تحاول الدولة العبرية بكل ما أوتيت من قوة أن تثبت للعالم أن مدينة القدس المحتلة هي مدينة يهودية لها قداسة وتاريخ يهودي، وذلك بشتى الطرق والوسائل سعيا منها لتزوير التاريخ وفرض وقائع على الأرض.
وكانت أحدث هذه المحاولات القديمة الحديثة والتي لا يمكن أن يصدقها أحد هي بناء قبور يهودية وهمية على مقربة من المسجد الأقصى المبارك في إطار مشروع الهيكل المزعوم للتدليل زورا أنه كان لهم تاريخ في هذه الأرض.
وقال الشيخ الدكتور ناجح بكيرات، نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس، ورئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث: "بناء القبور الوهمية في القدس يأتي ضمن المخطط الصهيوني الذي يهدف إلى إيجاد رؤية حضارية يهودية، وذلك لتطويق المسجد الأقصى المبارك بما يسمى (الحوض المقدس) والذي يمتد على مسافة 3 كليومترات من سور المسجد الأقصى والبلدة القديمة".
وأضاف بكيرات لـ
"عربي21": "هناك محاولات صهيونية لإيجاد رموز يهودية تحضيرا لمشروع الهيكل بحيث يكون في محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة قبور يهودية بحجة أن هذه المدينة هي مدينة يهودية وأن تاريخها تاريخ يهودي".
ناجح بكيرات، نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس
وتابع: "فبعدما تم عمل القبول في وقف الجثمانية في سفح جبل الزيتون وكان هناك استئجار من أرض الأوقاف في عام 1889م من قبل الوالي العثماني، حيث طلب مختار اليهود من الوالي العثماني أن يؤجره قطعة أرض كي يدفنوا فيها موتى اليهود تمت عملية التأجير، وبدأت هذه المقبرة تتمدد يوما بعد يوم، وبعد
الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967م تمت مصادرة العديد من الأراضي وتوسيعها حتى وصلت إلى 80 دونما أو يزيد".
وأوضح أن القبور التي زرعت في سفح جبل الطور بدأت تتمدد إلى منطقة وادي تنطور (تنطور فرعون)، وتزحف إلى منطقة تسمى سلودحة من أرض الوقف في منطقة سلوان والتي تقدم مساحتها بحوالي 50 دونما، مؤكدا أن الاحتلال بدأ يبني هناك قبورا ويكتب عليها أسماء أشخاص ماتوا ربما في الولايات المتحدة أو أوروبا أو غير هذه المناطق بحجة أنها قبورهم كي يعطوا عبارة عن طابع يهودي لهذه المنطقة.
وقال بكيرات: "وصلت هذه القبور إلى الشارع الذي يفصل بين زاوية المصلى المرواني في المسجد الأقصى وما بين هذه القبور الوهمية".
وأضاف: "إن هدف إقامة هذه القبور الوهمية هي محاولة لطرد القبور التاريخية الإسلامية، وهي محاولة لفرض واقع قداسة يهودي، ومحاولة لمصادرة أكبر عدد من الدونمات الوقفية والإسلامية، وهي عملية خنق للحضور الإنساني".
وأكد أنه لا يمكن البناء في الأرض التي يتم مصادرتها، ووصف الأمر بأنه عملية تطهير للوجود المعماري العربي وتطهير للوجود الإنساني وتقديم رواية توراتية، وهذا أمر خطير جدا.
وقال بكيرات: "هذه القبور الوهمية يُنفق عليها من قبل وزارتي الأديان، والسياحة والآثار الإسرائيليتين، وهناك منظمات وجمعيات تدعم مثل هذه القبور، وربما بعض الأشخاص يدفعون مبالغ وصلت إلى 250 ألف دولار لمجرد أن يكون له قبر مكتوب عليه اسمه".
وأضاف: "هذه القبور الوهمية شكلت محجا للوجود اليهودي في المدينة المقدسة، وأعتقد أننا أمام واقع خطير جدا يريد أن يقدم المدينة على أنها مدينة يهودية وعاصمة يهودية لمشروع الدولة اليهودية".
وتابع: "المخطط قديم ولكن بعد عام 1967م تم ترجمته على أرض الواقع للأهداف التي ذكرت آنفا".
وأشار إلى أنهم حاولوا وقف هذه القبور بالاحتجاج وبمحاولة منعها، إلا أن الحكومة الإسرائيلية التي تستعين بالبلطجة والشرطة وغيرها قمعت الجمهور والمظاهرات والاحتجاجات ووضعت هناك كاميرات كبيرة جدا، كما وضعت بعض الإضاءات في هذه القبور وحولت هذه الإضاءات كي تعكس هذه الأنوار على سور البلد القديمة".
وقال بكيرات: "نحن أمام تقديم رواية، وأمام مصادرة، وأمام إيجاد واقع قداسة يهودية، وإيجاد واقع سكاني يهودي يتزاحم مع الوجود المقدسي لأصحاب الأرض في هذه المدينة".
وأضاف: "المطلوب الثبات ومقاومة هذا المشروع الذي يعتبر من ضمن المشاريع التهويدية لمدينة القدس".
