تحدث مركز بحثي
إسرائيلي، عن مدى تأثير دعم
الصين للفلسطينيين على العلاقة بين بكين وتل أبيب، وخاصة مع تشديد الصين لهجتها ضد الإجراءات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية وتستهدف بها
الفلسطينيين.
وأوضح "مركز بحوث الأمن القومي" التابع لجامعة "تل أبيب" العبرية، في تقديره الاستراتيجي الذي أعده كل من غاليا لافي وعوديد عيران، أن الصين واصلت دعمها للفلسطينيين بشكل غير محدود في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد اقتحام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى المبارك بتاريخ 3 كانون الثاني/يناير الماضي، وانضمت إلى الإمارات وطلبت عقد جلسة مستعجلة في
مجلس الأمن، التي فيها طلب السفير الصيني من "إسرائيل" بشكل خاص "وقف التحريض والاستفزاز".
منافسة وعداء
ولفت إلى أن الصين مرة أخرى في نهاية كانون الثاني/يناير طلبت مع الإمارات وفرنسا عقد جلسة في مجلس الأمن بشكل مستعجل بعد عملية عسكرية لجيش الاحتلال في مخيم جنين، أسفرت عن قتل 10 فلسطينيين بينهم سيدة مسنة، منوها إلى أن "خصائص رد الصين لم تتغير حتى بعد العمليات الأخيرة في القدس، وشملت التعبير عن الحزن على المصابين المدنيين في النزاع الفلسطيني -الإسرائيلي وإدانة العمليات والاستخدام الزائد للقوة، وطلبت من الطرفين، لا سيما إسرائيل، الهدوء وضبط النفس لمنع خروج الوضع عن السيطرة".
وذكر المركز، في تقديره الذي يأتي ضمن نشرة استراتيجية يصدرها بشكل شبه دوري تحت عنوان "نظرة عليا"، أن الصين تكرر أن "النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي مستمر؛ لأن الطموحات الشرعية للفلسطينيين بدولة مستقلة لم تتحقق حتى الآن، علما بأن الصين مؤخرا صوتت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة مع القرار الذي دعا محكمة العدل الدولية في "لاهاي"، إلى إعطاء رأي استشاري حول تداعيات الاحتلال الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية".
إظهار أخبار متعلقة
وأشار إلى أن "التصويت الأخير، يأتي ضمن سلسلة تصويتات تؤيد الطرف الفلسطيني منذ حلت الصين الشعبية محل تايوان في الأمم المتحدة في 1971، وكبار رجال الصين يواصلون إطلاق تصريحات دعم للفلسطينيين".
في اللقاء الأخير للرئيس الصيني شي جين بينغ مع رئيس السلطة محمود عباس في كانون الأول/ديسمبر 2022، أكد أن "الصين دائما تؤيد بقوة الهدف العادل للشعب الفلسطيني، وإعادة حقوقه ومصالحه الشرعية"، كما أن الصين تحرص في كل مناسبة بالتوضيح أنها تؤيد حل الدولتين، وضمن ذلك العودة إلى حدود 1967 وشرقي القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، إضافة إلى ذلك، منذ سنوات تطرح الصين خططا لإنهاء النزاع، وهي تشبه بعضها بعضا".
وسبق أن عبر الرئيس الصيني عن استعداد بلاده استضافة مؤتمر دولي بمشاركة الدول الخمس الأعضاء الدائمين وتأكيد البعد الاقتصادي، مع لفت الانتباه لمبادرة "الحزام والطريق" التي نشرها قبل 4 سنوات من ذلك، ومع ذلك المساعدات الاقتصادية التي تقدمها الصين للفلسطينيين قليلة، حتى الشركات الصينية تستثمر القليل جدا في المناطق الفلسطينية، ومولت منشآت صغيرة لتحلية المياه والطاقة الشمسية في غزة.
وبحسب رأي بكين، "الاستثمار الضئيل يلبي الحاجة السياسية التي تسمح لسفراء الصين في الأمم المتحدة وفي السلطة الفلسطينية، بالتعبير عن الدعم غير المحدود للخط السياسي الفلسطيني لتعزيز صورتها، كدولة تحب السلام وتدافع عن القانون الدولي، وهذا يضع الصين ضد الولايات المتحدة وسياستها التي تخلق حسب رؤيتها عدم استقرار، ومنافسة وعداء في الساحة الدولية".
ونبه المركز البحثي، أن "الموقف الثابت للصين في موضوع النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، يستند أيضا إلى الحاجة لضمان دعم الكتلة العربية-الإسلامية لمواقفها في موضوع تايوان، وصمتها على ما يحدث في موضوع الأقلية الإيغورية".
قواعد اللعب
أما
سياسة الصين تجاه تل أبيب، فهي "بخلاف سياستها تجاه الفلسطينيين؛ ففي 2013 وقعت إسرائيل والصين على اتفاق تعاون في البنى التحتية، ومنذ ذلك الحين تعمل في إسرائيل شركات صينية متنوعة المجالات، إضافة لمصالحها الاقتصادية المباشرة في إسرائيل، الشركات الصينية تستعين بإسرائيل كـ "جسر للغرب"، من الناحية التجارية بالنسبة لشركات صينية".
