صحافة دولية

إيكونوميست: سياسة تركيا الخارجية الجديدة تتسم بالمواجهة

تحتفظ تركيا بعلاقات جيدة مع الفرقاء في المجتمع الدولي - جيتي
تحتفظ تركيا بعلاقات جيدة مع الفرقاء في المجتمع الدولي - جيتي
نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا قالت فيه؛ إن زعيما تركيا ‏كتب ذات مرة في صحيفة أمريكية: "ستسعى تركيا جاهدة ‏من أجل السلام والاستقرار الدائم في المنطقة إلى جانب ‏الولايات المتحدة، شريكها الاستراتيجي وحليفها لأكثر من ‏نصف قرن.. نحن مصممون على الحفاظ على تعاوننا الوثيق ‏مع الولايات المتحدة"، هذه الكلمات تبدو من حقبة أخرى. ‏لكنها ليست كذلك. ‏

في عام 2003، رفض البرلمان التركي طلبا أمريكيا ‏لاستخدام البلاد كنقطة انطلاق لغزوها للعراق، وكان كاتب الكلمات ‏هو رئيس الوزراء الجديد آنذاك، رجب طيب أردوغان، حيث كان  ‏حريصا على طمأنة حليفه في الناتو، بحسب التقرير.

ويتابع بأن "نغمة الرئيس التركي مختلفة تماما عندما يتحدث عن ‏أمريكا والغرب اليوم. ويتهم أردوغان أمريكا بدعم الإرهاب ‏من خلال تسليح حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا ‏العدو اللدود لها. ويشك بعض رفاقه في أن أمريكا لها يد في ‏محاولة الانقلاب عام 2016. ووجهت اتهامات مماثلة إلى ‏الاتحاد الأوروبي، الذي يقول أردوغان؛ إنه لم يكن أبدا ‏صادقا بشأن تطلعات عضوية تركيا، وأصبح ملاذا للإرهابيين ‏وهو يحسد تقدم تركيا".‏

وبحسب التقرير، يتهم خبراء السياسة والدبلوماسيون تركيا بالتخلي عن ‏الغرب. بينما يزعم المسؤولون الأتراك أنهم هم من تم ‏التخلي عنهم.

لم تعد تركيا ترى نفسها على أطراف أوروبا، ‏أو كجزء من منطقة نفوذ واحدة، ولكن كدولة لها مركز ثقل ‏خاص بها. تمنحها عضوية الناتو أفضل بوليصة تأمين. ولا ‏يستطيع الناتو أن يخسر تركيا أيضا. ولكنْ، هناك شعور في ‏أنقرة بأن "تركيا الجديدة" قوية بما يكفي لتجاهل أو اختبار ‏مثل هذه التحالفات القديمة، وأحيانا إلى نقطة الانهيار، ‏وتشكيل تحالفات جديدة والتصرف بشكل مستقل.

يقول ‏إبراهيم قالن، المستشار رئاسي: "تحاول تركيا إدارة سياسة ‏خارجية بزاوية 360 درجة.. ولا نريد تفضيل أي قضية أو ‏جهة فاعلة أو منطقة أو بلد معين على الآخرين".‏

بل إن أردوغان أكثر تشددا فيما يتعلق بالأمن القومي. حيث قال ‏في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي: "لسنا بحاجة إلى طلب الإذن من ‏أحد"، محذرا من عملية عسكرية جديدة في سوريا، وتابع: "ولن نخضع ‏للمساءلة من أي شخص".

