هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت وكالة
"بلومبيرغ" الأمريكية، الأربعاء، إن "صندوق الثروة السيادية"
القطري أودع مليار دولار لدى البنك المركزي المصري، في وقت تقترب فيه الدوحة من
صفقة للاستحواذ على حصص حكومية ببعض الشركات، في دولة تعاني أزمات اقتصادية ومالية
طاحنة، وتقوم بطرح العديد من أصولها السيادية للمستثمرين.
الوكالة، أكدت أن
"جهاز قطر للاستثمار"، الذي تبلغ أصوله 445 مليار دولار، نقل الأموال
وسط مناقشات بشأن استحواذه على حصص مملوكة للدولة في شركات مصرية، وفقا لأشخاص
مطلعين على الأمر.
إيداع المبلغ القطري في
البنك المركزي المصري يأتي بعد يوم واحد من خفض وكالة "فيتش للتصنيف
الائتماني" نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من "مستقرة" إلى
"سلبية"، مرجعة ذلك إلى "تدهور" وضع السيولة الخارجية للبلاد.
ويعاني الاقتصاد
المصري عجزا ماليا كبير، إذ إنه وفقا لبيانات البنك المركزي، فإن الدولة مطالبة
بدفع 43.6 مليار دولار خدمة للديون خلال عام 2023، فيما يبلغ حجم الاحتياطي من
النقد الأجنبي لدى البنك المركزي نحو 33.4 مليار دولار.
ما يدفع للتساؤل عن المليار دولار الجديدة التي أودعتها الدوحة بالبنك المركزي المصري، وهل هي وديعة
مماثلة لما أودعته في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، أم أنها مقدمة لاستثمارات
قطرية أو عربون لما سيجري عقده من صفقات من شركات مصرية مع جهاز قطر للاستثمار.
"دفعة
أولى"
وفي رؤيته، قال الخبير
الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب: "طبقا لتصريحات حكومة قطر، تم فتح
حساب لجهاز قطر للاستثمار، وإيداع مليار دولار دفعة أولى من 5 مليارات دولار، تم
التصريح سابقا بأنها تنوى استثمارها في مصر".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، قطع بأن "هذا المليار دولار ليس وديعة في المركزي
المصري، لكنه تحت بند الاستثمار القطري في مصر".
وألمح عبدالمطلب إلى
أنه "خلال أيلول/ سبتمبر الماضي، تم تداول مجموعة أخبار وتصريحات رسمية حول
عدد من الصفقات بين وزارة قطاع الأعمال المصرية وجهاز قطر للاستثمار".
وأشار إلى أنه
"من المتوقع أن يستحوذ جهاز قطر للاستثمار على نحو 10 بالمئة من حصة الحكومة في عدد من الشركات المصرية، منها (الشرقية للدخان)، و(الإسكندرية لتداول الحاويات)،
و(المصرية للاتصالات)".
"وديعة
مرسي"
وأودعت قطر سابقا عام
2012، وخلال عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، 2 مليار دولار في البنك المركزي المصري،
وهو المبلغ الذي جرى رده لاحقا إثر الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم مرسي، وكان
سببا في تدهور علاقات البلدين، وتوقف العديد من المشروعات القطرية بمصر.
تلك الحالة تأزمت أكثر
مع انضمام القاهرة للمقاطعة الخليجية للدوحة، مع السعودية والإمارات والبحرين،
منتصف عام 2017، وهو الموقف الذي جرى حله في قمة "العلا" السعودية فيما
عُرف بالمصالحة الخليجية في كانون الثاني/ يناير 2021.
منذ ذلك الحين، تحسنت
علاقات القاهرة والدوحة تدريجا، وجرى إعادة السفراء، كما التقى رئيس النظام
المصري عبدالفتاح السيسي أمير قطر تميم بن حمد، في عدة محافل دولية، ثم في عواصم
كلا البلدين، لتزال عقبات الاستثمار، وتعود الأموال القطرية لتنافس الاستثمارات
الإماراتية والسعودية في مصر.
وتعهدت قطر، في آذار/
مارس الماضي، باستثمار ما يصل إلى 5 مليارات دولار في الشركات المصرية، كجزء من
الجهود الخليجية لدعم الاقتصاد المصري، وتوفير موارد جديدة للعملات الأجنبية، في
وقت هرب فيه نحو 20 مليار دولار من أموال ساخنة من مصر.
وتتواصل الأنباء
الصحفية عن نوايا قطرية في الحصول على حصة من الطروحات المصرية لشركاتها، حيث أعلن
وزير المالية المصري محمد معيط، في وقت سابق من العام الجاري، عن طرح حصص 10 شركات
حكومية في البورصة في قطاعات متنوعة.
وفي إطار الاستثمارات
القطرية في مصر، أعلن جهاز قطر للاستثمار 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، نيته
الاستثمار بنحو مليار دولار في إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
اقرأ أيضا: قطر ومصر توقعان اتفاقيات لتوريد مواد أساسية لقطاع غزة
كما ينوي جهاز قطر
للاستثمار الاستثمار في البورصة المصرية، وسط اهتمام بشراء حصص في شركة الإسكندرية
لتداول الحاويات والشرقية للدخان.
وفي الوقت الذي تسعى
فيه الصناديق السيادية الإماراتية والسعودية للاستثمار في منطقة قناة السويس
الاقتصادية، وموانئ البحر الأحمر والمتوسط، تتطلع قطر للاستثمار في ميناء دمياط،
وفق ما نقلته نشرة "إنتربرايز"، 3 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
وهو الأمر الذي يثير
التكهنات حول ما قد يحدث من صراع قطري إماراتي بشكل خاص، حيث استحوذت "موانئ
دبي العالمية" و"موانئ أبوظبي" على العديد من محطات الحاويات
بالقرب من قناة السويس وعلى البحر الأحمر، بجانب ميناءي العين السخنة وسفاجا.
وفي تحد آخر أمام
الاستثمارات القطرية، وفي 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أكدت تقارير لوكالة
"بلومبيرغ" أن جهاز قطر للاستثمار يجري محادثات لشراء حصة قدرها 20
بالمئة بشركة "فودافون مصر"، مع حصص أخرى مملوكة للدولة بشركات غير
مدرجة، بنحو 2.5 مليار دولار.
وذلك بعد إعلان صندوق
أبوظبي السيادي وصندوق الاستثمارات السعودي نواياهما للاستحواذ على حصص الحكومة
المصرية في فودافون مصر، وفقا لنشرة إنتربرايز في أيلول/ سبتمبر الماضي.
"تشجيع
مصري"
من جانبها، تشجع
القاهرة القطريين للاستثمار، إذ شهد مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري اجتماع
رئيس الهيئة العامة للاستثمار محمد عبدالوهاب برابطة رجال الأعمال القطريين، الذين
أعلنوا اهتمامهم بقطاعي الصحة والتعليم، وإنشاء فنادق كبرى، بالدلتا وشمال الصعيد.
وعرض وزير قطاع
الأعمال العام، محمود عصمت، على وفد رابطة رجال الأعمال القطريين، الفرص
الاستثمارية بقطاعات الأدوية والصناعات المعدنية والكيماوية ومشروعات سياحية
وفندقية، إلى جانب تنمية وتطوير بعض الأصول العقارية.
بل إن الأمر اتخذ منحى
أكبر بلقاء السيسي، في 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ممثلي رابطة رجال الأعمال
القطريين، الذي أكد حرص مصر على تطوير علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري مع
مجتمع رجال الأعمال والشركات القطرية.
"إثبات
معنوي"
من جانبه، قال الخبير
الاقتصادي، الدكتور علاء السيد، إن "قطر تثبت دوما أنها تقف مع شعب مصر أيا
كان النظام القائم، وتثبت أيضا ثبات مواقفها تجاه الأشقاء، رغم المهاترات
والتجاوزات التي مارسها النظام بمصر وإعلامه الموجه وخارجيته وقضائه ومخابراته ضد
النظام القطري إرضاء للكفيل الإماراتي".
