يجري
تنافس خليجي لافت بين الصناديق السيادية السعودية والإماراتية، وأيضا القطرية، للاستحواذ
على الأصول المالية والبنوك
المصرية آخرها "بنك القاهرة" الحكومي و"المصرف
المتحد" التابع للبنك المركزي، وذلك بعد عدة مصارف وشركات مالية جرى بيعها لأبوظبي
والرياض.
والأحد،
قالت صحيفة "الشروق" المحلية إن البنك "السعودي الفرنسي" -تأسس
عام 1977 بالرياض- أبدى اهتماما بالاستحواذ على "بنك القاهرة"، الذي يملك
"بنك مصر" الحكومي نسبة 99.9 بالمئة منه، وسط تقييم متوقع للبنك يصل إلى 3 مليارات دولار.
عرض
البنك السعودي يأتي كرد فعل لخطة حكومية مقررة قبل أكثر من 5 سنوات بطرح أسهم
"بنك القاهرة" بالبورصة المصرية، وذلك منذ قيد أسهمه في شباط/ فبراير
2017.
و"بنك
القاهرة"، يعمل في مصر منذ نحو 7 عقود، حيث أسس عام 1952، ويدير شبكة فروع ووحدات (عددها 231) بجميع أنحاء مصر، فيما سجلت القوائم المالية للبنك بالنصف الأول من
2022 معدلات نمو قوية، وبلغت الأرباح 3.1 مليار جنيه.
"المصرف
المتحد"
في السياق،
يُجري صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي السعودي) محادثات متقدمة للاستحواذ
على بنك "المصرف المتحد" المصري الحكومي، بحسب ما نقلته "وكالة بلومبرغ" في 12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، في صفقة تقدر بـ 600 مليون دولار تقريبا.
واقترب
الصندوق من الانتهاء من الفحص النافي للجهالة على البنك، ويخطط لتنفيذ الاستحواذ عن
طريق الشركة "السعودية المصرية للاستثمار"، التي أطلقها في آب/ أغسطس الماضي،
لإدارة استثماراته في مصر، بحسب "بلومبرغ".
"تنافس
محموم"
متحدثون
لـ"عربي21"، ووسائل إعلام محلية، قالوا إن الصندوق السيادي السعودي يتنافس
مع "صندوق الثروة السيادي" (ADQ)
القابضة المملوكة لحكومة أبوظبي، للاستحواذ على "المصرف المتحد".
وأعلن
الصندوق السعودي رغبته في الاستحواذ على "المصرف المتحد"، في أيار/ مايو الماضي،
ليعلن لاحقا صندوق أبوظبي رغبته في الصفقة، ويسمح لهما البنك المركزي بعملية الفحص
النافي للجهالة.
وفي
أيلول/ سبتمبر الماضي، أكدت مصادر مصرفية مرتبطة بصفقة "المصرف المتحد"،
لموقع "مصراوي"، أن الصندوق "السيادي القطري" يخطط للتقدم بطلب
للبنك المركزي للموافقة على إجراء فحص نافي للجهالة تمهيدا لشراء البنك.
وهو
ما يعني زيادة المنافسة مع صندوقي الاستثمارات العامة السعودي والإماراتي السياديين.
"المصرف
المتحد"، يعمل في مصر قبل 16 عاما، وتحديدا منذ العام 2006، بعد اندماج 4
بنوك
صغيرة مملوكة للدولة كانت على وشك الإفلاس، هي: "المصرف الإسلامي للتنمية"
و"الاستثمار"، و"بنك النيل"، و"البنك المصري المتحد".
ووفق
مراقبين، فإن "المصرف المتحد"، يعد هدفا استراتيجيا للعديد من المؤسسات المالية
نتيجة لقوة مركزه المالي ومكانته المرموقة بالسوق المصري.
وبحسب
بيانات للبنك، فإن المصرف سجل صافي أرباح خلال آخر 5 سنوات بنحو 5.5 مليار جنيه منها
1.14 مليار جنيه في 2021، وله نحو 54 فرعا في 18 محافظة مصرية.
"يملك
المال والأعمال"
وفي
حديثه، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار، إلى العديد من الصفقات في القطاع
المصرفي المصري بينها "شركة المدفوعات الحكومية (إي فاينانس)، والخاصة "فوري".
وقال
لـ"عربي21": "الإمارات اشترت حصة تعادل 12 بالمئة تقريبا من (فوري)،
بعد الاستحواذ على نسبة من رأس مال البنك التجاري الدولي"، لافتا إلى استحواذ
"السعودية على ما يقرب من 20 بالمئة من (إي فاينانس)، وهي قناة رئيسية للمدفوعات
الحكومية".
