تتوالى المؤشرات على وجود إحجام خليجي عن دعم
رئيس النظام
المصري عبدالفتاح
السيسي، ماليا، لإنقاذه من أزمة اقتصادية كبيرة تضرب البلاد منذ الربع الأول من العام
الماضي، مع تفجر الحرب الروسية الأوكرانية، التي أوقعت عملة البلاد إلى هاوية
سحيقة غير مسبوقة تاريخيا.
ويثار الحديث عن رفض بعض دول
الخليج العربية
دعوات صندوق النقد الدولي الأخيرة التي أطلقها في 10 كانون الثاني/ يناير الجاري
لمساعدة مصر، ومطالبته من وصفهم بـ"حلفاء مصر الخليجيين" بالوفاء
بتعهداتهم الاستثمارية لتغطية فجوة التمويل الخارجي.
هذا الحديث يعتمد في تقديره على غياب قادة
السعودية والكويت عن مؤتمر عقد في أبوظبي، يوم 18 كانون الثاني/ يناير الجاري،
ودعا له رئيس الإمارات محمد بن زايد، من بين أهدافه بحث منح مصر مساعدات مالية
عاجلة، وحضره قادة قطر والبحرين وعمان والأردن ومصر.
المثير في الأمر، أنه تبع الغياب السعودي عن
المؤتمر السابق في الإمارات حملة نقد لاذعة من كتاب سعوديين وإسرائيليين -نادرة
الحدوث- على حكومة السيسي والجيش المصري، أحدثت تفاعلا واسعا بين مؤيد لها ومنتقد
وناقم عليها.
اظهار أخبار متعلقة
سبع تغريدات عبر موقع "تويتر"، يوم
26 كانون الثاني/ يناير الجاري، للكاتب والأكاديمي السعودي السابق تركي الحمد،
كانت الأكثر مباشرة في النقد لنظام الحكم وللجيش المصري.
وقال الحمد: "لدينا نموذجان لمصر: مصر
المزدهرة قبل عام 1952، ومصر الطموحة بعد ذلك التاريخ"، وأضاف: "في
المقابل، هنالك مصر بواقعها الحالي، أي مصر البطالة، وأزمات الاقتصاد والسياسة
ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة التي لا تنتمي لأي نموذج، ملكيا كان أم جمهوريا".
وتابع: "فما الذي حدث لمصر الثرية
بثرواتها وإمكانياتها، والتي كانت تُقرض المال وتساعد المحتاج، وها هي اليوم أسيرة
صندوق النقد الدولي، مشرئبة العنق لكل مساعدة من هنا أو هناك، وهي أرض اللبن
والعسل؟".
وفي تفسيره لأسباب كل ماسبق، أشار الحمد، إلى
"هيمنة
الجيش المتصاعدة على الدولة، وخاصة الاقتصاد، بحيث لا يمر شيء في
الدولة المصرية إلا عن طريق الجيش، وبإشراف الجيش، ومن خلال مؤسسات خاضعة للجيش،
ولصالح متنفذين في الجيش".
ووصف ما يجري بـ"الثقافة الشعبية
المستسلمة والمستكينة... ".
وهي التغريدات التي تبعتها بعد يومين، تغريدة مثيرة
أيضا عن أبعاد الحالة المصرية للخبير في علم الاجتماع السياسي خالد الدخيل، الذي
قال إن "ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم
تغادر عباءة العسكر منذ 1952".
وأضاف أنها "انكسرت في حزيران/ يونيو
1967، وتبخر وهج 23 يوليو، كما عرفه المصريون والعرب".
ووجه انتقاده للسلطة الحالية وللجيش المصري،
مستدركا بقوله: "لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم تسمح ببديل
سياسي اقتصادي مختلف".
وتداول نشطاء مقطعا قديما للدخيل، خلال ندوة
سياسية قبل أعوام، كان يتحدث فيها عن تلميحات للسيسي، يهاجم فيها السعودية في أحد خطاباته، رغم أنه كان يطلب الدعم المالي منها عقب انقلابه.
وقال الدخيل، إن السيسي قال في خطاب له ويشير
إلى السعودية، بأن مصر لن تركع إلا لله وهي جملة مربكة في السياق الذي قيلت فيه
والسعودية ليست والخليج أعداء لمصر"، وأضاف: "تفسيري أن المقصود هو أن مصر لن
تركع للمال الخليجي، فلماذا يطالب السيسي بالرز الخليجي".
