تعود
محافظة
حضرموت، شرق
اليمن، إلى تصدر واجهة الأحداث هذه الأيام، بعد استنفار الانفصاليين
الجنوبيين المدعومين من الإمارات قواتهم للتمدد نحو هذه المحافظة، في ظل تحشيد قبلي
محلي رافض لذلك.
وكانت
مكونات سياسية وقبلية في وادي حضرموت، أهمها "مرجعية قبائل حضرموت"، قد أعلنت
في وقت سابق من الشهر الحالي، رفضها أي تمدد من قوات المجلس
الانتقالي الجنوبي المدعوم
من أبوظبي نحو أراضيهم.
ولوحت
المرجعية، التي تعد أكبر تجمع قبلي واجتماعي في منطقة وادي وصحراء حضرموت، بمواجهة
هذه الأخطار المحدقة بحضرموت، والوقوف ضد مشاريع الفوضى والخراب وحيدة وبإمكانياتها
الذاتية.
وطالبت
مجلس القيادة الرئاسي والسلطة المحلية ممثلة بمحافظ المحافظة رئيس اللجنة الأمنية,
ووكيل المحافظة لشؤون مديريات الوادي والصحراء, بمنع وصول تلك القوات (التابعة للانتقالي)
إلى أراضيها.
وتطرح
التحركات العسكرية للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، نحو وادي حضرموت، أسئلة عدة،
حول مصيرها ومآلاتها.
"تطبيق
الخطة ب"
وفي
السياق، يقول الناشط والمحلل السياسي اليمني، عمر بن هلابي إن الانتقالي بدأ في التصعيد
بشكل كبير نحو وداي حضرموت ضمن ما يمكن تسميته الخطة "أ"، التي تتضمن التحشيد
العسكري لاقتحام منطقة الوادي.
وأضاف
بن هلابي في حديث لـ"عربي21" أن هذا الموقف تبناه رسميا رئيس المجلس الانتقالي
عيدروس الزبيدي من مقر إقامته في أبوظبي، وكان سيظهر للعلن من خلال مقابلة عبر قناة
أبوظبي الإماراتية، قبل أن يتم إيقاف بث المقابلة بضغوط من السعودية.
وحسب
المحلل السياسي الحضرمي، فإن المقابلة تلك كان فيها إعلان تمرد وانقلاب من قبل الزبيدي
على الشرعية والتحالف (بقيادة السعودية) بالتوجيه لقواته لاقتحام وادي حضرموت.
وأمام
هذه التحرك من قبل الانتقالي، يشير بن هلابي إلى أن أبناء حضرموت بمختلف مكوناتهم،
اندفعوا وأعلنوا بشكل صريح رفضهم "أي مساس بأمن حضرموت، أو أي ملشنة خارج نطاق
الدولة الشرعية ممثلة بمجلس الرئاسة".
وأكد أن رغبة الانتقالي في التمدد نحو وادي حضرموت
واضحة، وتبدت من خلال إعلان حسن الجابري، العام الماضي 2022، أحد القيادات الموالية
للمجلس، البدء بتجنيد نحو 25 ألف عنصر لتحرير الوادي، بدعم من الانتقالي، وتقف خلف
ذلك الإمارات.
لكن،
تم منع الجابري من هذا الأمر، من قبل قبائل حضرموت، وبضغوط مقابلة من السعودية، إذ إن الشباب الذين تم تجنيدهم، تم تسريحهم بعد أسبوع من تلك الدعوة، وبالتالي، إفشال
مخطط الانتقالي وقتئذ.
ووفقا
للناشط والمحلل السياسي اليمني، فإن الموقف الحضرمي الرافض لأي تمدد نحو أراضيهم، أشهر
خطوطا حمراء أمام هذه المخططات، وسط توافق سعودي عماني على تحييد حضرموت والمهرة من
أي تدخل أي قوى من خارج المحافظتين.
وأوضح
المتحدث ذاته أن "السعودية لا تريد أن تكرر ما حدث في محافظة شبوة، بعد تعرضها
لخديعة ولعبة قذرة من قبل المجلس الانتقالي ومن معه، والتي قوضت أمن تلك المحافظة،
وتعيث فيها قواته الفساد".
وعقب
فشل خطة التحشيد العسكري نحو الوادي، يؤكد بن هلابي أن الانتقالي اتجه لتفعيل الخطة
"ب"، والتي تنبهت لها جميع المكونات الحضرمية، بمن فيهم المتفقون مع المجلس،
وفي مقدمتهم، نائب الرئيس ورئيس الوزراء اليمني السابق، خالد بحاح، إلى تلك الخطة التي
تعيد "نقل تجربة 13 يناير الدموية إلى حضرموت"، في إشارة إلى الأحداث الدموية
التي شهدها جنوب اليمن في عام 1986، والتي أسفرت عن مقتل ما يزيد على 15 ألف شخص.
وتتضمن
هذه الخطة -حسب بن هلابي- التي وردت في توجيه
صادر من رئاسة المجلس الانتقالي إلى الخلايا النائمة التابعة له "تنفيذ عمليات
تصفيات بحق مكونات تم ذكرها بالاسم، وكذلك شخصيات معارضة لهم في المحافظة".
