عودة بنيامين نتنياهو أطول رئيس وزراء خدمة في منصب رئيس الوزراء بمصادقة الكنيست على رأس حكومته السادسة، بتحالف حزبه الليكود مع الأحزاب الصغيرة الدينية الأكثر تطرفا وعنصرية من عتاة اليمين الصهيوني الفاشي، هي بمنزلة إعلان حرب يسقط جميع الأقنعة، بعد استعراض بنود برنامج حكومته وبرضوخه لابتزاز تحالف العنصريين بقيادة شريكه وزير الأمن الوطني إتمار بن غفير، الذي يؤمن أنه ليس للفلسطينيين حق بالوجود، وبدعم وزير الاقتصاد سوميتريش- بعقيدة صهيونية خالصة.
الأخطر في أجندة حكومته تبني مشروع توراتي- صهيوني معتق يلغي حق
الفلسطينيين وفلسطين كدولة وكيان وشعب، وتظهر وجه إسرائيل الواقعي غير المستتر بتطرفه الصهيوني، خاصة مع تأكيد نتنياهو بنود وأولويات برنامج حكومته يتضمن: (حق اليهود الحصري وبلا أي تشكيك بجميع أراضي إسرائيل (فلسطين)، ودعم وتوسيع وتطوير المستوطنات في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامراء (الضفة الغربية)، وسنعزز أمن شعبنا ومحاربة الإرهاب والتطرف (التنكيل بالفلسطينيين)، ونواجه برنامج إيران النووي، ونعزز وضع ومكانة القدس، ونوسع دائرة السلام (التطبيع مع مزيد من الدول العربية).
للأسف لا يبدو أن عام 2023 سيكون عاما جيدا لمستقبل القضية الفلسطينية وللفلسطينيين، خاصة إذا فجرت وحشية وقمع حكومة نتنياهو الحديدية البغيضة انتفاضة فلسطينية ثالثة
باختصار، برنامج الحكومة الإسرائيلية الجديدة حرب وإلغاء حق الفلسطينيين على أرضهم، وتكريس لنظام الأبارتهايد- الفصل العنصري-، وإعلان يهودية فلسطين من البحر إلى البحر-ونسف كلي لأي فرصة للتفاوض لحل الدولتين -كما تروج وتتبناه الإدارات الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وصفعة بوجه أحزاب المعارضة الإسرائيلية المتكتلة ضد حكومة أقصى اليمين، التي تثير غضب حتى اليهود الأشكناز بتحويل إسرائيل لدولة دينية عقائدية صهيونية معادية للقيم الليبرالية الديمقراطية-، ما يقسّم المجتمع الإسرائيلي ويزيد من الانقسامات الداخلية بين اليهود الأشكناز الغربيين العلمانيين واليهود اليمينيين المتشددين ضد حكومة ونظام ديني. كما ستدفع سياسات الحكومة الجديدة لتفجر
انتفاضة ثالثة تقود المنطقة للمجهول. وتحرج حلفاء إسرائيل في الغرب وخاصة إدارة بايدن التي لمحت لعدم التعاون والتواصل مع وزراء متشددين كبن غفير وغيره، وكذلك مع الاتحاد الأوروبي بسبب يهودية الدولة وإقصاء الفلسطينيين، وحق اليهود حول العالم بالاستيطان في كل فلسطين على حساب الفلسطينيين، وتحويل فلسطينيي 1948 لمواطنين من الدرجة الثانية، بلا حقوق سياسية كالمواطنين اليهود.
كما تحرج تركيبة وبرنامج وأولويات
حكومة نتنياهو الدول العربية المطبعة، التي لم تنجح الاتفاقيات الإبراهيمية مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، بكبح مخططات إسرائيل بالضم والقضم وتوسيع الاستيطان. بل عاد للتخطيط والعمل على ضم الضفة الغربية، ما سيفجر غضبا فلسطينيا وعربيا ودوليا. بررت دولة الإمارات العربية المتحدة التطبيع مع إسرائيل بمبادرة ورعاية إدارة ترامب والعرّاب كوشنير، بإقناع نتنياهو بعدم ضم أجزاء من الضفة الغربية.
وفي تناقض ونفاق صارخ، وفيما يكرر نتنياهو عزمه محاربة الإرهاب، أكد في تنازل مشين للعنصريين المتشددين، أنه سيشرع قانونا يلغي قانونا يمنع المدانين بالعنصرية من الترشح للانتخابات؛ إرضاء واستجابة لمطلب شريكه إتمار بن غفير المدان بالعنصرية ضد الفلسطينيين عام 2007، الذي صار شريكا في وزارة الأمن الوطني.
هذا التصعيد المتعمد يتسبب بقلق ومخاوف مشروعة ومبررة في المنطقة. حذّر منها الملك عبدالله الثاني العاهل الأردني: «من اندلاع انتفاضة ثالثة تؤدي إلى انهيار كامل للقانون والنظام، ولن يستفيد منه الإسرائيليون والفلسطينيون... ولدينا خطوط حمراء إذا أراد أحد تجاوزها والدخول في صراع معنا، فنحن مستعدون تماما».
لم يقتصر استفزاز تركيبة حكومة نتنياهو الجديدة على الفلسطينيين وجماعات حقوق الإنسان وانعكاسها الخطر على مستقبل القضية الفلسطينية وحل الدولتين المحتضر، بل وفي سابقة، دفع أكثر من 330 حاخاما أمريكيا التوقيع على عريضة تمنع الوزراء المتطرفين الفاشيين في الحكومة الجديدة من زيارة الكنس اليهودية الأمريكية، وإلقاء خطب في كنسهم وفي أحيائهم لمواقفهم المتطرفة. تساند الحاخامات منظمات يهودية أمريكية يسارية ومعتدلة. بينما المنظمات اليهودية الرئيسية مثل إيباك الأكثر نفوذا وتأثيرا في دعم المرشحين للمناصب السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنظمات يهودية أخرى، تلتزم الصمت حول تركيبة الحكومة الجديدة التي تنفّر اليهود العلمانيين والليبراليين.
كما لم تعلق الدول العربية المطبّعة، التي لا شك تشعر بالإحراج لأن التطبيع لم يجد نفعا بإقناع الناخبين اليهود بالتصويت للتعايش والسلام، وليس للمرشحين المتطرفين للكنسيت، ولا في إقناع نتنياهو اليائس الذي وقع الاتفاق الإبراهيمي، بعدم التصعيد والاستفزاز، بإشعال النار بتعيين بن غفير وغيره من عتاة العنصريين المتطرفين في حكومته، ما يجعل إسرائيل دولة عنصرية يهودية دينية متطرفة.
وفي الوقت الذي تشعر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بالحرج وعدم الارتياح من تركيبة الحكومة الجديدة، كان صادما ومعيبا تهنئة إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي وحتى الرئيس الأوكراني زيلنسكي بالحكومة الإسرائيلية الجديدة والتعهد بالعمل معها، دون انتقاد ورفض تعيين وزراء معروفين بعدائهم وعنصريتهم ومعارضتهم لموقف أمريكا والاتحاد الأوروبي الداعم لحل الدولتين.
وبرغم ذلك، عبّر الرئيس بايدين عن تطلعه «للعمل مع صديقي منذ سنوات رئيس الوزراء نتنياهو-للعمل معا في مواجهة التحديات وتحقيق الفرص التي تواجه منطقة الشرق الأوسط-، بما فيه تهديدات إيران وتقدم عملية السلام في الشرق الأوسط، (التي يعمل نتنياهو مع حكومته المتطرفة على تدميرها كليا).
بينما طالبت كير-CAIR-أكبر مؤسسة إسلامية أمريكية إدارة بايدن بأخذ موقف حاسم وواضح من الحكومة الإسرائيلية «العنصرية-اليمينية، التي ترتكب جرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين. وخاصة أن من ضمن أجندة حكومة نتنياهو التوسع في الاستيطان في الضفة الغربية وإدانة مواقفها، وإنهاء الشيك على بياض الذي يمول سلوك وتصرفات حكومة الأبارتهايد. ولم يعد مقبولا إبقاء الموقف الحالي الداعم لتجاوزات إسرائيل».
للأسف، لا يبدو أن عام 2023 سيكون عاما جيدا لمستقبل القضية الفلسطينية وللفلسطينيين، خاصة إذا فجرت وحشية وقمع حكومة نتنياهو الحديدية البغيضة انتفاضة فلسطينية ثالثة، وأزمة وصراعا سياسيا داخليا، ما سيدفع المنطقة لحافة الهاوية بتداعيات كارثية.