هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتوقع الحكومة المصرية بلوغ أعلى حصيلة ضريبية في تاريخ إيرادات الدولة في حال استمرت في تحقيق زيادة مطردة في الإيرادات الضريبية التي تشكل أكثر من 75% من موازنة الدولة المنهكة بالديون والضغوط الخارجية الناجمة عن تفاقم الدين الخارجي.
وتشير أحدث بيانات وزارة المالية المصرية إلى ارتفاع الإيرادات إلى 161.7 مليار جنيه بزيادة قدرها 15.4% خلال الشهر الأول من العام المالي الجاري 2022-2023، بدعم من زيادة حصيلة الضرائب والتي استحوذت على 82.7% من الإيرادات العامة للدولة.
ووفقًا للمؤشرات المالية الصادرة عن وزارة المالية، فقد سجلت الحصيلة الضريبية 133.7 مليار جنيه بزيادة نسبتها %21.7، جاءت معظمها من زيادة حصيلة الضرائب على الدخل والقيمة المضافة والممتلكات ثم الجمارك.
وقفزت الضريبة على الدخل بنسبة %20.7 مسجلة 36.8 مليار جنيه، وبلغت الضريبة على الممتلكات 27 مليار جنيه بارتفع قدره 31%، وزادت حصيلة ضريبة القيمة المضافة إلى 62 مليار جنيه بارتفاع قدره 19%، بينما ارتفعت حصيلة الجمارك إلى 5 مليارات جنيه بزيادة نسبتها 5%.
ويأتي ذلك في إطار مساعي الحكومة المصرية إلى تحقيق استراتيجية قصيرة المدى تتمثل في زيادة الإيرادات الضريبية من الناتج المحلي الإجمالي بواقع %0.5 سنويا لتصل إلى %2 على مدار 4 سنوات لتمويل عجز الموازنة المتفاقم.
وتقول الحكومة إنها تطبق هذه الاستراتيجية عبر عدة محاور، تشمل توسيع القاعدة الضريبية، وضم الاقتصاد غير الرسمي، وتضييق منافذ التهرب، فضلاً عن رفع الكفاءة عبر الاعتماد على الميكنة كليًا، وتحسين بيئة الأعمال، وتشجيع الاستثمار.
وعدلت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، قبل أيام، نظرتها المستقبلية لمصر إلى سلبية من مستقرة، فيما ثبتت تصنيفها عند +B بضغط من ضعف السيولة ومخاطر التمويل، حيث تدهور وضع السيولة الخارجية في مصر وانخفاض احتمالات الوصول إلى أسواق السندات، مما يترك البلاد عرضة للظروف العالمية المعاكسة في وقت ارتفاع عجز الحساب الجاري وآجال استحقاق الديون الخارجية.
وقالت "فيتش" إن احتياجات التمويل الكبيرة تفاقم التحدي المالي الذي تواجهه مصر بسبب آجال استحقاق الدين الخارجي العام بنحو 6 مليارات دولار في عام 2023، و 9 مليارات دولار في عام 2024، باستثناء الديون الثنائية مثل ودائع دول مجلس التعاون الخليجي، والتي من المرجح أن يتم تمريرها.
ضغوط غير مسبوقة
واعتبر المستشار السياسي والاقتصادي الدولي المصري، حسام الشاذلي، أن تلك المؤشرات بداية لانهيار الاقتصاد المصري الذي يقوم على الجباية والاستدانة.
وقال في تصريح حاص لـ"عربي21": "سيؤدي هذا إلى ضعف المصداقية الائتمانية المصرية ما يضعف فرصة حصولها على أي قروض وهبوط قيمة الأصول المصرية، وضعف القدرة على التعامل في أسواق السندات العالمية".
وأكد الشاذلي أنه "في ظل الظروف الاقتصادية المزرية للاقتصاد المصري ليس أمامه سوى استجداء الاستدانة من الخارج، وزيادة الضرائب بالداخل، خاصة أن مصر قد باتت دولة طاردة للاستثمار الأجنبي وأنها قد باتت ملعبا لمضاربات العملة والقروض ذات العائد المرتفع".
وحذر من أن "مصر تواجه ضغوطا غير مسبوقة – رغم مزاعم الحكومة باستقرار أوضاعها المالية – ولديها احتياجات تمويلية ضخمة لتغطية خدمة الدين الخارجي، ومن الواضح أن مصر لن تكون قادرة على الوفاء بهذه الأرقام في ظل الحالة الاقتصادية الرثة والمتهالكة".
موازنة قروض وضرائب
وكان مشروع الموازنة في مصر، الذي كشفت عنه الحكومة في شهر أيار/ مايو الماضي، قد صاحبه انتقادات واسعة حيث اعتمد على الاستدانة لسداد قروض سابقة وفوائدها، وسد عجز الموازنة، وزيادة موارد الدولة من خلال فرض المزيد من الضرائب وزيادة الحصيلة الضريبية.
وقدر مشروع الموازنة للعام المالي الحالي 2022-2023 زيادة الإيرادات إلى 1.518 تريليون جنيه بنسبة زيادة تصل إلى 11.2 في المئة من بينها أكبر حصيلة ضريبية في تاريخ البلاد بنحو تريليون و168 مليار جنيه.
وبلغ العجز بين الإيرادات المصروفات (بدون احتساب أقساط الديون) 558 مليار جنيه أي نحو 30 مليار دولار وقتها، وهو ما يشكل 6.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تمثل أقساط الديون وفوائدها نحو 1 تريليون و664 مليار جنيه ما يعادل حينها 90 مليار دولار بنسبة 54 في المئة من إجمالي الإنفاق العام.
اقرأ أيضا: 4 مؤشرات تجعل الاقتصاد العالمي أكثر قتامة مما كان متوقعا
خطط جباية لا خطط إنتاج
ومن جانبه، قال المحلل الاقتصادي، محمد السيد، إنه "من المعلوم للجميع أن الضرائب أحد أهم مكونات الدخل للخزينة الدولة المصرية وفي السنوات الاخيرة قفزت حصيلة الضرائب وضمت فئات لم تكن ضمن مخطط الحكومة منها المهن الحرة والباعة الجائلين والتجارة الإلكترونية ما أدى إلى ارتفاع الحصيلة بالمقارنة بالأعوام السابقة".
وأضاف لـ"عربي21": "ارتفاع الضريبة المضافة 19% يعني أن المواطن هو من يدفع هذه القيمة من دخله على كافة السلع التي يشتريها وهي تمثل عبئا على أصحاب الدخول المنخفضة وهم الشريحة الكبرى في مصر في الوقت الذي يعاني فيه من ارتفاع كبير في كافة السلع بالإضافة إلى التضخم الناتج عن انخفاض الجنيه مقابل الدولار، وفي ظل الأزمة الطاحنة التي تعيشها مصر بسبب سوء الإدارة يزداد عجز الموازنة عام بعد عام".
وأشار السيد إلى أن "الحكومة تبني مستهدفات زيادة الإيرادات من خلال زيادة حصيلة الضرائب دون النظر إلى زيادة حجم الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وزيادة دخله، وفي المقابل يزداد الإنفاق الحكومي فتكون النتيجة ما وصلنا إليه من تفاقم في عجز الموازنة فتلجأ الدولة إلى تمويل العجز بفرض مزيد من الضرائب لأنها لا تملك سوى هذا الخيار في دولة مستهلكة وليست منتجة، وكافة القروض التي اقترضها النظام ذهبت إلى مشاريع فاشلة لا جدوي اقتصادية منها.. ويظل جيب المواطن هو المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة".