ملفات وتقارير

هل حكومة السوداني جادة في إنهاء التعذيب بسجون العراق؟

السوداني كان وزيرا لحقوق الإنسان إبان حكومة نوري المالكي- صفحته الرسمية عبر فيسبوك
السوداني كان وزيرا لحقوق الإنسان إبان حكومة نوري المالكي- صفحته الرسمية عبر فيسبوك
في خطوة مفاجئة، فتح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، باب حكومته أمام استقبال شكاوى كل من تعرض للتعذيب وانتزعت منه اعترافات بالإكراه، الأمر الذي أثار تساؤلات عن مدى جدية الأخير في إنهاء التعذيب في مراكز الاعتقال والسجون العراقية.

وتعتبر خطوة السوداني الأولى من نوعها لرئيس وزراء عراقي يقر بوجود تعذيب وانتزاع الاعترافات بالإكراه أثناء التحقيق، علما بأنه كان وزيرا لحقوق الإنسان في عهد نوري المالكي (2010 وحتى 2014)، ما يجعله مطلعا بشكل كامل على ما يجري من تعذيب في مراكز الاحتجاز والسجون العراقية.

وقال مكتبه الإعلامي، الجمعة، إنه "لأهمية توفير جميع الضمانات القانونية للمتهم أثناء مراحل التحقيق، ومنها عدم انتزاع الاعترافات منه بالإكراه أو قسرا، وفقا لما جاء بالدستور، فإننا نهيب بمن تعرض لأي صورة من صور التعذيب، أو الانتزاع القسري للاعترافات، تقديم شكواه إلى مستشار رئيس مجلس الوزراء لحقوق الإنسان، معززةً بالأدلة الثبوتية"، فيما خصص عناوين الاتصالات بهدف تلقي البلاغات.

"ليست جدية"

من جهته، قال عمر الفرحان رئيس مركز "توثيق جرائم الحرب" في العراق لـ"عربي21" إن "الخطوة متأخرة وإن كانت جادة في بعض المعطيات، لكننا خلال السنوات التي سبقت حقبة السوداني لم نرَ أي دليل لتعاطي الحكومات مع هذه الملفات بل إنه زاد التعذيب في السجون العراقية على قدم وساق".

وأضاف الفرحان أن "السوداني عندما كان وزيرا لحقوق الإنسان كانت هناك الكثير من الشكاوى بخصوص عمليات تعذيب واسعة النطاق في السجون الحكومية، وحتى اللحظة لم تفتح أي جهة حكومية ملف التعذيب ولم تقم بأي إجراءات، ولا سيما أن تعذيب المعتقلين هو عملية ممنهجة بالعراق".

ورأى الفرحان أن "القرار الذي أصدره السوداني مؤخرا قد يشمل فقط مرحلة احتجاجات تشرين من عام 2019 وحتى 2020، ولا تتضمن المرحلة التي سبقتها ولا التي أعقبتها، لذلك تردنا حتى اليوم الكثير من المعلومات عن وجود حالات تعذيب في السجون".

وأشار إلى أن "بريد المخصص من مكتب السوداني يتلقى الشكاوى من الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب فقط، ولم يفتح الباب على مصراعيه بالسماح للمنظمات المحلية في تقديم شكاوى إلى رئيس الوزراء، لأنه يعلم أن هناك حالات كثيرة في الحكومات التي سبقت حكومته، لذلك فستكون هناك ملفات كثيرة وكبيرة بخصوص التعذيب".

وأكد الفرحان أن "حصر حالات شكاوى التعذيب في مرحلة احتجاجات تشرين جعل المساحة ضيقة في التعاطي مع ملف التعذيب، لذلك نقول إنه ليس هناك جدية لهذه الحكومة بخصوص قضايا حقوق الإنسان من أجل إغلاق هذه الملفات بالشكل الصحيح وفق منهج القانون".

وأوضح أن "الملفات التي وصلت إلينا تصل إلى أكثر من 100 ملف تخص حالات تعذيب خلال المدة الماضية، ومن ضمنها حالات تتعلق بناشطي حراك تشرين، وأننا قدمنا البعض منها إلى الأمم المتحدة ولكن للأسف لم يكن هناك تجاوب منها في تحريك أجهزتها لوقف حالات التعذيب هذه".

ونوه الفرحان إلى أن "عدد المعتقلين المتواجدين حاليا في السجون العراقية قد يصل إلى 75 ألف معتقل، من بينهم 10 آلاف امرأة، وكذلك هناك معتقلون من الأحداث والقصّر، وأن 90 بالمئة منهم تعرضوا للتعذيب وأكرهوا على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها".

