كتاب عربي 21

من المسؤول عن انهيار المباني في زلازل جنوب تركيا؟

إسماعيل ياشا
الأناضول
الأناضول
كشفت الزلازل وعاصفة الهزات الارتدادية المدمرة التي ضربت جنوب تركيا عن مدى التقصير في الالتزام بالمعايير المطلوبة خلال عمليات التخطيط والبناء ومنح الرخص للمباني، كما لفتت الأنظار إلى الدور الذي لعبه حزب الشعب الجمهوري في عرقلة مشاريع التحول العمراني من خلال تحريض المواطنين ضد تلك المشاريع.

المعارضة التركية والقوى اليسارية الداعمة لها حاولت في الأيام الأولى بعد وقوع زلزالين في 6 شباط/ فبراير الجاري في جنوب تركيا، أن تحمل الحكومة مسؤولية انهيار آلاف المباني في عشر محافظات، مستغلة صدمة الكارثة، إلا أن الحقائق التي بدأت تخرج إلى العلن أظهرت مدى محاربة المعارضة لمشاريع التحول العمراني بدعوى حماية حقوق المواطنين.

التقارير المنشورة حول معارضة حزب الشعب الجمهوري لمشاريع التحول العمراني التي تهدف إلى استبدال المباني القديمة بأخرى جديدة بنيت وفق المعايير الحديثة، لا تعد ولا تحصى. ودفع تذكير تلك التقارير في مواقع التواصل الاجتماعي، وسائل الإعلام الموالية لحزب الشعب الجمهوري، كصحيفة جمهوريت، إلى حذف تلك التقارير من مواقعها، في محاولة لطمس الأدلة التي تشير إلى دور حزب الشعب الجمهوري ومسؤوليته

هناك أمثلة كثيرة لعرقلة مشاريع إعادة البناء في الأحياء القديمة والمناطق المليئة بالمباني غير القابلة لمقاومة الزلازل. وعلى سبيل المثال، أعدت وزارة البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي التركية خطة لمشروع تحول عمراني في بعض أحياء مدينة هاتاي، وذكرت في تقاريرها المخاطر التي تشكلها المباني المتهالكة، كما لفتت إلى أن المنطقة يمكن أن تتعرض لزلزال تتجاوز قوته بمقياس ريختر 7 درجات، وأن الشوارع والأزقة الضيقة تحول دون تدخل مباشر بعد كارثة محتملة. إلا أن حزب الشعب الجمهوري المعارض قام بتحريض سكان تلك الأحياء ضد المشروع، وقاد رئيس بلدية هاتاي المنتمي إلى ذات الحزب مظاهرة للاحتجاج على رغبة الحكومة في إعادة بناء الأحياء القديمة، كما رفع اتحاد غرف المهندسين والمعماريين الأتراك الموالي لحزب الشعب الجمهوري دعوى قضائية ضد المشروع عام 2016 بحجة "الحفاظ على التراث المعماري"، ما أدى إلى إلغائه بعد ثلاث سنوات بقرار المحكمة.

التقارير المنشورة حول معارضة حزب الشعب الجمهوري لمشاريع التحول العمراني التي تهدف إلى استبدال المباني القديمة بأخرى جديدة بنيت وفق المعايير الحديثة، لا تعد ولا تحصى. ودفع تذكير تلك التقارير في مواقع التواصل الاجتماعي، وسائل الإعلام الموالية لحزب الشعب الجمهوري، كصحيفة جمهوريت، إلى حذف تلك التقارير من مواقعها، في محاولة لطمس الأدلة التي تشير إلى دور حزب الشعب الجمهوري ومسؤوليته في انهيار آلاف المباني، إلا أن هذه المحاولة لا يمكن أن تنجح لغزارة الأدلة المحفوظة بالصوت والصورة.

خبراء الزلازل يحذرون من زلزال مدمر يمكن أن يضرب محافظة إسطنبول في أي لحظة، ويدعون إلى اتخاذ التدابير اللازمة كهدم المباني المتهالكة وإنشاء مبان جديدة وفق المعايير التي بدأ تطبيقها بعد زلزال 1999. وبناء على تلك التحذيرات، أطلقت بلدية إيسينلار في إسطنبول، قبل فترة، مشروع تحول عمراني لبناء 60 ألف شقة سكنية جديدة قابلة لمقاومة الزلازل، إلا أن بلدية إسطنبول الكبرى برئاسة أكرم إمام أوغلو المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري رفعت تسع قضايا ضد المشروع. وإضافة إلى ذلك، قام إمام أوغلو بتقليص الأموال المخصصة لمشاريع التحول العمراني في ميزانية البلدية حوالي 65 في المائة عام 2020، وتكرر ذات التقليص في ميزانيات السنوات التالية بنسب مختلفة، في مقابل رفع نسبة الأموال المخصصة للدعاية. ورغم وعده بإنشاء 100 ألف شقة سكنية جديدة في إسطنبول، فإن عدد الشقق التي تم بناؤها خلال أربع سنوات من رئاسة إمام أوغلو لبلدية إسطنبول الكبرى هو "صفر".

"توكي" سبق أن بنت خلال عشرة أشهر فقط 26 ألف منزل في مدينة "وان" وقراها بعد الزلزال الذي ضربها عام 2011، علما أن مشاريع "توكي" ينفذها مقاولون، وأن هناك مئات شركات المقاولات يمكن أن تتولى كل منها أو بعضها تنفيذ جزء من المشاريع بالتزامن وتحت إشراف الحكومة ومراقبتها

وسائل الإعلام التركية والعالمية لفتت الأنظار إلى قضاء "أرزين" التابع لمحافظة هاتاي ورئيس بلديته المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري، لأن المباني الموجودة في ذاك القضاء صمدت أمام كارثة الزلزال. ولذلك، صفق الجميع لرئيس البلدية إلا أن الحقيقة التي ظهرت فيما بعد كشفت أن رئاسة البلدية في قضاء "أرزين" تولاها قبل الرئيس الحالي رؤساء ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، وأن معظم المباني تم إنشاؤها في رئاسة هؤلاء، كما أن هناك عشرة مبان فقط بنيت في عهد الرئيس الحالي ثمانية منها تضررت بشكل كبير في الزلازل الأخيرة.

رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان أعلن أن إدارة الإسكان الحكومية "توكي" ستبني خلال سنة حوالي 200 ألف شقة سكنية في المناطق المنكوبة، بالإضافة إلى 70 ألف منزل في القرى المتضررة من الكارثة. ومن اللافت أنه لا يقول أحد في تركيا إن هذا الوعد هدف خيالي يستحيل تحقيقه، لأن أردوغان اشتهر بإيفاء وعوده، وأن "توكي" سبق أن بنت خلال عشرة أشهر فقط 26 ألف منزل في مدينة "وان" وقراها بعد الزلزال الذي ضربها عام 2011، علما أن مشاريع "توكي" ينفذها مقاولون، وأن هناك مئات شركات المقاولات يمكن أن تتولى كل منها أو بعضها تنفيذ جزء من المشاريع بالتزامن وتحت إشراف الحكومة ومراقبتها.

twitter.com/ismail_yasa
التعليقات (0)