمدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء، بحضور رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، خلال الشهر الجاري.

بيان لإدارة المنتدى، أكد أنه سيتم توجيه عوائد حقوق الرعاية التي كانت مخصصة للمنتدى، لتنفيذ حزمة كبيرة من المبادرات والمشروعات والبرامج التنموية الهامة ذات التأثير المباشر على المواطنين والشباب بوجه خاص داخل وخارج مصر.

المنتدى، الذي يشرف عليه رجل المخابرات الذي يقود ملفات الإعلام والفن والدعاية، العقيد أحمد شعبان، عُقد منه 4 دورات أعوام (2017، و2018، و2019، و2022)، وجمع شبابا من كل دول العالم، وحضره العديد من قادة الدول العربية ومسؤولون دوليون.

لكن، في كل دوراته التي توقفت عامي (2020 و2021) بفعل جائحة "كورونا"؛ طالته انتقادات داخلية حادة واتهامات من المعارضة بالإسراف وإنفاق الأموال بغير موضعها، في بلد تعاني ميزانيته من العجز المالي ويعيش على القروض والمعونات والهبات والودائع الخليجية.


 
"أجواء صعبة"

ولكن هذا العام سبق المنتدى انتقادات خارجية أيضا بجانب الداخلية، تمثلت في اتهام بعض الصحفيين والكتاب السعوديين والكويتيين النظام العسكري الحاكم، وسلطة السيسي، بل والجيش، بإهدار أموال ومعونات ومساعدات وودائع الخليج، في مشروعات بلا طائل وبمثل هذه المؤتمرات.

وذلك إلى جانب الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المصريون وتفاقم الفقر والبطالة والغلاء وبلوغ التضخم نسبا غير مسبوقة، وصلت بحسب البنك المركزي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلى 24.4 بالمئة، ما أدى لتصاعد صوت المصريين الغاضبين.

وفي ظل هذا الأجواء، يصبح قرار إلغاء منتدى شباب العالم في نسخته الخامسة مثار تساؤلات، خاصة مع أهمية تلك المنتديات للسيسي، الذي يتخذها منبرا لإطلاق رسائله للداخل والخارج.

فهل أدرك النظام المصري حجم خطئه بإقامة تلك المنتديات في بلد فقير يعيش على القروض والمعونات؟ أم إنه أراد أن يرسل رسالة للخليج الغاضب ووقف الحملات الإعلامية ضده؟ وماذا تعني استجابة السيسي للمطالبات بإلغاء المنتدى، وهل أدرك حجم خطورة الموقف حوله؟

"وضع صعب وضغوط"

الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري بالولايات المتحدة الأمريكية الدكتور مصطفى شاهين، قال ردا على تساؤلات "عربي21"، إن "الأمر بالأساس مرتبط تماما بملف العجز الذي تعانيه البلاد في العملات الصعبة وخاصة الدولار".

أستاذ الاقتصاد بكلية أوكلاند الأمريكية، أضاف أن "السيسي، ليس لديه مانع أبدا في أن يواصل إنفاقه بهذا الشكل؛ ولكن الخليج يرصد له كل شيء، وكتاب سعوديون وكويتيون وجهوا إهانة شديدة له ولنظامه، بل ولمصر نفسها".

وأوضح أن توقيت قرار إلغاء المنتدى يأتي في ظل "وضع صعب للنظام"، مشيرا إلى أن تلك الحالة يصاحبها "ضغط خليجي"، معتقدا أنه "لو أراد الخليج أن يوقع به لفعل"، ملمحا لاحتمال وجود "أوامر للخليج بالضغط عليه، وأن هناك مطالب أخرى لا نعلمها".

ويرى شاهين، أن "هذا الوضع الصعب وتلك الضغوط مهمة حتى يضع النظام أولويات للإنفاق، بعد أن انتهت مرحلة الإنفاق الخليجي عليه".

ولفت إلى "ما يحدث لمصر وأهلها والفقراء فيها من تجويع بمقابل الإنفاق في غير موضعه والإسراف والاستهانة بمقدرات الشعب"، ملمحا إلى أن "ما يصدر عن المصريين من مقاطع فيديو عن الفقر شيء محزن، تماما، في ظل عجز تام للمعارضة".

"نهج مطلوب"

وفي رؤيته السياسية، قال السياسي المصري مجدي حمدان موسى لـ"عربي21" إن "منتديات الشباب التي عقدت على مدار السنوات الماضية لم تقدم جديدا، ولم توفر بعدها مناخا مناسب للشعب المصري".