"بعد سياسي"

وعلى الصعيد ذاته، رأى الخبير القانوني العراقي أمير الدعمي أن "قرار السوداني يحمل وجهين، الأول نأخذه من مبدأ حسن النية، أن الحكومة تعتزم إعادة محاكمة كل من تعرض للتعذيب، رغم وجود طرق قانونية رسمها القانون عن طريق أصول المحاكمات الجزائية تقضي بإعادة المحاكمة إذا ثبت التعذيب، وهذه تتم بالطرق القضائية أو التشريعية عن طريق البرلمان".

وأضاف الدعمي لـ"عربي21": "أما الوجهة الثاني، فإن القرار قد يكون له طابع سياسي، لأن هناك نية لدى الأوساط السياسية للطعن في لجنة الأمر الديواني رقم 29، والمعروفة محليا بلجنة "أبو رغيف" أو لجنة مكافحة الفساد التي شُكلت بعهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، والتي اعتقلت وحققت مع حيتان فساد، واستعادت منهم 8 مليارات دينار عراقي إلى خزينة الدولة".

ولفت إلى أن "الطابع السياسي في القرار هو إمكانية إعادة المحاكمات لهؤلاء حصرا، لأنه إذا أردنا أن نقول إن كل من تعرض للتعذيب هو مهيأ لإعادة المحاكمة، وبهذه الحالة قد تكون سابقة، فكان الأولى الذهاب إلى تشريع قانون بالبرلمان يتيح إعادة المحاكمة لكل من تعرض للتعذيب ويُثبت ذلك بالأدلة، أو العفو عنه على اعتبار أن اعترافاته انتزعت بالإكراه".

وخلص الخبير القانوني العراقي إلى أن "القرار يحمل طابعا سياسا أكثر منه قانونيا، باتجاه إنصاف المظلومين، لأنه لا يمكن استيعاب حالات التعذيب عبر عناوين بريد إلكتروني خصصت لهذا، وكيف يثبت الشخص أنه تعرض للتعذيب بهذه الحالة؟".

وفي السياق ذاته، قال الكاتب والصحفي العراقي القريب من قوى "الإطار التنسيقي" مازن الزيدي عبر حسابه في "تويتر" الجمعة إن "مكتب رئيس الوزراء يعلن استقبال شكاوى جميع من تعرض للتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان من الحكومة السابقة".

"مرهونة بالنتائج"

وفي المقابل، دعا مرصد "أفاد" المعني بمتابعة قضايا حقوق الإنسان في العراق إلى إعادة التحقيقات مع المعتقلين ونزلاء السجون العراقية لاسيما الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية تحت التعذيب أو الذين اعتقلوا بناء على وشاية المخبر السري، بحسب بيان صدر عنه الاثنين.

ورهن المرصد استقبال الحكومة الحالية شكاوى الذين انتزعت الاعترافات منهم بالقوة في السجون وخلال التحقيقات بالنتائج الأخيرة لتلك الخطوة، وحذر من استغلال هذا الأمر ليكون مخرجا لشخصيات أدينت في زمن حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ضمن ما تعرف بـ"لجنة أبو رغيف"، أو المتهمين باغتيال الناشطين والمتظاهرين.

ودعا "أفاد" المنظمات الحقوقية والإنسانية ونواب البرلمان في المدن الشمالية والغربية إلى فتح مكاتبهم واستقبال ذوي الضحايا وتمكينهم من تقديم شكاوى عبر المحاميين أو المتمكنين في صياغة تفاصيل الشكوى.

وطالب المرصد بإيضاحات حول كيفية تقديم ذوي الضحايا أدلتهم، أو السجناء الذين حكم عليهم زورا بسبب الاعترافات المنتزعة بالتعذيب، كما أنه دعا إلى تولي لجنة مستقلة ملف تلقي الشكاوى.

وشدد "أفاد" على ضرورة إشراك بعثة الأمم المتحدة على وجه التحديد في الإشراف على اللجنة التي ستتولى النظر بالشكاوى، وكذلك توضيح مصير ضحايا التعذيب بالصعق الكهربائي والخنق والابتزاز بالعرض والأهل، ومصير من لا يملكون أدلة مادية مثل الندوب أو الجروح جراء التعذيب.

وأردف المرصد بأن "القول في 90 بالمئة نسبة الذين جرى انتزاع اعترافات منهم تحت تعذيب شديد، قد تكون أقل في الواقع بكثير، إذ بات التعذيب أسلوب ونهج مراكز الشرطة ومقرات الجيش ومختلف الأجهزة الأمنية، لذا فإن العدل يقتضي تبني الحكومة مشروعا بإعادة محاكمة السجناء في ظروف عادلة وإنسانية وقانونية، وهو ما يوجب أن يتولى البرلمان حراكا حقيقيا منذ الآن لإنقاذ حياة عشرات آلاف المعتقلين الذين يقضون أحكاما غير عادلة بسبب التعذيب أو ما يعرف بالمخبر السري".
التعليقات (0)