وأضاف
المستشار الأممي السابق: "نعرف أن من يملك المال، يملك الأعمال، ثم يملك السلطة،
في أي نظام اقتصادي مغلق".
وأكد
أن "السباق محموم فعلا بين السعودية والإمارات على من منهما يملك مصر"، معتقدا
أن "هذه معركة للأسف لا ناقة للمصريين فيها ولا جمل إلا أنهم هم الضحية".
ويرى
أن "السباق المحموم سيستمر في كافة القطاعات الاستراتيجية خصوصا التمويل، والاتصالات،
والصحة، والتعليم، والإعلام، والصناعات البترولية والبتروكيماويات؛ وقد يمتد إلى كل
شيء".
نوار،
أعرب عن أسفه من أن "مصر في حالة مالية سيئة؛ تذكرنا بما كان عليه حالها بالنصف
الأخير من القرن 19"، لافتا إلى أن "الفرق الجوهري أن أملاك الباشا كانت
تباع للمصريين، أما الآن فإن أملاك مصر تباع لغير المصريين".
"صفقات
الحكام"
وفي
تقديره يرى أن "حصة البنوك التي يتم السعي للاستحواذ عليها أو التي تم بالفعل
بيعها مرشحة للزيادة"، مشيرا إلى أن "بنك الإسكندرية، تم بيعه لمجموعة مصرفية
إيطالية".
وتابع:
"وبنك القاهرة كما ذكرت (الشروق)، مرشح للبيع في صفقة كبيرة، وهو كان كذلك منذ
بيع بنك الإسكندرية"، معتقدا أن "البنوك الخاصة أو المشتركة سوف تباع بالجملة
وبالقطاعي في سوق مغلقة تقريبا".
وقال
نوار، إن "الصفقات في السوق المغلقة تتم باتفاقات بين حكومات وليس في اكتتاب عام"،
مؤكدا أن "هذا هو مصدر الخطورة الرئيسي، لأن البيع يتم بقيمة غير عادلة على أساس
صفقة، وبدون إجراءات تضمن وجود منافسة في السوق".
ويرى
أن "مسألة بيع الأصول لم تعد توجها اختياريا؛ ولكنها أصبحت إجبارية في ظل الضغوط
الراهنة، وأي حديث الآن عن المحافظة على الأصول يجب أن يأتي أولا ببدائل لسداد
الديون".
وشبه
الحالة المصرية بحقبة زمنية في العصور الوسطى، قائلا: "مصر عادت سياسيا إلى حقبة
أشبه ما تكون بحقبة نهاية الدولة الأيوبية، وصراعات أمراء الشام للسيطرة عليها"،
مشيرا إلى أن "مصر في أضعف مراحل تاريخها الآن".
ويعتقد
أن "ما يحدث الآن هو مجرد تداعيات تلقائية لعقود طويلة من التردي والفساد، وتخريب
محركات القوة في المجتمع".
وختم
بالقول: "المجتمع نفسه أصبح ضعيفا لا يستطيع المقاومة، ولم يعد في مقدوره إمداد
الدولة الضعيفة بعناصر قوة تساعدها على المقاومة، والمقاومة على أي حال لم تعد خيارات
للدولة".
"إلى
نادي باريس"
وعن
أسباب توجه مصر نحو بيع أصولها المصرفية وبنوكها الحكومية، وخطورة هذا الأمر ماليا
واقتصاديا، قال رئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي الدكتور أشرف
دوابه، لـ"عربي21"، إن "هذا البيع يأتي نتيجة سير الحكومة المصرية وراء
صندوق النقد الدولي".
أستاذ
التمويل والاقتصاد في جامعة إسطنبول، لفت إلى أن خطورة الأمر تتمثل في أن "السير
خلف الصندوق لن يخرج مصر من دائرة الإفلاس"، مضيفا أن "الوضع الاقتصادي خطير
جدا"، متوقعا "لجوء القاهرة في النهاية إلى نادي باريس".
وأوضح
أن خطط البيع والتفريط في المصارف الحكومية المصرية "تخضع لشروط صندوق النقد الدولي
القاسية جدا، والسير وراءه شبرا بشبر كما حدث للأرجنتين التي تم معها هذا الإطار بالكامل
ونفس ما حدث من بيع للأصول".
