قال الصحفي والكاتب البريطاني جوناثان
كوك؛ إن زعيم
حزب العمال البريطاني كير
ستارمر، يتجاهل مع الفاشية التي ينتهجها الاحتلال
الإسرائيلي.
أوضح كوك في مقال بموقع "ميدل إيست آي"، ترجمته "عربي21"، أن ستارمر لا يتساهل على الإطلاق مع الانتقادات الموجهة لإسرائيل داخل الحزب.
وتاليا ترجمة المقال كاملا:
ما تجلى بوضوح خلال السنوات الثلاث الماضية، هو أن زعيم حزب العمال كير ستارمر لا يتساهل مع أي نقد موجه لإسرائيل بأي حال من الأحوال، حتى لو كان ذلك النقد منسجما مع القانون الدولي، أو مع الحكم الصادر عن مجتمع حقوق الإنسان أو مع المنطق السليم.
تحظى إسرائيل ببطاقة عبور مجانية من قبل حزب العمال المعارض بقيادة ستارمر، تماما كتلك البطاقة التي تحصل عليها من حزب المحافظين الحاكم. كل بريطاني يعتقد بأن من حق الفلسطينيين أن تكون لهم دولة، أو أنه لا يجوز أن يتعرضوا لسرقة أراضيهم منهم لكي تبنى عليها مستوطنات غير قانونية لا يسكنها سوى اليهود، أو أنه ينبغي لهم أن يتحرروا من حكم الفصل العنصري الإسرائيلي، أو أنهم لا ينبغي أن يتعرضوا للقتل على يد القوات الإسرائيلية التي تستسهل إطلاق النار عليهم، فهو اليوم مشرد سياسيا.
وذلك ما تأكد يوم الأربعاء عندما أجبر زعيم حزب العمال عضو البرلمان كيم جونسون على الاعتذار، بعد أن أشارت إلى أن "حكومة إسرائيلية فاشية" تم انتخابها في وقت متأخر من العام الماضي. وقد فعلت ذلك بينما كانت توجه سؤالا إلى رئيس الوزراء ريشي سوناك حول انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان، وهي الانتهاكات التي تم توثيقها بشكل جيد.
وصف مكتب ستارمر تصريحات كيم جونسون بأنها "غير مقبولة على الإطلاق" وأصر على أن تسحبها. قالت النائب البرلماني في اعتذارها؛ إن استخدام مصطلح "فاشية" كان "بالذات عديم الإحساس إذا ما أخذنا بالاعتبار تاريخ دولة إسرائيل".
كما اعتذرت لأنها كانت "عديمة الإحساس" لقولها؛ إن منظمة العفو الدولية وغيرها من منظمات حقوق الإنسان الكبيرة، وصفت إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري (أبارتيد)، والمفارقة هي أن ذلك حدث في اليوم نفسه الذي أصدرت فيه منظمة العفو الدولية بيانا جديدا، يؤكد أن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، "نظام هيمنة وحشي وجريمة ضد الإنسانية".
تارة أخرى، لا يوجد اعتبار سوى للحساسيات الإسرائيلية. أما الحساسيات الفلسطينية – التي تواجه بحكومة هي الأعتى قومية، والأكثر عنصرية والأشد تحريضا في تاريخ إسرائيل –، فلا تهم حزب العمال بقيادة ستارمر.
ولكن الأسوأ من ذلك، هو أن مقاربة ستارمر إزاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ثبت أنها رسمية للغاية. فمن خلال تقريعه لكيم جونسون، هل يقصد القول إن إسرائيل لديها النظام السياسي الوحيد في العالم الذي لا قبل له بإيصال الفاشيين إلى السلطة؟
يمكن للمرء أن يعتبر زعماء السويد فاشيين، وكذلك زعماء إيطاليا. فقط هم السياسيون الإسرائيليون الذين يعفون من مثل هذا التنديد، حتى وهم يسنون قوانين عنصرية ويقومون بقهر وقتل شعب آخر بطريقة لا يجرؤ أي سياسي في السويد أو في إيطاليا أبداً على القيام بها.