ومن جهته اعتبر رئيس دائرة القدس والأقصى في المجلس التشريعي النائب عن كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية أحمد أبو حلبية بناء المئات من القبور الوهمية في مدينة القدس المحتلة محاولة إسرائيلية لفرض وقائع على الأرض وتزويرا للتاريخ.
وقال أبو حلبية لـ
"عربي21": "قام الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا ببناء مئات القبور الوهمية في محيط المسجد الأقصى المبارك للإيحاء بوجود يهودي في هذه الأرض منذ مئات السنوات".
أحمد أبو حلبية.. عضو المجلس التشريعي
وأضاف: "يوجد 300 قبر وهمي في مقبرة يهودية في جبل الزيتون (جبل الطور) شرق المسجد الأقصى، و200 قبر وهمي في منطقة وادي حلوى في سلوان جنوبي المسجد الأقصى، بالإضافة إلى عشرات القبور الوهمية الأخرى في أماكن متفرقة في أحياء متعددة من مدينة القدس وخاصة المدينة المقدسة القديمة وحول المسجد الأقصى والتي تبلغ مساحتها حوالي 2 كيلومتر مربع".
وشدد أبو حلبية على أن بناء هذه القبور يعود لعامين فقط، لكن العام الماضي كان التركيز على بناء القبور الوهمية في مقبرة جبل الطور وما أطلق عليه الاحتلال "المقبرة اليهودية".
وأكد أن الاحتلال يقوم ببناء هذه القبور الوهمية في هذه المناطق تحديدا لإعطاء صورة أن هناك وجودا يهوديا في القدس منذ مئات السنين خاصة ما يسمى بـ "الحوض المقدس" حول الأقصى.
واعتبر أبو حلبية أن الاحتلال يحرص على أن تكون على هذه القبور إشارات معينة توحي أنها موجودة منذ مئات السنين، وذلك بوضع تواريخ كاذبة لمئات السنين حتى يعطوا انطباعا أن لهم فترة طويلة في هذه الأرض وهذا تزوير واضح للتاريخ يثبت أنهم دخلاء على هذه الأرض.
وقال: "إن بناء الاحتلال لقبور بلا أموات في مدينة القدس ومناطق وادي الربابة، وهضبة سلوان، والحارة الوسطى، وسفح جبل الزيتون، والبلدة القديمة، وحي الطور وغيرها من المناطق هو تزوير للتاريخ، وذلك لأن العدو الصهيوني له هدف استراتيجي يتمثل في تهويد المسجد الأقصى ومصادرة الأرض
الفلسطينية لصالح المشاريع الاستيطانية".
وأضاف: "تشييد القبور الوهمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هو وسيلة يتبعها الاحتلال للادعاء بأن هناك تاريخا يهوديا وأن هناك أمواتا يهودا داخلها لمصادرة الأرض الفلسطينية وادعاء تاريخ يهودي مزيف".
وشدد أبو حلبية على أن الاحتلال مستمر في عدوانه على القدس والمسجد الأقصى ومحاولات فرض التقسيم الزماني، مشيراً إلى أن الاحتلال ومستوطنيه يتوسعون في عدوانهم ضد المقدسات وتدنيسها، وهذا يتطلب وقفة عربية وإسلامية ودولية جادة.
وتحدث عدد من السكان المقدسيين لـ
"عربي21" عن هذه القبور الوهمية وكيف فوجئوا بها حديثا لا سيما في منطقة سلوان.
وقال أحد شهود العيان وهو يشير إلى قطعة أرض: "قبل شهرين كانت هذه الأرض فارغة واليوم جاء الاحتلال ووضع الحجارة فيها على هيئة قبور وقال هي قبور".
وأضاف: "طوال عمرنا ونحن موجدون في هذه الأرض، وهي لم تكن هكذا فيها قبور، هذا كله وقع خلال شهرين فقط حيث شرعوا في عملية بناء القبور الوهمية".
وأشار إلى أنهم مجموعات استيطانية تشرف على بناء هذه القبور وجمعت تبرعات من اليهود في الخارج بقيمة 28 مليون دولار من أجل تصوير هذه القبور كي يتم فرزها على أنها مقبرة يهودية باتت تسمى الآن مقبرة سامبوسكي.
وأكد على أن هذه القبور تبعد فقط 200 متر عن المسجد الأقصى المبارك، وهي أسلوب جديد قديم من أجل تثبيت أقدام اليهود فيها والاستيلاء على الأراضي.
وقال: "من المعروف أن الاحتلال يحتل البيوت ويزرع شجرة ويقيم قبورا وهمية بهذه الطريقة أمر يعجز عنه العقل والتفكير".
وأضاف: "أي قطعة أرض فارغة يضع اليهود أيديهم عليها، وهذه الهجمة منذ سنوات على المدينة المقدسة حيث أن الاحتلال يتفنن في تزوير الحقائق وسرقة أراضينا".
وأشار إلى أن الأمر لم يتوقف على وضع قبور وهمية بل إحضار حرفيين مختصين في الطبيعة والتاريخ من أجل تغيير الحقائق والتفنن في هذا الأمر من أجل حبك هذه المسرحية.