تلك المواقف قابلها مراقبون مصريون بالتساؤل،
وبينهم الكاتب الصحفي المصري عبدالناصر سلامة، الذي وصف الموقف الرسمي للسعودية
والكويت بخصوص المساعدات الخارجية بـ"الصادم"، رابطا بينها وبين
انتقادات تركي الحمد وخالد الدخيل.
وتساءل رئيس تحرير "الأهرام" الأسبق:
"هل هي صحوة ضمير لصالح الشعوب بعد سلسلة أخطاء، أم خلافات مؤقتة تزول بزوال
السبب، أم إملاءات خارجية كما جرت العادة؟".
وعلى الجانب الآخر، قال الناشط السياسي بأمريكا
الدكتور سام يوسف، إن "مصر توقف نقل جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية ردا
على تجاهل المملكة دعوات وقمم مساعدة مصر في أبوظبي، ورفضها إرسال أية أموال جديدة
كمساعدات للإدارة المصرية".
وقدمت دول الخليج العربية السعودية والإمارات
والكويت والبحرين مساعدات مالية ضخمة للسيسي، عقب انقلابه على الرئيس الراحل محمد
مرسي، منتصف 2013، دعما لنظامه.
وتشير تقديرات لحجم الدعم الذي تلقته القاهرة
من الخليج، منذ ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، بنحو 92 مليار دولار، بحسب ما
نقلته صحيفة "القبس" الكويتية 19 آذار/ مارس 2019، عن مصادر رسمية في
البنك المركزي المصري.
ويرى مراقبون أن توالي التقارير الاقتصادية
الدولية التي تحمًل مشروعات السيسي، الإنشائية وخاصة عاصمته الجديدة، المسؤولية عن
ضياع كل الدعم الخليجي وعدم ذهابه إلى مشروعات إنتاجية، كانت سببا مباشرا في إحجام
حكومات الخليج عن مواصلة ذلك الدعم.
"نكوص خليجي"
وفي تعليقه على دلالات هجوم كتاب سعوديين
وإسرائيليين على السيسي والجيش المصري، يرى الخبير في القانون الدولي والعلاقات
الدولية الدكتور السيد أبوالخير، أنها "للضغط على النظام لكي يستجيب لشروط
صندوق النقد الدولي".
وفي حديثه لـ"عربي21"، يعتقد
الأكاديمي المصري أن الخليج يخذل السيسي ويرفض دعمه مجددا، قائلا: "نعم هناك
تخل عنه من قبل دول الخليج تنفيذا لأوامر صندوق النقد الدولي لرفض الجيش الانسحاب
من الحياة المدنية السياسية والاقتصادية".
ولفت إلى "تمسك المؤسسة العسكرية بالحفاظ
على مكتسباتها التي تكونت في أكثر من 70 سنة من حكم العسكر، وتضخمت كثيرا بعد
الانقلاب العسكري".
وأشار أبوالخير، إلى أن السبب الثاني لخذلان
الخليج للسيسي، هو لعلم تلك الدول أن "الأموال التي ضخت ودفعت للمؤسسة
العسكرية لم تدخل الاقتصاد المصري، بل هربت لخارج البلاد بحسابات سرية لصالح قادة
المؤسسة العسكرية".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد أن "ذلك بحسب ما ورد فى بعض التقارير
الدولية، من مؤسسات لها مصداقية".
وأضاف أبوالخير: "وإمعانا في تحكم المؤسسة
العسكرية في الاقتصاد المصري صدر قرار رئاسي بتمكين المؤسسة العسكرية لعدد 2 كيلو
على جانبي 31 من الطرق الرئيسية والمهمة الجديدة بأرجاء مصر شمالا وجنوبا شرقا
وغربا، في غير ذات حاجة عسكرية تتطلب ذلك".
"قصر نظر"
وفي تقديره، قال السياسي المصري والبرلماني
السابق الدكتور عبدالموجود الدرديري، إن "النظام الحاكم في مصر هو الذي نقل
البلاد من دولة تريد الانطلاق للأمام إلى شبه دولة، وربما إلى دولة فاشلة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "كان
عليه أن يعلم أن هبات دول الخليج لن تستمر طويلا؛ ولكنه لقصر نظره ورغبته في التحكم
بكل شيء وفساد إدارته لمصر، جعل الخليجيين وصندوق النقد يشكون في إمكانية نهوض دون
إصلاح هيكلي".
وتابع: "يقلل من سيطرة المؤسسة العسكرية
على الاقتصاد ويفرض شيئا من الشفافية والمحاسبة"، مضيفا أن "كل هذه أمور
لا تحسنها الأنظمة الديكتاتورية".