حذر
تقرير مشترك صادر عن منظمتي "هيومن رايتس ووتش" و"الديمقراطية الآن للعالم العربي" من أن اتفاق القرض الجديد الذي أبرمه
صندوق النقد الدولي مع
مصر بقيمة ثلاثة مليارات دولار يهدد الحقوق
الاقتصادية للملايين من الفقراء.
وقال التقرير إنه على الرغم من الجهود المحسّنة في الاتفاق من أجل معالجة المشاكل الهيكلية المتجذّرة، مثل انعدام الشفافية بشأن دور الجيش في الاقتصاد وكذلك الحماية الاجتماعية غير الكافية، فإن ثمة بنود أخرى تخاطر بالإضرار بالحقوق، مثل التقشف وبيع أصول الدولة.
وقالت سارة سعدون، وهي باحثة أولى في الفقر وعدم المساواة في "هيومن رايتس ووتش": "يواجه المصريون أزمة غلاء جعلت الملايين يكافحون للحصول على الغذاء وباقي حقوقهم الاقتصادية. رغم أن توسيع برنامج المساعدات عبر التحويلات النقدية في إطار برنامج صندوق النقد الدولي الجديد خطوة إيجابية، لكنها غير كافية لحماية الناس من التكاليف المتصاعدة التي يفاقمها البرنامج".
سيوفر اتفاق القرض لمصر قرابة الثلاثة مليارات دولار على مدى 46 شهرا لمساعدة الحكومة في الوفاء بميزانيتها وميزان مدفوعاتها وسط التدهور المتسارع للأوضاع الاقتصادية. وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد على القرض في كانون الأول/ ديسمبر 2022، لكنه نُشر علنا في كانون الثاني/ يناير 2023، ويُتوقع أن يُحفِّز تقديم 14 مليار دولار أخرى من التمويل الأجنبي.
وعلى مدار العام الماضي، أدى الارتفاع الحاد في التضخم وأسعار المواد الغذائية والسلع إلى إضعاف قدرة ملايين المصريين على الوصول إلى حقوقهم الاقتصادية. مصر هي إحدى أكبر مستوردي القمح في العالم، وقد تسبب الاضطراب في هذه الأسواق في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في ضعضعة اقتصاد البلاد المتهالك، والذي لم يتعافَ بعد من آثار وباء كورونا، بحسب تقرير المنظمتين.
اظهار أخبار متعلقة
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلن البنك المركزي المصري عن الانتقال إلى سعر صرف مرن، وهو الركيزة الأساسية في برنامج صندوق النقد الدولي، ما تسبب في انخفاض إضافي في قيمة الجنيه بنسبة 23 بالمئة ليصل إجمالي الانخفاض منذ شباط/ فبراير 2022 إلى حوالي 50 بالمئة.
فاقم ذلك زيادة تكلفة استيراد المواد الغذائية، ما عرّض الأمن الغذائي للخطر. بحلول تشرين الأول/ أكتوبر، وكانت أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت 37 بالمئة عن العام المنصرم، وما زالت ترتفع.
في 2020، وهو آخر عام تتوفر عنه بيانات، أفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن واحدا من كل ثلاثة مصريين، أي حوالي 30 مليون شخص، هم تحت خط الفقر الوطني. ارتفع هذا الرقم على الأرجح جرّاء الوباء والأزمة الاقتصادية التي تلته، لا سيما أن البنك الدولي يعتبر أن قرابة الثلث عرضة للفقر.
وأشاد التقرير بمعيار هيكلي في اتفاق القرض الجديد، داعيا إلى إكماله، وهو أن تتحق تلك التوسعة في البرنامجين بحلول نهاية كانون الثاني 2023، ويتطلب هذا الشرط تصديقا من مجلس إدارة صندوق النقد في حالة عدم تحقيقه.
يتضمن البرنامج أيضا هدفا لزيادة الحد الأدنى للإنفاق الاجتماعي، والمحدد بميزانيتَي وزارتَي الصحة والتضامن الاجتماعي، ليصبح 153 مليار جنيه (5.1 مليار دولار أمريكي في 24 كانون الثاني/ يناير 2023) مقارنةً بـ115 مليارا (7.3 مليار دولار في 1 شباط/ فبراير 2022) في العام السابق. إلا أن هذه الزيادة الظاهرة تم محو مكاسبها بسبب انخفاض قيمة العملة، ما يجعلها غير كافية لحماية الحقوق الاقتصادية للأفراد من التأثير المشترك لإصلاحات البرنامج، وارتفاع التضخم، وخط الأساس المنخفض للإنفاق الاجتماعي في مصر.
قالت سعدون: "يبدو الحد الأدنى للإنفاق الاجتماعي المتزايد في قرض صندوق النقد الدولي الجديد رائعا على الورق، لكن هذه الزيادة في الحقيقة ما هي إلا سراب، إذ فرّغها من محتواها انخفاض قيمة العملة المصرية. كان ينبغي لصندوق النقد ومصر تعديل الحد الأدنى للإنفاق لضمان أن يكون كافيا لحماية حقوق الناس".
على سبيل المثال، يتضمن البرنامج معيارا هيكليا لتقليل دعم الوقود بعد الزيادة الأخيرة لمساعدة الناس على التكيف مع ارتفاع الأسعار. كما تعهدت الحكومة بتحري أي مكاسب إضافية في الكفاءة في دعم المواد الغذائية، والتي يعتمد عليها أكثر من 70 مليون مصري، كما في الخبز المدعوم حكوميا. يُتوَقع ازدياد الإنفاق على دعم المواد الغذائية في اتفاقية القرض بالقيمة الاسمية، ولكنه سينخفض من 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 1%، ما يشير إلى إصلاحات محتملة.
وقد يؤدي تركيز البرنامج الشديد على بيع الأصول الحكومية إلى خطر
الفساد الذي يصب في مصلحة البلدان ذات السجلات الحقوقية التعسفية. ويُتوقع، بحسب التقرير، أن تجمع مصر من بيع أصول مملوكة للدولة قرابة 8 مليارات دولار، معظمها من دول الخليج. في تموز/ يوليو الماضي، اشترت السعودية حصص الأقلية في أربع شركات مقابل 1.3 مليار دولار. ثمة تاريخ طويل من استخدام عمليات البيع مثل هذه لإثراء النخبة السياسية في دول منها مصر نفسها، بحسب التقرير.
اظهار أخبار متعلقة
في حين يتضمن اتفاق القرض بعض الخطوات المهمة للحد من مخاطر الفساد، مثل إيداع عائدات هذه المبيعات في حساب مخصص في البنك المركزي المصري، فإن الصندوق له قدرة محدودة على ضمان دقة التقييمات.
كما أن لدول الخليج ذات السجل الحافل بالانتهاكات الحقوقية تاريخ في استخدام الدعم المالي للضغط على الدول لدعم أهدافها السياسية الإقليمية، بما فيها قمع الجماعات المستقلة، مثل "الإخوان المسلمين"، أو دعم العمليات العسكرية للتحالف بقيادة السعودية والإمارات في اليمن.
قال جون هوفمان، مدير الأبحاث في منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي: "يشكل الدور الواسع وغير الخاضع للمساءلة للجيش المصري في الاقتصاد مخاطر حقوقية جسيمة، ومن الجيد أن صندوق النقد الدولي أخيرا يسلط الضوء على ذلك. لكن بيع أصول الدولة على نطاق واسع بدون تنظيم فعال ورقابة شفافة يهدد بإفادة الدول التي لديها سجل من الانتهاكات الحقوقية".