وأضاف أنه "برغم ما قيل بتلك المؤتمرات؛ فقد استمرت أحوال المصريين السيئة، ومازال القمع قائما، ولا وجود للحريات، حتى الشباب لم يجدوا متنفسا بهذه المنتديات، التي كانت مجرد شو إعلامي وإرسال رسالة للغرب بأن الدولة مهتمة بالشباب".

وتابع موسى: "ولا أريد ربط وقف المنتدى هذا العام بحملات الانتقاد الخليجية، واستنفاذ دعم (الرز الخليجي) للنظام بمصر، ولكن أعتقد أنه أمر جيد لو سارت الدولة المصرية بهذه المنهجية بإلغاء كل ما ليس له ضرورة، وتقليل الإنفاق وترك البذخ".

ويرى أن "إلغاء المنتدى في حد ذاته أمرا جيدا في مضمونه"، داعيا إلى الاستفادة "بمقدرات البلاد التي أصبحت مجترة بقدر كبير، في بلد حالتها الاقتصادية متدنية، وتعاني من القروض والفوائد ولدينا عجز بالموازنة وخلل بالميزان التجاري مع أغلب الدول".

ويعتقد السياسي المصري، أن "إلغاء منتدى الشباب الآن دلالة قطعية على أن الدولة بدأت تدرك حجم الخطر المحتمل اقتصاديا، واعتراف منها بأن هذا الأمر يخفف على الخزانة والمالية".

وختم بالقول: "كما أنه يثبت أن المقولات السابقة بأن المنتدى لم يكلف الدولة أموالا غير صحيحة وخادعة للمصريين، ولذا فلقد جرى إلغاؤه هذا العام بسبب الأوضاع الاقتصادية".

"تكلفة عالية.. ولا أرقام"

ووفقا لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، عُقدت النسخة الأولى للمنتدى بقاعة المؤتمرات الكبرى بخليج نبق بمدينة شرم الشيخ، بالفترة من 4 إلى 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، بمشاركة 3 آلاف شاب من 113 دولة.

لتنعقد النسخة الثانية للمنتدى بنفس المدينة بالفترة من 3 إلى 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، بحضور 5 آلاف شاب.

وعقدت النسخة الثالثة للمنتدى بشرم الشيخ، من 14 إلى 17 كانون الأول/ ديسمبر 2019، بحضور 7 آلاف شاب من 197 دولة.

فعاليات النسخة الرابعة لمنتدى شباب العالم افتتحها السيسي، بحضور بعض القادة العرب، واستمرت من 10 حتى 13 كانون الثاني/ يناير 2022.

والبداية كانت بعقد السيسي للعديد من المؤتمرات تحت مسمى المؤتمر الوطني للشباب الخاص بشباب مصر، في مدن شرم الشيخ، وأسوان، والقاهرة، والإسماعيلية، والإسكندرية، والعاصمة الإدارية.

لتنطلق فكرة حضور شباب العالم لمصر عام 2017، والتي شارك بها خلال 4 دورات أكثر من 21 ألف شاب وفتاة من 164 دولة، وطلب حضورها 750 ألفا من دول العالم، وفق صفحة المنتدى بالإنترنت.

ويرى مراقبون أن استضافة ذلك العدد الكبير من الشباب إلى جانب رؤساء بعض الدول والمسؤولين الأوروبيين والأممين تبعه تكلفة كبيرة على البلاد، بداية من تحمل القاهرة تكاليف الطيران والإقامة والطعام بفنادق المدينة السياحية الساحلية بالبحر الأحمر.

وفي ظل ما تكشفه تقارير منظمة الشفافية الدولية السنوية من وقوع البلاد بمراكز متأخرة وحلول القاهرة بالمرتبة 130 بمؤشر مدركات الفساد لعام 2022، تغيب التقارير والأرقام الرسمية عن تكلفة تلك المؤتمرات.

وفي 17 كانون الأول/ ديسمبر 2019، نقلت بعض المواقع العربية عن مصدر باللجنة المنظمة للمنتدى أن تكلفة النسخة الثالثة تجاوزت 600 مليون جنيه (نحو 37.22 مليون دولار حينها).

وبمقابل انتقاد معارضون لغياب تلك الأرقام مع انعقاد كل نسخة من المنتدى، فإن وسائل الإعلام المصرية الموالية للنظام تواصل نفس الردود السنوية بالقول إن "موازنة الدولة لا تتحمل شيئا من تكاليف المؤتمر، وأن هناك رعاة يتحملونها".

ومن أولئك الرعاة، بنوك وشركات حكومية، مثل البريد المصري، والبنك "الأهلي"، و"مصر"، و"القاهرة"، وشركة "وي" للاتصالات، بجانب بعض الشركات المصرية الخاصة.


التعليقات (0)