إظهار أخبار متعلقة
و"إسرائيل هي مكان مثالي لتجربة النشاطات التجارية خارج الصين، فمن جهة، إسرائيل هي دولة متقدمة، لكن من جهة أخرى هي صغيرة من حيث حجمها، والتجربة في السوق الإسرائيلية تسمح للشركات الصينية باكتساب المعرفة والتجربة، لغرض نشاطات مستقبلية في دول مشابهة في السوق الأوروبية، وأيضا بالنسبة للدبلوماسيين الصينيين، إسرائيل تعتبر قناة لنقل الرسائل للولايات المتحدة وبالعكس؛ وذلك لفهم أفضل للمواقف الأمريكية"، وفقا للتقرير.
في 2017، وقعت "إسرائيل والصين على شراكة شاملة في الابتكار، وظهر كأن الطرفين يقومان بنشاطات اقتصادية متشعبة في شركات تجارية، لا سيما في البنى التحتية والمؤسسات الأكاديمية، ولكن خلافا للصورة الشكلية التي أوجدتها الشراكة "الشاملة في الابتكار" بين تل أبيب وبكين، يبدو أن ثمار هذه الشراكة ليست كثيرة".
وزعم المركز، أن "استثمارات الصين في الهايتك في إسرائيل بلغت ذروة 8 في المئة فقط من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل، ومنذ 2019 حدث انخفاض في هذا الحجم المنخفض أصلا، وفرع الخدمات في إسرائيل الذي شكل نحو نصف إجمالي التصدير الإسرائيلي في 2021 ، صدر للصين أقل من 0.5 في المئة، وفي نهاية 2022 قامت الصين بخطوة مهمة في القمم الثلاثة المختلفة مع الدول العربية ودول الخليج، حيث قامت بصياغة تعبر عن دعمها لمواقف دول الخليج في النزاع مع إيران، وبهذا أعطت إشارات عن رغبتها في توسيع التعاون الاقتصادي مع المنطقة، التي هي مهمة بالنسبة لها كمصدر أساسي للطاقة".
ورأى أن "الصين تنتبه "لاتفاقات إبراهيم" (التطبيع) التي في إطارها إسرائيل وبعض دول الخليج زادت التعاون الاقتصادي فيما بينها، وهذه خلفية مريحة بالنسبة للصين وإسرائيل لزيادة التعاون بينهما بمشاركة خليجية"، مبينا أن كلا من "الصين وإسرائيل وافقتا في المقابل على عدم الاتفاق حول عدة مواضيع سياسية".
وأضافت: "الصين فصلت هذه المواضيع عن نشاطها الاقتصادي في إسرائيل، والأخيرة تجاهلت النشاط السياسي ضدها، وركزت على استغلال الفرص الاقتصادية فقط، ولكن في السنتين الأخيرتين حدث تغيير؛ الصين زادت حدة تصريحاتها في الموضوع الفلسطيني – الإسرائيلي، وظهر أن إسرائيل غيرت سياستها، التي شملت تجاهل نموذج التصويت الإشكالي للصين ضدها في الأمم المتحدة، وانضمت إلى انتقادها في الساحة الدولية بسبب معاملة الصين للأقلية الإيغورية، وأيضا تل أبيب بدأت في استخدام آلية رقابة على النشاطات الاقتصادية الأجنبية كما فعلت عدة دول".
إظهار أخبار متعلقة
ومع ذلك، أكد المركز أنه "لا توجد لإسرائيل أي مصلحة في انقطاع اقتصاد الصين، فهو من الاقتصادات الكبرى في العالم، في الحقيقة المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، زادت حدة المعضلة الإسرائيلية بسبب الضغط الذي تستخدمه واشنطن على حلفائها لتقليص علاقاتهم مع الصين في كل ما يتعلق بالتكنولوجيا المتقدمة، وفي هذا الوضع الجديد الذي توجد فيه أهمية كبيرة للدعم الاستراتيجي الأمريكي، ووزن يفوق الاعتبارات السياسية والأمنية لإسرائيل، وتوجد للصين مصلحة اقتصادية وسياسية لتوسيع علاقاتها مع دول الخليج، فإنه للطرفين مجال واسع يمكن فيه توسيع التعاون؛ لأنه ليس كل مجالات التطوير تضر بالمنافسة بين واشنطن وحلفائها وبين بكين".
وبين أن "علاقات الصين مع إسرائيل تم طرحها خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي ورئيس "سي.آي.إيه" ومستشار الرئيس للأمن القومي لتل أبيب، ومطلوب من الحكومة الجديدة في إسرائيل مناقشة المجالات المختلفة لهذه القضية، والصين هي إمكانية اقتصادية كامنة لأي اقتصاد متطور ويرتكز على الابتكار مثل الاقتصاد الإسرائيلي".
وخلص التقرير الإسرائيلي، إلى أنه "توجد لكل من الصين وإسرائيل مصلحة في تحسين العلاقات الاقتصادية بينهما، من خلال محاولة إنتاج قواعد لعب محدثة، تناسب عصر المنافسة بين الدول العظمى، كما يجب على تل أبيب العمل على بلورة تعاون اقتصادي لا يضر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وفي المقابل مواصلة الحفاظ على حرية تعبير سياسية يرد بصورة موضوعية على نشاطات الصين السياسية ضد إسرائيل".