وعن
أسباب تبارى الصناديق العربية للاستحواذ على تلك البنوك، أعرب دوابه، عن أسفه الشديد
من أن "تسارع بيع الأصول تلك وغيرها للخليج الآن ناتج عن توقف المنح وقلة وضع
الودائع
الخليجية بالبنك المركزي المصري كما كان"، موضحا أن "الخليج يدفع
الآن مقابل الاستحواذ على أفضل الأصول، وشيء مقابل شيء".
"استعباد
خليجي ودولي"
ويعتقد
أن "المشكلة في بيع القطاع الحكومي ومنه المصرفي أنه لم يعد غير البنك الأهلي
ومصر، بعد بيع بنك الإسكندرية بعهد حسني مبارك لبنك (انتيسا) الإيطالي، والآن الدور
على المصرف المتحد وللحكومة متمثلة في البنك المركزي نسبة كبيرة منه".
وعن
النتيجة المتوقعة لهذا البيع، يرى دوابه، أن "بيع الأصول المصرفية والبنوك الحكومية
يجعل دور الدولة في الجانب المصرفي معدوما"، لافتا إلى أنه "حينما تسيطر
دول الخليج بهذه الصورة للأسف تقع مصر تقع تحت استعبادها واستعباد صندوق النقد الدولي".
وقال
إنه "ونتيجة للوضع والسياسات الخاطئة فإن مصر أصبحت كدولة مستعمرة ماليا واقتصاديا
نتيجة لهذا السلوك ودخول مشروعات لا صلة لها بالتنمية، وأصبحت الديون أساس هيكل الدولة
نفسها، والمشكلة في تراكم الديون مع بيع الأصول مع المشروعات المظهرية ".
"استحواذات
سابقة"
وخلال
آذار/ مارس الماضي، أجرى صندوق "أبوظبي السيادي" محادثات لشراء حصص بـ"البنك
التجاري الدولي"، ضمن حصص بـ5 شركات مدرجة بسوق الأوراق المالية المصري، بقيمة
1.8 مليار دولار، هي: "فوري"، للخدمات المصرفية، و"أبوقير للأسمدة"،
و"موبكو"، و"الإسكندرية لتداول الحاويات".
وفي
شباط/ فبراير الماضي، أعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية عن تقديم بنك
"أبوظبي الأول"، عرضا إجباريا للاستحواذ على حصة أغلبية بنحو 51 بالمئة من
المجموعة المالية "هيرميس"، بقيمة تقدر بحوالي 1.2 مليار دولار.
واستحوذ
بنك "أبوظبي الأول"، على "بنك عودة" بشكل نهائي بعد إتمام الاندماج
الكامل للعمليات والأنظمة مطلع تشرين الأول/ نوفمبر الماضي، بإجمالي أصول يبلغ 187
مليار جنيه مصري، و69 فرعا و211 ماكينة صراف آلي.
وهناك
5 بنوك إماراتية بمصر، هي: "أبوظبي الأول"، و"أبوظبي التجاري"،
و"الإمارات دبي الوطني"، و"أبوظبي الإسلامي"، و"بنك المشرق".
ومن
بين استحواذات الخليج على القطاع المالي في مصر بالعام الجاري، أصبح صندوق الاستثمارات
العامة السعودي أكبر المساهمين بشركة "إي فاينانس" للمدفوعات الإلكترونية،
بصفقة تمت في آب/ أغسطس الماضي. وذلك بعد حصول الشركة التي جرى تأسيسها
في الشهر ذاته على نسبة 25 بالمئة من أسهم الشركة من بنك الاستثمار القومي بقيمة
7.49 مليار جنيه.
"لماذا
بيع الأصول؟"
ويأتي
التخلص من الأصول المصرفية المصرية ضمن خطة حكومية للتخارج من العديد من القطاعات،
وفق ما طرحته في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تحت مسمى "وثيقة سياسة ملكية الدولة"،
وفي إطار رغبة حكومية للحصول على العملة الأجنبية وزيادة السيولة الدولارية.
وتعيش
مصر أزمات مالية واقتصادية كبيرة مع ارتفاع ديونها الخارجية لأكثر من 150 مليار دولار،
وحاجتها الشديدة لسداد فوائد وأقساط خدمة الدين، فيما يبلغ احتياطي البلاد من النقد
الأجنبي نحو 33.5 مليار دولار.
إزاء
هذا الوضع تقوم الحكومة المصرية ببيع بعض أصولها السيادية وبينها المصرفية في كعكة
تتسابق عليها أبوظبي والرياض، بجانب اقتراض القاهرة من صندوق النقد والبنك الدوليين
وغيرهما من المؤسسات المقرضة.