هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا بُدّ وأنّ محبّي أفلام الرعب قد لاحظوا مؤخرًا التكرار
الذي تشهده أفلام الرعب في الآونة الأخيرة، وكيف أنّ قصص تلك الأفلام أصبحت مستهلكة
إلى حدّ كبير، ولهذا نجد أنّ هناك الكثير من الأفلام المتشابهة فيما بينها بدرجة كبيرة
ولا تختلفُ إلا في بعضِ التفاصيل البسيطة، حيث امتلأت الشاشة الكبيرة بحكايا القتلة
المتسلسلين، والبيوت المسكونة، وطرد الأرواح الشريرة، والاختطاف، والسحر والشعوذة وغيرها،
حتى أصبح المشاهدُ يتوقُ إلى حكاية رعب جديدة ومختلفة تبث شعور الخوف والإثارة في نفسه،
وتجعله يعيشُ تجربةً لا تُنسى.
عند مشاهدة إعلان فيلم "SMILE 2022"، ستشعرُ للوهلةِ الأولى بأنك ستشاهد عملًا
مختلفًا في عالم الرعب، والسبب في جعلكَ تظنّ ذلك هو أنّ الشرّ مرتبطٌ في هذا العمل
بأكثر فعلٍ بشريّ يبعثُ الدفء والأمان لدى الآخرين، وهو الابتسامة، فكيف للابتسامة
أن تتحولَ إلى فعلٍ يفجّر الخوف والفزع في أعماقِ من يراها؟ وما هو الشيء الذي يربطُ
بين الشرّ والابتسامة؟
بالطبع للابتسامةِ أسباب عديدة، كالسعادة، والثقة، والحب،
والمجاملة، والسخرية أو بث الطمأنينة في نفس الطرف الآخر، لكن في فيلم "Smile" تظهر الابتسامة كأكثر شيءٍ مرعبٍ قد تراه
عيناك، إنها تأتي بصفة الشرّ الذي يترصّد لك وسيصيبك بلعنةٍ تنتهي بك إلى قتلِ نفسِك!
وحكاية الفيلم باختصار، تدور حول الطبيبة النفسية روز، حيث
تواجه روز موقفًا صادمًا في عملها وهو انتحار إحدى مريضاتِها أمامَها، لكنّ الجزء الأكثر
رعبا بالنسبةِ لها كان تلك الابتسامة التي على وجهِ المريضةِ المنتحرَة، والتي كانت
قد أخبرت "روز" بأنها تراها في خيالاتها، وبأنها من أكثر الابتسامات شرّا
وتنذرُ بالسوء، وما تلبث الفتاةُ إلا أن تصرخ وتقع أرضا وسط دهشة الطبيبة التي ظنّت
الأمرَ مجرد وهمٍ أو نوبةٍ نفسيّة حادة، لتبتسمَ المريضةُ بعد ذلك نفسَ الابتسامة المرعبة
التي كانت تصفُها منذ قليل، وتقطع عنقها بأداةٍ حادة أمام عيني روز!
ويعرضُ الفيلم المغامرة التي تخوضها روز بعد أن تُصاب بذاتِ
اللعنة، والتي تتمثلُ بالهلوساتِ والكوابيس المرعبة، والأدهى أنها لم تعد تُفرق بينها
وبين الواقع، ومع ذلك تقرر أن تبحث عن كُنهِ هذا الشيء، وكيف أصابتها تلك اللعنة وما
هو سبيل الخلاصِ منها، كل ذلك وسط اتهامِها بالجنون أو المبالغةِ بشعورِها بالذنب تجاه
تلك المريضة، وقد عزت طبيبتُها النفسية السبب إلى تعرّض روز لصدمةٍ في طفولتِها إثر
انتحارِ والدتِها، وقد أعاد مشهدُ انتحارِ تلك الفتاةِ ذلك الحدث القديمَ إلى الواجهة.
يضعُ الفيلم المشاهد في منطقةٍ وسطية ما بين الوهمِ والحقيقة،
فلا يدري فيما إن كانت كل تلك الكوارث المرعبة التي تحدث مع الضحايا بشكل عام والبطلة
بشكل خاص حقيقيّة، أم أنها تنبعُ من الموقف الصادمِ الذي تعرضوا له، وأثرت بشكل مبالغ
فيه على أذهانهم، إذ إنه وبذات الوحشية التي تتسمُ بها الطرق التي ينتحرُ بها الضحايا
المصدومين يكون التأثير على حياة الشاهد على حادثة الانتحار، إذ تتركه في حالة من الذهول،
وقد تغوص في أعماقه وتجعله يستحضرُ من مخزون ذكرياته أكثر المواقف إيلاما بالنسبة إليه،
وهو ما حدث مع روز التي ظلت تهلوس بذكرى أمها المنتحرة.
والدكتور الذي ظل يذكر أخاه المتوفى ويراه في نومه ويقظته
قبل انتحاره بأيام، بالإضافة إلى الفتاة التي كانت تتحدث عن مدى تأثرها بموت جدها وبأنها
أصبحت تراه مؤخرا، وغيرهم.
وقد كان المشهد الختامي لمواجهة روز لذلك الوحش المبتسم هو
المثير الأكبر لذلك التساؤل، حيث قال لها بأنها لن تستطيع الخلاص منه لأنه موجود في
عقلها أصلا، ولكنها ظلت تحاول جاهدة أن تقنع نفسها بأن ما تراه مجرد وهم، وهنا يتم
الخلط ما بين الرعب النفسي وخفايا العقل الباطن وشروره، وبين الرعب التقليدي الذي يدور
حول المخلوقات الخارقة للطبيعة والأرواح الشريرة، في مزيج ذكي ومُحير لا يمنحك الإجابة
النهائية عن السؤال الفلسفي الكبير: ما هو الوهم؟ وما هي الحقيقة؟
لكن في خضم الرعب والتساؤلات، لم تغفل الحكاية الجانب الدرامي
والإنساني، حيث لمحت الحكاية لمدى تأثير صدمات الطفولة، وكيف يمكن للوالدين، أو أحدهما،
أن يتسبب بأنانية وانعدام مسؤولية بإحداث شرخ كبير يتفاقم فيما بعد وينفجر بأكثر الطرق
فظاعة وبشاعة.
كما تظهر لنا حكاية روز أن المواقف الصعبة التي تواجهنا تكشف
لنا عن معدن الأشخاص من حولنا، وتجعلنا نعيد تقييم دائرة علاقاتنا من جديد، فقد وجدت
البطلة نفسها وحيدة في مِحنَتها، واتهمها الأقربون بالجنونِ بدءا من شقيقتها، طبيبتِها
النفسية التي كانت تعتبرُها بمثابة صديقة لها، وانتهاء بخطيبها الذي تركها ولم يمد
لها يد المساعدة، بينما وقف إلى جانبها الرجل الذي هجرته سابقا، ولم يتركها حتى النهاية،
وربما يرتبط هذا الجانب بالفكرة الأساسية للفيلم، فالأشخاص الذين يتخلون عنك في شدتك
دون أن يلتفتوا إليك كانوا ذات يوم يضحكون مبتسمين في وجهك، لكنها ابتسامة ماكرة وخادعة
كتلك الابتسامة التي لم تلحق إلا الأذى بكل من رآها!