إن الإيحاء بأن إسرائيل تحتفظ ببطاقة مجانية تعفيها من الاتهام بالفاشية لمجرد أن ألمانيا ارتكبت إبادة جماعية ضد اليهود – وليس ضد إسرائيل –، من شأنه أن يدمج إسرائيل في اليهود حول العالم. ومن معاداة السامية الاعتقاد بأن اليهود يتحملون المسؤولية عما ترتكبه إسرائيل من جرائم، أو أن أي انتقاد لإسرائيل يشمل اليهود كذلك. فالقضيتان منفصلتان، كما تثبت حقيقة أن كثيراً من اليهود ينعتون إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري، وينعتون حكومتها الجديدة بأنها حكومة فاشية.
"الفاشية هي نحن"
والحقيقة، هي أن ستارمر يحظر على نواب البرلمان من أعضاء حزبه الحديث عن الحكومة الإسرائيلية الجديدة بلغة تستخدمها وسائل الإعلام الإسرائيلية بانتظام. من العناوين الرئيسية التي ظهرت في تلك الوسائل مؤخرا: "لماذا تلتزم شوارع إسرائيل الصمت إزاء الاستيلاء الفاشي؟" ، "بات الأمر رسميا الآن: الفاشية هي نحن" ، "القنال ضد الفاشية لا ينتهي عند الخط الأخضر" ، "نعم، يمكن لليهود أيضا أن يدعموا الفاشيين".
والأمر الأكثر غرابة، هو أن ستارمر حظر على أعضاء البرلمان عن حزب العمال وصف وزراء الحكومة الإسرائيلية باللغة نفسها التي يستخدمها أولئك الوزراء أنفسهم. في الشهر الماضي، تم سرا تسجيل مقطع لوزير المالية الإسرائيلي الجديد بيزاليل سموتريتش وهو يصف نفسه قائلا؛ إنه "فاشي كاره للمثليين".
عبرت منظمات حقوق الإنسان عن قلقها الشديد إزاء التصعيد السريع من قبل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في الاعتداءات البدنية والإدارية والتشريعية على المجتمعات الفلسطينية. وهذه لا تشمل فقط ارتفاع وتيرة العنف، ولكن أيضا "تشريع" المستوطنات، وموجة من هدم البيوت، والاعتقالات الجماعية، والخطط الهادفة إلى إلغاء "إقامات" الفلسطينيين، وسحق الاحتجاجات.
والحقيقة، هي أنه ما ينبغي لتصريحات كيم جونسون أن تعتبر خلافية على الإطلاق. فهذا إيهود باراك – من حزب العمل الإسرائيلي، الذي ينحاز حزب ستارمر إليه رسميا–، يحذر قبل سبع سنين من أن إسرائيل تنزلق بسرعة نحو الفاشية. وقد قال هذا الكلام قبل وقت طويل من إقدام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على دعوة كتلة الصهيونية الدينية المعروفة بعدائها العلني والشرس للعرب للانضمام إلى ائتلافه.
من الواضح أن باراك رأى إلى أين كانت تتجه إسرائيل، قبل وقت طويل من جلوس المشرعين المنتمين إلى الصهيونية الدينية في مقاعد الحكومة، باعتبارهم ثالث أكبر فصيل مشكل لها.
بالنظر إلى انحراف إسرائيل بلا هوادة نحو اليمين خلال الخمسة عشر عاما الماضية، يجد المعلقون الإسرائيليون صعوبة في إيجاد طرق جديدة لوصف عقيدة التفوق اليهودي، التي تتمسك بها بشكل متزايد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. هناك فقط الكثير من كلمات "المتشدد" و"المتطرف" التي تتبع مفردات مثل "القومي" و"اليميني"، قبل أن تكون الكلمة الوحيدة المتبقية هي "فاشي".
بل إن أحد كبار المسؤولين السابقين في إيباك، مجموعة اللوبي الإسرائيلية الرئيسية في واشنطن، وصف سياسيي الصهيونية الدينية بعبارة "القوى الفاشية"، وفعل ذلك من خلال صحيفة ذي جيروزاليم بوست، التي تواد نتنياهو.
إظهار أخبار متعلقة
التحريض على العنصرية
إيتامار بن غفير، أحد زعماء المستوطنين واللاعب الأساسي في تحالف الصهيونية الدينية، ويقود أكثر الأحزاب المكونة لها تطرفا، وهو حزب القوة اليهودية، الذي يصدر أيديولوجيا عن حركة كاخ التي حظرها البرلمان الإسرائيلي قبل وقت طويل في نهاية الثمانينيات.