إظهار أخبار متعلقة



أصبحت السياسة الخارجية في ‏تركيا، التي كانت ذات يوم من اختصاص الجنرالات ‏والدبلوماسيين المحترفين، قضية داخلية وجزءا من سياسات ‏الهوية. إن تقريع الغرب أمر جيد مع الناخبين المتدينين ‏والقوميين وحتى العديد من اليساريين. وكذلك فكرة أن ‏مصير تركيا أن تكون قوة عالمية. انظر إلى التقدم الذي ‏حققته تركيا في أفريقيا وآسيا الوسطى على مدار العقد ‏الماضي، وشعبية المسلسلات التلفزيونية، ونجاح الخطوط ‏الجوية التركية، وعدد الدول التي تصطف لشراء مسيّرات ‏تركية، وقد تعتقد أنها قوة عالمية بالفعل.‏

يحتفل كثيرون في الدائرة المقربة من  أردوغان بفكرة أن ‏الغرب في حالة انحطاط، وأن نظاما دوليا جديدا يتشكل. لقد ‏أصبح هذا الاقتناع أحد أعمدة السياسة الخارجية الجديدة ‏لتركيا، كما يقول غالب دالاي، من مؤسسة تشاتام هاوس، ومن الأمثلة على ذلك العلاقة ‏الرومانسية المستمرة بين تركيا وروسيا.

إن سعي تركيا ‏الحديثة لإقامة علاقات جيدة مع روسيا ليس بالأمر الجديد. ‏تواصل أتاتورك مع البلاشفة لمساعدته في حربه ضد ‏اليونان. أعطوه أسلحة ومالا ومستشارين عسكريين. حتى ‏خلال الحرب الباردة، تعاونت الحكومات في أنقرة مع ‏الاتحاد السوفيتي. بنى المهندسون الروس بعضا من أكبر ‏المصانع في تركيا. لكن العلاقة تحت‎ ‎حزب العدالة والتنمية‎ ‎أقوى من أي وقت مضى منذ تأسيس الجمهورية.‏

تعتمد تركيا على روسيا في عائدات السياحة بمليارات ‏الدولارات، وأكثر من 40% من وارداتها من الغاز. القوتان ‏الإقليميتان لهما صراع في القوقاز وليبيا. لكن بالنسبة لتركيا، ‏فإن العلاقات مع روسيا هي الأكثر أهمية في سوريا. لم تكن ‏المناطق العازلة التي أنشأتها تركيا في شمال سوريا ممكنة ‏بدون موافقة روسية. على الرغم من ضعف روسيا بسبب ‏حربها في أوكرانيا، لا يزال بإمكانها إحداث فوضى لتركيا ‏في سوريا. وقد يؤدي هجوم النظام على إدلب، بدعم من ‏موسكو، إلى إرسال مئات الآلاف من اللاجئين الجدد إلى ‏حدود تركيا.‏

ثبت أن الآمال في أن تدفع الحرب في أوكرانيا تركيا إلى ‏النأي بنفسها عن روسيا كانت في غير محلها. لقد نجت ‏العلاقة من اختبارات أكبر؛ أحدها كان اغتيال السفير ‏الروسي في تركيا عام 2016، الذي وصفه البلدان بأنه ‏استفزاز. جاء آخر في أوائل عام 2020، عندما قتلت غارة ‏جوية روسية في إدلب 34 جنديا تركيا. ردت تركيا، ولكن ‏فقط ضد القوات السورية، ولم تلم روسيا أبدا.

إظهار أخبار متعلقة



يقول ديميتار ‏بيتشيف، الباحث الزائر في مؤسسة كارنيغي أوروبا: "تعتبر ‏سوريا أكثر أهمية بالنسبة للأمن التركي.. بمجرد أن دخلت ‏روسيا نفسها هناك، كانت المخاطر بالنسبة لتركيا أعلى ‏بكثير من أي شيء يحدث في أوكرانيا".‏

يقول مسؤولون في أنقرة؛ إن العلاقات الجيدة مع روسيا تسمح ‏لتركيا بدور الوسيط في أوكرانيا. لقد قام أردوغان بعمل جيد ‏في حمل روسيا على تخفيف حصارها البحري لأوكرانيا، ‏مما سمح باستئناف صادرات الحبوب عن طريق البحر ‏والتفاوض بشأن تبادل الأسرى. لكن الوساطة قدمت لتركيا ‏غطاء للمعاملات التجارية ولرفضها الانصياع للعقوبات ‏الغربية.

