قضايا وآراء

المسار الاستراتيجي الروسي للعام 2023

حازم عياد
أوكرانيا تعلن تدمير "جسر استراتيجي" في ميليتوبول  (الأناضول)
أوكرانيا تعلن تدمير "جسر استراتيجي" في ميليتوبول (الأناضول)
انهمرت المئات من القذائف والصواريخ والطائرات المسيرة على العاصمة كييف وسائر المدن الأوكرانية في رأس السنة الميلادية؛ في حين تعرض الجيش الروسي لإبرز خسارة بشرية له منذ بدء الحرب بقصف أوكراني لمركز إيواء للجنود الروس بالقرب من قرية ماكييفكا بصواريخ هيمارس أمريكية الصنع؛ سقط خلالها 89 جندي روسي في حين قدرت كييف عدد القتلى الروس بأكثر من 400 جندي في خسارة تعد الأعلى للجيش الروسي في ضربة واحدة..

القصف المتبادل بين كييف وموسكو أصبح السمة البارزة للحرب خلال الأسابيع القليلة الماضية؛ إذ طال القصف قاعدة أنجلز الاستراتيجية جنوب موسكو ليتجدد معها قصف كييف على نحو لم تشهده العاصمة الأوكرانية منذ بدء الحرب قبل 10 أشهر في الـ 25 من شباط (فبراير) الماضي.

روسيا توجت العام 2023 بالإعلان عن إشراك قاذفاتها الاستراتيجية في الحرب بالتزامن مع إعلان واشنطن شحن منظومة الدفاع الجوي والصاروخي باتريوت إلى كييف؛ لتنضم إلى منظومة هيمارس (صورايخ أرض/ أرض) الأمريكية الصنع التي يتجاوز مداها 300 كم .

العام 2023 سيشهد تصعيدا كبيرا للحرب الأوكرانية وهو ما تؤكده الأرقام المعلنة للمساعدات الأمريكية لأوكرانيا التي ستقارب الـ 70 مليار دولار خلال العام 2023؛ في حين تقارب المساعدات التي خصصها الاتحاد الأوروبي لكييف والتي سيعلن عنها في قمة أوكرانيا والاتحاد الأوروبي في الأسبوع الأول من شباط (فبراير) المقبل بـ  18 مليار دولار .

على الجانب الآخر أعلن وزير الدفاع الروسي خلال اجتماعه بقادة الجيش عن زيادة بموازنة الدفاع تقدر بـ 150% بما يسمح بتنفيذ 99 % من مهام الجيش الروسي للعام 2023؛ ما يعني أن الحرب زودت بوقود يسمح لها بالاستمرار عام آخر.
العام 2023 سيشهد تصعيدا كبيرا للحرب الأوكرانية وهو ما تؤكده الأرقام المعلنة للمساعدات الأمريكية لأوكرانيا التي ستقارب الـ 70 مليار دولار خلال العام 2023؛ في حين تقارب المساعدات التي خصصها الاتحاد الأوروبي لكييف والتي سيعلن عنها في قمة أوكرانيا والاتحاد الأوروبي في الأسبوع الأول من شباط (فبراير) المقبل بـ 18 مليار دولار .

الأرقام وحدها لا تعد كافية لتوضيح مستقبل المواجهة ومسارها للعام 2023 في أوكرانيا؛ فالتحالفات والشراكات لها نصيب في تغذية الصراع للعام 2023؛ إذ اختتم الرئيس الروسي فالديمير بوتين العام 2022 بلقاء عبر الهاتف مع نظيره الصيني (شي جين بينغ)؛ ليعلن الرئيسان نيتهما تطوير العلاقة بين البلدين؛ حيث شدد الرئيس الصيني شي جين بينغ على أن الصين مستعدة لرفع مستوى التفاعل السياسي مع روسيا وأن تكون شريكة دولية في ظل الوضع العالمي الصعب؛ في حين أكد الرئيس الروسي فلاديمير بويتن نمو حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين بنسبة 25% تقريبا في العام 2022، متوقعا أن يصل التبادل التجاري بين البلدين لمستوى 200 مليار دولار.

أرقام بعيدة عن المبالغة بعد أن احتلت روسيا المرتبة الثانية في إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى الصين، والرابعة في إمدادات الغاز الطبيعي المسال وارتفاع صادرتها النفطية 18 % عما كانت عليه للصين  لتبلغ 2 مليون برميل نفط في اليوم أغلبها تنقله ناقلات النفط نحو الموانئ الصينية.

في المقابل عززت أوروبا ممثلة بدول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا تحالفها مع أوكرانيا عبر تشديد العقوبات على روسيا وتقديمها للسلاح لكييف؛ وفتح حدودها للاجئين الأوكران إلى جانب دعم الدول المجاورة لأوكرانيا وعلى رأسها بولندا التي أصبحت إلى جانب استونيا ولاتفيا رأس حربة في المواجهة مع موسكو ولردع شريكتها بيلاروسيا عن الانخراط المباشر في الحرب .

الموازنات والشراكات والتحالفات انتقلت من محيط المعركة الجغرافي الذي شمل جهود ضم السويد وفنلند للناتو نحو الفضاء الدولي الأوسع؛ لتشمل إيران وتركيا والعربية السعودية ومنطقة الخليج العربي برمته إلى جانب كوريا الشمالية والجنوبية واليابان دافعة المشهد المتازم في مضيق تايوان بين الصين وأمريكا إلى الصدارة مجددا؛ عبر زيارة رئيسة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي السابق نانسي بيلوسي إلى تايبيه عاصمة الجزيرة؛ فضلا عن تسخين الأجواء في فضاء كوريا الشمالية التي أطلقت العنان لمناوراتها وتجاربها الباليستية التي عبثت في أجواء اليابان وكوريا الجنوبية؛ لتطلق طوكيو العنان لقوتها الكامنة بإعلان نيتها بنا درع صاروخي خاص بها .