ومع ذلك، فإن استشاري
تمويل وتطوير المشروعات والأوقاف الاستثمارية أكد لـ"عربي21"، أن
"هذا المبلغ الضئيل جدا للوديعة لا يمثل سوى إثبات معنوي لما تقدم، رغم تأكد
قطر والخليج والعالم من فشل النظام المصري في إدارة الأزمة الاقتصادية".
وأضاف: "ومعرفة
الجميع بعدم وجود أي رؤية لدى النظام لإصلاح حقيقي، وإعادة هيكلة جادة للاقتصاد،
وخطة استراتيجية واضحة لإنقاذ مصر من مستنقع الديون الذي تسببت فيه الحكومات
المتعاقبة منذ 2013 حتى اليوم".
وبشأن استحواذ قطر على
بعض الشركات والأصول المصرية، يرى رئيس الأكاديمية المصرفية الدولية أن "هذا
يأتي ضمن تصفية الحسابات القديمة، وسدادا للمواقف الداعمة للاقتصاد المصري وللجنيه، واستلام حصة قطر من كعكة التفريط بأصول مصر التي يوزعها صندوق مصر السيادي دون إذن
المالك الحقيقي (الشعب)".
وتابع: "كما يأتي
بعد التلاعب بالدستور والقانون، وتحصين قرارات الشخص الذي اغتصب أموال الشعب
وأصوله اغتصابا، ونصب نفسه منفردا مالكا ومتصرفا فيها، دون رقيب ولا حسيب، في ظل
غياب الوعي المجتمعي، وشلل الحياة السياسية، وأسر كافة أطياف القوى الوطنية
والسياسية، وقتل ومطاردة الباقي".
"عشوائية
النظام"
وأكد السيد أن
"النظام للأسف مستمر في عشوائية الاقتراض للحصول على حصة الفساد المعتادة من
كل قرض، والدخول في مشروعات لا يحتاجها الاقتصاد، ولا تساهم بحلحلة الأزمة
الاقتصادية، ولا تحارب البطالة والتضخم، دون دراسة أصل المشكلة وأساس الأزمة، ودون
رؤية وتخطيط لإنقاذ مصر وشعبها".
وقال: "دليلي على
ذلك هو البروتوكولات الموقعة في قمة المناخ (كوب 27 في شرم الشيخ) مع عمان
والسعودية والإمارات، بـ4مليار دولار، لتمويل مشروعات توليد الطاقة الكهربائية من
الرياح وغيرها في دولة لديها فائض في إنتاج الكهرباء بنحو 20 بالمئة".
وأضاف السيد:
"إذن فهذه حكومة الاقتراض لأجل الاقتراض، والعمل بلا تخطيط، وكما قال أساتذة
الاقتصاد: (العمل بلا تخطيط تخطيط للفشل)".
وواصل: "نعم هي
مشروعات رائعة، لكن لماذا لم ننفذها بدلا عن توليد الكهرباء باستخدام المولدات، التي تعتمد على الغاز الطبيعي، ذات التأثيرات السلبية على المناخ؟ ولماذا توقفت
توربينات السد العالي التي كانت تولد الكهرباء من مصادر نظيفة التي تسمى الطاقة
الكهرومائية؟".
وتابع تساؤلاته:
"ثم لماذا لم نوجه بعض استثماراتنا لتطوير شبكات توزيع الكهرباء المهترئة في
البلاد، والتي لا تستطيع توزيع الكهرباء المنتجة والفائضة على المحافظات والمدن
والقرى والنجوع والأحياء، رغم الإنتاج المهول من الكهرباء وغير المستخدم، والذي
فشلت الحكومة لأسباب فنية في تصديره؟".
وختم قائلا:
"الجواب هو عشوائية إدارة الملف الاقتصادي والاستثماري، وانعدام الخبرة في
إدارة الأزمات".