في مستهل جلسة مجلس النواب الاثنين الماضي، فاجأ رئيس المجلس، عقيلة
صالح، كثيرين من بينهم شريكه في التفاهمات الأخيرة، رئيس المجلس الأعلى للدولة،
خالد المشري، وأنصاره من المراهنين على تحقيق تقدم على المسار السياسي عبر توافق
بين النواب والأعلى للدولة، فاجأهم بنقض ما اتفقا عليه.
عقيلة صالح وكأنه لم يلتق بخالد المشري مرات ولما يقف على مقربة منه
في المؤتمر الصحفي في القاهرة منذ أسبوعين، وكأنه لم يعلن عن اتفاق بينه وبين
المشري حول خارطة طريق تتضمن أجلا للانتخابات ومسارا إجرائيا لتنفيذها.
لم يكتف عقيلة صالح بنسف تفاهماته مع المشري، بل إنه صرح بأن لا مكان
له ولا للمجلس الذي يترأسه في الترتيب للانتخابات، وأن الأعلى للدولة مجرد جسم
استشاري وأن المسؤولية تقع على مجلس النواب ليقوم بمهمة الإعداد للانتخابات منفردا.
لم يكن تراجع عقيلة صالح عن تعهداته الأخيرة الأول من نوعه، غير أن
تطورا قد وقع جعله ينقلب على التوافق الذي مضى فيه بثقة، وتحدث عنه بيقين، والظاهر
أن التغير في نهج الولايات المتحدة في التعاطي مع الأزمة الليبية كان وراء تغيير
رئيس مجلس النواب لموقفه.
لغة الجسد والتوتر الذي بدا على عقيلة صالح وهو يخاطب النواب،
وثنائية تحمل مجلس النواب مسؤوليته في إنجاز استحقاقات الانتخابات قبل نهاية شهر آذار
(مارس) أو وقوع كارثة وفرض أجندة خارجية على الليبيين، هذه الحالة وتلك الثنائية
التي تحدث عنها عقيلة صالح قد تكون انعكاسا للضغوط التي واجهها بعد لقائه المسؤولين
الأمريكان، وعلى رأسهم مدير وكالة المخابرات الأمريكية، ويليام بيرنز.
غير أن الأصوب هو تعجيل التوافق مع المجلس الأعلى للدولة وليس
التراجع عن التفاهمات بينه وبين المشري.. كلام عقيلة صالح يحتمل أحد أمرين، الأول
أن الأمريكان والمصريين أوصلوا له معلومة بأن هناك خارطة طريق تبنتها واشنطن
وحلفاؤها تتجاوز المجلسين، لهذا فهو يريد أن يسبق هذا السيناريو بمقاربة يتوافق
عليها مجلس النواب بعمومه تقطع الطريق على الأجندة الخارجية، أو أنه كلف بإنجاز
قاعدة دستورية وقوانين لا خلاف حولها ليتم تمريرها من قبل المجلس الأعلى للدولة.
لم يكن تراجع عقيلة صالح عن تعهداته الأخيرة الأول من نوعه، غير أن تطورا قد وقع جعله ينقلب على التوافق الذي مضى فيه بثقة، وتحدث عنه بيقين، والظاهر أن التغير في نهج الولايات المتحدة في التعاطي مع الأزمة الليبية كان وراء تغيير رئيس مجلس النواب لموقفه.
على الضفة الأخرى، فاجأ رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري،
أنصاره ومخالفيه، بظهوره جنبا إلى جنب مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد
ادبيبة، والابتسامة على وجهه، وهو الذي كان منذ أيام قليلة يكيل له التهم ويتحداه
لمناظرته على الهواء.
ويستطيع المتابع البسيط للشأن الليبي أن يدرك أن لقاء المشري مع
ادبيبة هو ردة فعل على تصريحات عقيلة صالح، فهو من جهة يقول له إن اتفاقنا على
تغيير الحكومة صار من الماضي وها أنا بجوار ادبيبة نرمم العلاقة التي أفسدتها
تفاهماتنا، ومن جهة ثانية يخبره أن الجبهة الغربية يمكن أن تعود إلى سابق تماسكها
في مواجهة أي استفراد برسم ملامح المشهد القادم من قبل مجلس النواب.
هذا ما يمكن تكهنه حول تراجع المشري عن موقفه من ادبيبة، وما أدري هل
يسعفه ذلك في إصلاح ما أفسده التراشق والمناكفة وما اعتبره جمع ضمن الجبهة الغربية
تغليبا للمصالح الشخصية على المصلحة العامة في تقارب المشري مع عقيلة صالح، غير أن
ما يمكن الجزم به أن المشري لم يُطلِّق التفاهم مع عقيلة صالح ثلاثا، وأن ما يمكن
أن يذهب إليه من ردود فعل على تصريحات عقيلة إنما لإرسال الرسائل السياسية ومواجهة
التكتيك بتكتيك مماثل.
ولا ننسى دور تركيا في مساعي ترميم تصدعات الجبهة الغربية، ودلالة
ظهور رئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، في الصورة بجوار المشري وادبيبة واضحة،
والغاية ربما مواجهة القادم من الشرق حيث القاهرة وطبرق والرجمة، والشمال حيث
واشنطن، والذي قد لا يصادم المصالح التركية في المد القصير، إلا إنه سيكون على
حسابها في المدى المتوسط والطويل.