رغم ما تقوم به قوات
الاحتلال من عمليات دموية لملاحقة
المقاومة،
بما تشمله من اجتياحات واغتيالات واعتقالات، فإن المعطيات العسكرية الإسرائيلية تذهب
للتشاؤم بسبب توقعاتها القاتمة للتصعيد المقبل، بحيث لم يعد هناك داع لخروج ثلاثين
ألفاً من الشبان
الفلسطينيين لرشق الحجارة، بل يكفي مائة مسلح لتنفيذ عمليات متلاحقة
ضد أهداف الجيش والمستوطنين، مع العلم أن الأرقام الصادرة عن جيش الاحتلال تتحدث عن
تصاعد الهجمات الفلسطينية.
في الوقت ذاته، تؤكد الأوساط الإسرائيلية أن هذه التطورات
المتلاحقة تتطلب استدعاء المزيد من كتائب الاحتياط، وتجهيزها بطائرات مسيرة تقذف القنابل
اليدوية، لكن الثمن الذي سيدفعه الجيش هو الأضرار المترتبة على تدريباته المنتظمة،
والتأثير السلبي على لياقته للحرب.
يوآف زيتون المراسل العسكري لصحيفة
"يديعوت أحرونوت"،
ذكر أن "وتيرة الهجمات الفلسطينية لا تتوقف في الآونة الأخيرة، فبجانب تقوية الفصائل
المسلحة في جنين ونابلس، ترسم صورة متشائمة للغاية للوضع في القيادة الوسطى للجيش عشية
العام الجديد وتغيير القيادة العسكرية والحكومية، وفي غضون شهر تقريبًا، سيبدأ بنيامين
نتنياهو رئيس الوزراء الجديد القديم، ووزير حرب جديد، لم يتم تحديد هويته بعد، ورئيس
الأركان الجديد هارتسي هاليفي ونائبه، الخدمة في نفس الوقت تقريبًا".
وأضاف في تقرير ترجمته "
عربي21" أن "وجود
إيتمار بن غفير وبيتسلئيل سموتريتش، المعروفين جيدا للمؤسسة الأمنية بمواقفهما المتطرفة،
بجانب العمر المتقدم لرئيس السلطة الفلسطينية أبي مازن، 87 عامًا، فضلا عما يقدمه الجيش
من بيانات مقلقة ومؤشرات على مواجهة عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية، قد تمتد،
كما في الماضي، إلى قطاع غزة أيضًا، كلها أسباب قد تساهم في إشعال الوضع، خاصة أن
تقديرات الجيش تتحدث عن أنه في كل مدينة فلسطينية هناك الكثير من الأسلحة، بالتزامن مع
ضعف الأجهزة الأمنية الفلسطينية في نابلس وجنين، مما سيساهم في إنشاء خلايا مسلحة جديدة
مثل عرين الأسود".
وزعم أن "مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية مليئة بوسائل
الحرب والتحريض والإلهام التي تؤثر على جيل التيك توك الفلسطيني، هذا جيل لم يختبر
ما شهدته الانتفاضة الثانية، ولعل ما قد يصعّد الوضع هو فقدان السلطة لسيطرتها في شمال
الضفة الغربية، واقتحامات المسجد الأقصى، واحتجاجات فلسطينيي48، وحصار قطاع غزة، بجانب
زيادة استخدام الأسلحة النارية، بينما في الموجات السابقة استخدم المهاجمون السكاكين
والسيارات، وأحيانًا أسلحة محلية الصنع، لكن هذه المرة يتزايد استخدام البنادق بشكل
كبير، حيث تنتشر عدة آلاف منها في جميع أنحاء مدن الضفة الغربية".
ونقل عن أوساط الجيش أن "هذا العام شهد ارتفاعاً بمقدار
ثلاثة أضعاف في عدد حوادث إطلاق النار في الضفة الغربية، نحن أمام 281 عملية بين كانون
الأول/ يناير وتشرين الأول/ أكتوبر، مقارنة بـ91 عملية في عام 2021 بأكمله، 240 منها
موجهة ضد قوات الجيش والباقي ضد المستوطنين، أسفرت جميعها عن مقتل 31 إسرائيليًا،
8 جنود و23 مستوطنا، فيما استشهد أكثر من مائتي فلسطيني مقارنة بـ 76 في 2021، بما
فيهم شهداء حرب غزة".
وأوضح أن "العام الجاري شهد ارتفاعا إضافيا أيضا في
حوادث المقاومة الشعبية، كإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على المستوطنين بعدد 3382
حادثة، مقابل 2946 حادثة في عام 2021 بالكامل، بجانب 5000 حادثة إلقاء الحجارة وقنابل
المولوتوف، مع تصاعد عمليات تهريب الأسلحة من الخارج، رغم إحباط الجيش لـ27 محاولة من
حدود الأردن، وضبط 420 قطعة سلاح، ما دفع لنشر المزيد من القوات بصورة غير عادية،
خاصة حول خط التماس، مع عدد مضاعف من الكتائب، حوالي 25 كتيبة مقارنة بـ13 في بداية
العام، وفي السنوات الأخيرة".
تشير هذه المعطيات العسكرية الإسرائيلية إلى أن جيش الاحتلال
مني بأضرار لافتة بسبب استمرار تصاعد الوضع الأمني مع الفلسطينيين، خاصة على صعيد قدرة
الألوية النظامية على القتال في مواجهات عسكرية واسعة، على واحدة من الجبهات المتوترة
حوله، لأنه بسبب هذه المواجهات المستمرة لم تعد القوات النظامية في الجيش البري تجري
تدريباتها، لأن نصفهم تقريبا منخرطون في وظائف عملياتية على مدار الساعة.
وتكشف محافل جيش الاحتلال أن معظم الكتائب النظامية، من المشاة
والدروع والهندسة والمدفعية، المخصصة للقتال في غزة أو لبنان، تدربت هذا العام بنسبة
30% فقط، وهي أقل من المعتاد في السنوات السابقة، ما يعني أن التصعيد المستمر في الضفة
الغربية سيضر بكفاءة قوات الاحتلال بشكل أكبر، لذلك فإنه من المتوقع خلال عام 2023، أن يتم
استدعاء المزيد من كتائب الاحتياط للعمل في الضفة الغربية بدل القوات النظامية، ما
سيزيد ميزانية الجيش بمئات ملايين الشواقل، بسبب هذه الصورة المتشائمة.