انفتاح العالم على الأزمات التقليدية ومسارعة الدول الإقليمية لتحسين تموضعها لم يقتصر على جنوب شرق آسيا والباسفيك؛ إذ فتح الباب أمام القوي الإقليمية في غرب آسيا لتحديث أدوراها وتحسين تموضعها ؛ فأنقرة تحولت إلى ضامن لاتفاقات الممرات البحرية الآمنة لتصدير الحبوب من أوكرانيا وروسيا إلى العالم؛ كما غذت الحرب طموحاتها للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز؛ وأسهمت في تحسين تموضعها في سوريا والعراق عبر التقارب مع موسكو؛ في المقابل برز سعي إيران لتطوير ترسانتها الصاروخية بإضافة التكنولوجيا الروسية للصواريخ الفرط صوتية إلى ترسانتها؛ وإدخال طائرات سوخوي 35 إلى أسطولها الجوي واستكمال صفقات السلاح الخاصة بها لتصدير الطائرات المسيرة إلى موسكو؛ في حين فتحت الحرب الباب لمزيد من  التعاون بين السعودية وموسكو للتحكم بإنتاج النفط عبر اتفاق (أوبك بلس) وتمكنها من استضافة الرئيس الصيني والتوقيع على عدد من الاتفاقات التي تسمح بتطوير المواني والمطارات السعودية وطرح مشاريع أكثر جدية لبناء المفاعلات النووية؛ أمور ما كان لها أن تتحقق بهذه السرعة والفاعلية بدون الصراع الملتهب في أوكرانيا.


الصراع المندلع في أوكرانيا تغذيه شهية القوى الإقليمية والدولية الصاعدة والراغبة في مساحة أكبر للحركة والمناورة في مقابل القوى الأوروبية وأمريكا المتورطة في الصراع  والراغبة في حسم  نتائجه  بهزيمة الرئيس بوتين ومنظومته حكمة في روسيا على أمل إعادة بناء أوروبا والعلاقة مع روسيا على أسس جديدة ومريحة للقارة العجوز؛ وبما يساعد الولايات المتحدة الأمريكية للتفرغ للعملاق الصيني شرق آسيا.

الحرب باتت قدر روسيا الذي يرسم مسار استراتيجيتها للعام 2023؛ فروسيا لن تتجاوز الحرب الأوكرانية دون خسائر كبيرة اقتصاديا وسياسية واجتماعية؛ وهو ما أكده نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك بعد أن كشف عن نية بلاده خفض إنتاجها من النفط العام الحالي 2023 بمقدار يتراوح بين 5 إلى 7%؛ في حين اعترف وزير المالية الروسي أنطوان سبليانوف بتأثير العقوبات على روسيا خصوصا تحديد أسعار النفط الروسي المنقول بحرا بـ 60 دولار سيرفع عجز الموازنة العامة إلى 2% ما سيضطره لتمويل العجز من صندوق الاحتياط السيادي .

الصراع المندلع في أوكرانيا تغذيه شهية القوى الإقليمية والدولية الصاعدة والراغبة في مساحة أكبر للحركة والمناورة في مقابل القوى الأوروبية وأمريكا المتورطة في الصراع والراغبة في حسم نتائجه بهزيمة الرئيس بوتين ومنظومته حكمة في روسيا على أمل إعادة بناء أوروبا والعلاقة مع روسيا
الاقتصاد الروسي لم يعد قادرا على تجاهل العقوبات وكلف الحرب المرتفعة التي ستضغط على موجودات صندوق الثروة الروسي المقدرة بـ 177 مليار دولار؛ دافعا روسيا نحو مزيد من الانفتاح  على بكين في تدعيم اقتصادها الأمر الذي عبر عنه بزيارة نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيدف إلى بكين للقاء الرئيس الصيني في الأيام الأخيرة من العام الفائت 2022 لضمان تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

روسيا ذاهبة نحو مزيد من الانفتاح على القوى الإقليمية ومزيد من الاعتماد على بكين للحفاظ على اقتصادها وبكين معنية بصمود موسكو في حربها رغم الضغوط والتهديدات الأمريكية إذ سيشهد نيسان / أبريل من  العام الحالي 2023 قمة روسية صينية باتت مؤكدة .

استعدادات موسكو لمواجهة التحدي الاقتصادي تسير بالتوازي مع استعداداتها لمواجهة التحدي العسكري الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية عبر تزويد الجيش الأوكراني بأسلحة متطورة ؛ وهي استعدادات تأمل موسكو على الأرجح أن تجنبها اللجوء إلى خيارات متطرفة في الميدان العسكري كاللجوء إلى القنابل القذرة أو النووية التكتيكية للضغط على خصومها لتجنب هزيمة عسكرية وانهيار اقتصادي يطيح بوحدة أراضيها ونظامها السياسي .

ختاما..  العام 2023 سيشهد مزيدا من الاستنزاف العسكري والاقتصادي لموسكو التي ستواجهه بمزيد من الشراكات والتحالفات الإقليمية الدولية على أمل تجنب الهزيمة أو التورط بمواجهات أوسع؛ مسار لن يفضي للحسم العسكري أو الانهيار الاقتصادي لروسيا ولكنه سيقود لإعادة رسم خريطة التحالفات والشراكات والتوازنات الدولية الاقتصادية السياسية والأمنية في العديد من زوايا العالم لترتفع معها كلف الهيمنة مستقبلا على الولايات المتحدة الأمريكية في ساحات مختلفة من العالم.

hazem ayyad
@hma36
التعليقات (0)