وفي أوكرانيا، ينسب  أردوغان الفضل إلى نفسه في ‏المسيرات التركية التي ساعدت في إنقاذ كييف، وإغلاق ‏الوصول إلى البحر الأسود للسفن الحربية الروسية. في ‏بروكسل وواشنطن يتوقع الثناء على جهوده. ومع ذلك، فإنه ‏في موسكو يجني ثمار التصرف كصديق لفلاديمير بوتين، ‏وفي الداخل ينسب الفضل إلى تجارة تركيا المزدهرة مع ‏روسيا. بلغت الصادرات إلى روسيا 7.6 مليار دولار العام ‏الماضي، بزيادة 45% عن عام 2021.‏

توصل الزعماء الغربيون إلى قبول رفض تركيا الانحياز ‏إلى أي طرف بشأن أوكرانيا. مصدر قلق أوسع هو أن ‏نظرتها لروسيا لم تتغير على ما يبدو في أثناء الحرب. بالنسبة ‏للكثيرين في أوروبا، كان الغزو بمنزلة جرس إنذار، ليس في ‏تركيا. يقول قالن: "نحن لا ننظر إلى روسيا على أنها ‏تهديد.. حقيقة أننا أعضاء في الناتو، وأننا جزء من التحالف ‏الغربي، لا تمنعنا من إقامة علاقة جيدة."، ربما باستثناء ‏فيكتور أوربان من المجر، لا يتفق مع ذلك أي شخص آخر ‏في الناتو.‏

إظهار أخبار متعلقة



تركيا مهمة لحلف شمال الأطلسي. انضم الجنود الأتراك إلى ‏مهام في أفغانستان ودول البلطيق والبوسنة وكوسوفو ‏ومقدونيا. في عام 1950، قبل عامين من انضمامها إلى ‏التحالف، أرسلت تركيا 15 ألف جندي للقتال إلى جانب ‏الجنود الأمريكيين في كوريا.

لكن البلد غالبا ما يكون الآن ‏معطلا. إنه يهدد بمنع انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو. يريد ‏أردوغان الضغط على كلا البلدين لترحيل المشتبه بهم من ‏حزب العمال الكردستاني وأعضاء منظمة غولن. قد تأمل تركيا ‏أيضا في أن يؤدي تهديدها باستخدام حق النقض إلى انتزاع ‏تنازلات من الكونغرس الأمريكي، الذي هدد أعضاؤه بمنع ‏بيع طائرات مقاتلة جديدة من طرازF-16‎‏.‏‎ ‎منعت أمريكا ‏تركيا من شراء قاذفات الشبح F-35، بعد أن مضى ‏أردوغان في شراء نظام الدفاع الجوي S-400 من روسيا.‏

كما تهدد تركيا بمهاجمة زميل لها في الناتو. اجتذب الخلاف ‏حول الحقوق البحرية مع اليونان سياسيين وجنرالات، وهو ‏أكثر ملاءمة للمحامين والبيروقراطيين. حذر أردوغان في ‏تشرين الأول/ أكتوبر الماضي قائلا: "قد نأتي فجأة ذات ‏ليلة"، مشيرا إلى عملية تركية ضد إحدى الجزر اليونانية ‏التي تعانق الساحل الجنوبي والغربي لتركيا. بل إنه ألمح إلى ‏أن تركيا قادرة على ضرب أثينا بصواريخ باليستية.‏

من الحرب في أوكرانيا إلى تلك الموجودة في سوريا ‏وناغورنو كاراباخ، إلى العلاقات مع الصين، إلى العقوبات ‏ضد إيران، إلى حريات الصحافة وحقوق الإنسان والإرهاب، ‏قائمة القضايا التي لم تعد تركيا وحلفاؤها الغربيون يتفقون ‏عليها طويلة.
الروابط المؤسسية، بما في ذلك العضوية في ‏الناتو ومجلس أوروبا، والاتحاد الجمركي مع الاتحاد ‏الأوروبي، لا تزال سليمة. لكن في السياسات، هناك فصل ‏جار. في عام 2008، انحازت تركيا إلى 88% من ‏قرارات وإعلانات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. ‏بحلول عام 2016، انخفضت هذه الحصة بمقدار النصف ‏لتصل إلى 44%. في العام الماضي كانت 7% فقط.‏

لم تتوصل أمريكا ولا الاتحاد الأوروبي إلى استراتيجية ‏مقنعة لمشاركتهما مع تركيا. تحت قيادة جو بايدن، اتبعت ‏أمريكا نهجا خاصا، ولم تتدخل إلا عندما تخاطر تركيا ‏واليونان بالتعرض لضربات، أو عندما يستعد أردوغان لشن ‏هجوم جديد في سوريا. كان بايدن فاترا تجاه زعيم تركيا، ‏ويبدو أنه ينتظر حتى الانتخابات الصيفية لتحديد أفضل ‏السبل للتعامل معه أو مع خليفته. يقول سونر كاغابتاي، من ‏معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "وجهة نظر البيت ‏الأبيض هي أنه عندما تتعامل مع أردوغان، ينتهي بك الأمر ‏بالدراما".‏

كانت علاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا في طي النسيان ‏لعدة سنوات. كانت محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد ‏الأوروبي تحتضر على الأغلب بمجرد أن بدأت في عام ‏‏2005. ويبدو أن القادة الألمان والفرنسيين، الذين كانوا في ‏يوم من الأيام فاترين لفكرة العضوية التركية، أصبحوا الآن ‏معادين لها بشكل علني. وزاد قرار الاتحاد الأوروبي ‏الاعتراف بتقسيم قبرص في عام 2004 وانهيار محادثات ‏السلام بين الحكومة القبرصية اليونانية المعترف بها دوليا ‏في الجنوب والشمال الذي تحتله تركيا، الأمور سوءا.  ‏أردوغان، الذي كان يوما ما يدعم توحيد الجزيرة، يفضل ‏الآن التقسيم. ويخشى كثير من القبارصة أن ينتهي الأمر ‏بتركيا بضم الشمال.‏

توقفت المحادثات بشأن إصلاح الاتحاد الجمركي مع الاتحاد ‏الأوروبي. تركز العلاقة بدلا من ذلك على صفقة ‏دفع الاتحاد الأوروبي بموجبها لتركيا 6 مليارات دولار ‏لإبقاء اللاجئين والمهاجرين على جانبها من بحر إيجه. ويبقي ‏الاتحاد الأوروبي وتركيا محادثات العضوية على أجهزة ‏الإنعاش في أحسن الأحوال. وقال دبلوماسي أوروبي بيأس؛ إن ‏العلاقة تحتاج إلى مسار بديل: "ليس لدينا رؤية استراتيجية ‏تجاه تركيا".‏

الزواج بين تركيا والغرب غير سعيد بشكل متزايد، لكنه ‏سيستمر بالتأكيد. قد يكون لدى أبطال التمحور نحو الشرق ‏‏"لتركيا الجديدة" هدف في بالهم، ولكن أيضا لا توجد وسيلة ‏للوصول إليه.

تتضاءل روابط التجارة والأعمال بين تركيا ‏والصين وروسيا مقارنة بتلك مع أوروبا. الاتحاد الأوروبي ‏هو الشريك التجاري الرئيسي لتركيا ومصدر الاستثمار ‏الأجنبي، تماما كما أن أمريكا هي أكبر مورد للأسلحة ‏لتركيا. قد تكون منظمة شنغهاي للتعاون، وهي مجموعة ‏فضفاضة من الدول الآسيوية برئاسة الصين والهند وروسيا، التي يخطط أردوغان للانضمام إليها، مكانا رائعا للالتقاء ‏مع بوتين ومناقشة الانحدار الغربي، لكنها بديل ضعيف ‏لتحسين العلاقات مع الغرب.‏
التعليقات (0)