معلم بن غفير هو الحاخام مائير كاهانا الذي أسس حركة كاخ على أرضية الدعوة إلى ضم الأراضي المحتلة وطرد الفلسطينيين جماعيا، وحظر الزواج وكل أنماط العلاقات الجنسية بين اليهود وغير اليهود، وفرض عقوبة على من يفعل ذلك تصل إلى السجن لمدة خمسين عاما. وكان قد تعهد باستخدام العنف اليهودي تحديدا كسبيل لإحداث مثل هذه التغييرات.
بلغت آراء كاهانا حدّا من الغلو، جعل الولايات المتحدة تصنف حركة كاخ منظمة يهودية في عام 1997. لم يتم رفع ذلك التصنيف إلا في العام الماضي، فيما يبدو لأن كاخ اعتبرت "خاملة".
ولكنها لو كانت خاملة، فما ذلك إلا لأن من يتمسكون بأيديولوجيتها غيروا من علامتهم التجارية. وكما قال ويليام لافي يومانز، أحد الخبراء في الولايات المتحدة، في تصريح للجزيرة: "بدلا من إلغاء التصنيف، كان يتوجب على وزارة الخارجية تحديثه وتوسيعه.". كما أن بن غفير نفسه أدين في عام 2007 بمناصرة منظمة إرهابية وبالتحريض على العنصرية.
وبالنظر إلى الصعود السريع للكاهانيين في السياسة الإسرائيلية، تحت ماركة مختلفة، كان لا بد على الأقل من الارتياب بأن ذلك التحرك من قبل السلطات في الولايات المتحدة، إنما أريد به تجنب المواجهة المحرجة مع الحكومة الإسرائيلية نفسها الموجودة لدينا الآن.
يشغل بن غفير حاليا منصب وزير الشرطة، ولديه صلاحيات غير مسبوقة في إدارة الجناح شبه العسكري داخل الشرطة، وهو الجناح الذي يعمل داخل إسرائيل وفي المناطق المحتلة.
عوائد الجريمة
إن رد فعل ستارمر على استخدام كيم جونسون لمصطلح "الفاشية"، ما هو سوى جزء من نمط سلوكي لم يزل يمارسه منذ انتخابه زعيماً لحزب العمال، والغاية منه إقصاء أي انتقاد موجه لإسرائيل وخنق أي تضامن مع الفلسطينيين.
في عام 2020 وبخ أحد أعضاء البرلمان عن حزب العمال، واسمه ستيفن كينوك؛ لأنه انتقد إسرائيل بسبب المستوطنات غير القانونية. وكان كينوك في أثناء تنحيه من منصبه كرئيس للمجموعة البرلمانية من كل الأحزاب حول فلسطين، قد دعا إلى فرض حظر على البضائع الواردة من المستوطنات، مشيرا إلى أن: "التكسب من هذه المنتجات، يكاد يكون تكسبا من عوائد الجريمة".
يقال بأن ستارمر اشتط غضبا بسبب تلك الكلمة وقام بتوبيخ كينوك. إلا أن عضو البرلمان كان يعبر عن رأي ينسجم تماما مع القانون الدولي، ومن المفروض أنه يمثل الإجماع المتحقق منذ عقود داخل المجتمع الدولي.
تعتبر المستوطنات الإسرائيلية جريمة حرب لأنها تتطلب النقل القسري لسكان القوة المحتلة إلى المناطق الفلسطينية. في سبيل دعم هذه المستوطنات، كان لا بد لإسرائيل أن تسرق الأرض والموارد الفلسطينية، وأن تقيم نظام فصل عنصري بين المجموعتين السكانيتين، وأن تستخدم العنف لسحق المقاومة. بضائع المستوطنات يتم الإبقاء على استمرارها بفضل عوائد تلك الجرائم.
كان كينوك محقا تماما فيما صرح به، فحتى الاتحاد الأوروبي المؤيد لإسرائيل، ورغم ما يعتريه من انقسامات، وبتأييد من محكمة العدل الأوروبية، وافق على أنه يجب أن تحمل منتجات المستوطنات علامة تدل على منشئها؛ حتى يتمكن المتسوقون من تجنبها.
وفي العام التالي أعاد ستارمر الكرة، معلناً هذه المرة أن معارضة الصهيونية، وهي الأيديولوجية الرسمية لإسرائيل، شكل من أشكال معاداة السامية. وتبنى موقفا سياسيا لا يعقل، وهو الموقف الذي يعني فعليا إلصاق هذه التهمة بأكبر منظمات حقوق الإنسان في الغرب، مثل هيومان رايتس واتش والعفو الدولية، بالإضافة إلى جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية، بما في ذلك منظمة بيتسيليم. فهم جميعا صنفوا إسرائيل على أنها دولة فصل عنصري، وهو الموقف الذي يؤيده كل فلسطيني معاد للصهيونية، وجميع من يتضامنون مع نضال الفلسطينيين ومع حقهم في الدولة وفي العيش بكرامة.
لا مكتب ستارمر ولا كيم جونسون ردوا على طلب تقدم به موقع ميدل إيست آي للتعليق على ما ورد في هذا المقال إلى أن تم نشره.
غض الطرف
النائب مارغريت هودج، عضو البرلمان عن حزب العمال وأحد الأعضاء الأشد ضراوة ضمن مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال، أضافت صوتها إلى الجدل الدائر هذا الأسبوع، إذ وصفت تصريحات جونسون بأنها "إهانة" لإرث السيدة لويز إلمان، التي كانت سلفا لكيم جونسون كعضو برلماني عن دائرة ليفربول ريفرسايد. وكانت إلمان قد تنحت عن منصبها في عام 2019 وقالت حينذاك؛ إنها إنما تفعل ذلك احتجاجا على تعامل الحزب مع مزاعم معاداة السامية، تحت قيادة سلف ستارمر زعيم العمال السابق جريمي كوربين.
ولكن ما كان ينبغي أن يكون "مهينا" لهودج أو إلمان أو أي عضو آخر في مجموعة أصدقاء إسرائيل داخل حزب العمال، أن يشير عضو برلمان عمالي إلى حقيقة بسيطة، ألا وهي أن حزبا فاشيا يتربع في القلب من الحكومة الإسرائيلية الجديدة. بدلا من ذلك، ولو كانوا فعلا يهمهم أمر إسرائيل، كان ينبغي عليهم أن يغضبوا من وجود الفاشيين في السلطة. كان يجدر بهم أن يكونوا في طليعة من يرفعون أصواتهم احتجاجا على سقوط إسرائيل في الفاشية.
ولكننا هنا نصل إلى المعضلة، وذلك أن تطرف إسرائيل المستمر بلا توقف، إنما حصل بالضبط لأنها لا تواجه معارضة تذكر من قبل الغرب، فالمدافعون عن إسرائيل والمعتذرون عنها يهيمنون على اليسار وعلى اليمين في العواصم الغربية.
ولطالما مارس "أصدقاؤها" العماليون غض الطرف عما يتعرض له الفلسطينيون من قهر. ومهما ساء الوضع، فإنهم يلتزمون الصمت، بل ويفرضون ذلك الصمت على الآخرين من خلال اتهامهم بأنهم معادون للسامية، أو بأنهم "عديمو الإحساس" فيما لو تجرؤوا، كما فعلت كيم جونسون، على رفع أصواتهم بالنقد.
كان كوربين، سلف ستارمر، يعي تماما ذلك الخطر، فإسرائيل التي لا يمكن توجيه نقد لها لن تتورع عن الاستمرار في إيذاء الفلسطينيين، والتسبب بالمعاناة لهم دون خوف من مساءلة أو محاسبة، وهي إسرائيل نفسها التي تحصل على السلاح من بريطانيا دونما رقابة تذكر. كان من نتائج الحملة التي شنت بلا هوادة على كوربين، لشيطنته واتهامه بمعاداة السامية وفي النهاية الانقلاب عليه، أن مهدت السبيل أمام ما يقوم به ستارمر حالياًمن استهداف لأعضاء الحزب، بما في ذلك اليهود منهم، ممن باتوا يخشون من عواقب المسار الذي تتخذه إسرائيل حاليا.
لن تتخلى إسرائيل عن الفصل العنصري ولا عن الفاشية، طالما أنه لا يوجد ثمن سياسي أو دبلوماسي أو مالي تتكبده، بسبب قهرها للفلسطينيين وممارسة التطهير العرقي بحقهم، بل ستجدها بكل بساطة تزيد من هرولتها في نفسك ذلك الاتجاه.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)