وتوقع
المحلل السياسي اليمني أن يواصل الانتقالي تحركاته، وستبقى رغبته قائمة لتفجير حرب
أهلية في اليمن كلها انطلاقا من حضرموت، "لأن مهمة هذا الكيان منذ أن تشكل هو
"إفشال المشروع العربي وتمكين الحوثي من الشمال وبسط سيطرته هو على الجنوب"،
على حد قوله.
وقال
إن على السعودية أن تدرك جيدا أن هذا المخطط القديم الحديث، الذي يعمل عليه الانتقالي
والحوثي ضد المشروع العربي، محذرا من أن خطة الزبيدي "ب" التي تتضمن تنفيذ الاغتيالات
والتفجيرات وإشعال الفوضى في وادي حضرموت قائمة، وسيبدأون في تطبيقها.
"إدخالها
في مربع العنف والفوضى"
أما
الكاتب والباحث السياسي اليمني محمد مصطفى العمراني، فيرى أنه منذ سنوات يتعرض الجيش
الوطني في حضرموت ممثلا بالمنطقة العسكرية الأولى في سيئون (ثاني كبرى مدن المحافظة)
لحملة إعلامية شعواء تقوم بها عشرات المواقع الإعلامية وقنوات فضائية تابعة للانتقالي
لم تترك تهمة إلا وألصقتها بها.
وقال
العمراني في حديثه لـ"عربي21": "إن تلك الحملات هي محاولة بائسة لشيطنة
قيادة المنطقة الأولى وضباطها وجنودها الذين يرابطون في كافة مديريات وادي حضرموت وطرقاتها
ومؤسساتها للعمل على ترسيخ الأمن والاستقرار
فيها".
وتابع
بأن أبناء وادي حضرموت يدركون أن هذه الحملات الإعلامية الممولة من الانتقالي الهدف
منها تشويه المنطقة الأولى واستهدافها، وتسهيل سيطرة الانتقالي على عليها، وفرض مشروع
القرية فيها، ولذلك، رفضوا هذا المشروع.
وأضاف الكاتب اليمني أن المجتمع الحضرمي يرفض أيضا إدخال
حضرموت في مربع الفوضى والتخريب والعنف الذي يسعى الانتقالي لجرها إليه لتمكين عناصره
من السيطرة على منطقة الوادي، ولو على حساب مصالح أبنائها وأمنهم واستقرارهم.
وأشار
الباحث السياسي اليمني إلى أن قوات المنطقة العسكرية الأولى بوادي حضرموت تمثل آخر
حصون الشرعية وآخر المؤسسات العسكرية الموالية لليمن الكبير.
وأردف
قائلا: "هي قوات وطنية ضحت بالآلاف من الشهداء والجرحى على مدى سنوات من أجل فرض
الأمن والاستقرار في كافة مناطق وادي حضرموت وقامت بجهود كبيرة في مطاردة عناصر الإرهاب
والتخريب حتى تمكنت بفضل الله ثم بجهودها الكبيرة وتضحياتها العظيمة وبجهود كافة المخلصين
من أبناء حضرموت من بسط سلطة الدولة وفرض الأمن والاستقرار وإنهاء أي تواجد لعناصر
الإرهاب والتخريب".
واعتبر
العمراني أن المطالبة بإخراج تلك القوات من حضرموت لا تعدو كونها دعوات مشبوهة تقف
خلفها جهات لا تحمل الخير لحضرموت وأبنائها، ولن يستفيد من إخراج قوات المنطقة الأولى
من حضرموت إلا مليشيا القاعدة وفلول الإرهاب وعناصر التخريب والفوضى ودعاة العنف والارتزاق
على حساب مصالح أبناء المناطق التابعة لها وأمنهم واستقرارهم".
ومنذ
سنوات، لم تتوقف دعوات الانفصاليين المدعومين من حكومة أبوظبي ومطالبهم بإخراج قوات
الجيش التابعة للمنطقة العسكرية الأولى التي تنتشر في مديريات وادي وصحراء حضرموت،
وتسليمها لمليشيات مسلحة موالية لهم، على غرار ما حدث في محافظات أخرى.
وتكتسب
منطقة "الوادي والصحراء" الواقعة شمالي محافظة حضرموت، وعاصمتها مدينة سيئون،
أهمية استراتيجية متنوعة؛ فإلى جانب احتوائها على حقول النفط، مثل "حقل مسيلة"،
ظلت طيلة سنوات الحرب الجغرافيا الأمنية والعسكرية والسياسية الوحيدة في البلاد التي
بقيت تتمسك بالرئيس عبد ربه منصور هادي، قبل نقله صلاحياته إلى مجلس رئاسي في أبريل/
نيسان من العام الحالي، وسلطات الدولة المختلفة.
فمدينة
سيئون، اتخذ منها وزير الداخلية، اللواء الركن إبراهيم حيدان، مقرا لوزارته، بعد تعذر
إدارة مهماته من مدينة عدن، جنوبي البلاد، بعد خضوعها لسيطرة القوات التابعة للمجلس
الانتقالي الجنوبي، وتعذر تنفيذ اتفاق الرياض الذي وقع عليه مع الحكومة في تشرين الثاني/
نوفمبر 2019.