يبدو أن كبرى شركات القطاع الخاص
المصرية تبحث
لنفسها عن موطئ قدم خارج البلاد، في ظل ما تعانيه من تراجع في أعمالها وفي ظل
سيطرة جهات سيادية على أغلب الأعمال وإسنادها بالأمر المباشر لشركات تابعة لها.
ومع تكرار شكواه من تغول القطاع الحكومي وشركات
الجيش على الأعمال في مصر، أعلن رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس 21 تشرين الأول/
أكتوبر الجاري، نيته الاستثمار في بناء محطات شحن
السيارات الكهربائية في المملكة
المغربية، وبعض دول أفريقيا.
ولأن سوق المغرب يشهد رواجا غير مسبوق في صناعة
السيارات ويستعد لبناء مصنع لبطاريات المركبات الكهربائية، أوضح الرئيس التنفيذي
لشركة "أوراسكوم للاستثمار"، أنه على استعداد لضخ 100 مليون دولار في
المغرب كاستثمار أولي بمحطات الشحن.
كما أعرب عن استعداده الاستثمار في قطاع الطاقة
الشمسية البديلة، والتي توليها المغرب اهتماما كبيرا، إلى جانب إقامة مشاريع
صناعات غذائية، مثل مصنع للسكر الذي يمتلك ويدير مثله في مصر، بالإضافة إلى قطاع
السياحة والفنادق، التي يبرع بها.
ساويرس، أثناء مشاركته بالمنتدى
الاقتصادي الأفريقي (Choiseul)
بالدار البيضاء، ذهب لأبعد من ذلك معلنا لموقع "الشرق مع بلومبيرغ"، عن
نيته الاستثمار بأفريقيا بمجال شحن السيارات الكهربية، معتبرا أنه المستقبل
الواعد، ومؤكدا وجود مفاوضات يعقدها مع عدة حكومات بهذا الإطار.
"حسن علام"
ولم يكن ساويرس، وحده الحريص على العمل في
المغرب، إذ بعدها بيومين، أعلنت شركة "حسن علام القابضة" المصرية توجهها
للاستثمار في المغرب لأول مرة، وأنها ترصد الفرص المتاحة في قطاعي الطاقة المتجددة
وتحلية مياه البحر، باستثمار أولي بين 50 و150 مليون دولار.
الرئيس التنفيذي للشركة، عمرو علام، قال
لـ"الشرق مع بلومبيرغ"، بالمنتدى الاقتصادي الأفريقي: "نرغب في
الاستثمار بالمغرب لأنه بلد مفتوح للأعمال، وجاهزون للاستثمار ولدينا شركاء دوليون
مستعدون للدخول معنا كمستثمرين".
"حسن علام" للاستثمار والمقاولات
التي تأسست عام 1936، لها سجل حافل من الأعمال في مصر، وتضع عينها على مشاريع
المغرب الواعدة في قطاع السيارات، والطاقة المتجددة من الرياح والشمس، وتحلية مياه
البحر.
"إمبراطورية الجيش"
وكان ساويرس، (67 عاما)، ثاني أغنياء مصر بثروة
تقدر بـ3.1 مليارات دولار، بعد أخيه ناصف ساويرس الأغنى مصريا بنحو 9 مليارات دولار،
وفق تصنيف مجلة "فوربس" الأمريكية، قد انتقد "إمبراطورية الجيش"
الاقتصادية في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، بحوار مع وكالة "الأنباء
الفرنسية".
وقال إن "تدخل الحكومة في القطاع الخاص
سيخلق منافسة غير متكافئة بين الشركات الخاصة والشركات التابعة للدولة أو
الجيش"، مضيفا: "يجب أن تكون الدولة جهة تنظيمية وليست مالكة للنشاط
الاقتصادي"، ويؤكد أن "الشركات المملوكة للحكومة أو للجيش لا تدفع
ضرائب".
ولفت إلى أن "المستثمرين الأجانب خائفون
بعض الشيء"، وقال: "أنا نفسي لا أخوض عروضا عندما أرى شركات حكومية إذ
إن ساحة اللعب لم تعد متكافئة".
وأشار تقرير للبنك الدولي في كانون
الأول/ ديسمبر 2020، إلى أن "الهيئات العسكرية تمثل نسبة كبيرة من جميع
الشركات المملوكة للدولة التي تنتج السلع الرأسمالية والسلع الاستهلاكية المعمّرة
والملابس والمواد والأطعمة والمشروبات والتبغ والسيارات ومكوناتها، علاوة على مبيع
التجزئة ووسائل الإعلام والترفيه وأشباه الموصلات ومعدات نظام النقل الذكي
والأجهزة والمعدات التكنولوجية".
"هروب واستثمار"
وفي تعليقه، قال الاستشاري الهندسي المصري
الدكتور ممدوح حمزة، إن الشركتين المصريتين العملاقتين لجأتا للاستثمار في المغرب
بهدف البحث عن فرص واعدة للاستثمار، وكذلك هروبا من السوق المصري الذي يعاني
ويسيطر عليه الجيش.
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن هدف
الشركتين هو "الاثنين معا (الاستثمار هناك والهروب من هنا)"، موضحا أنه
في مقابل الحالة المصرية فإن "المغرب وضعت مزايا ضخمة للمستثمرين".
"محدودة.. وواعدة"
الخبير الاقتصادي والمستشار الأممي السابق
الدكتور إبراهيم نوار، اتفق تماما مع حمزة، مؤكدا أن خطوات الشركتين تأتي لنفس
"الهدفين الاثنين"، (الاستثمار بالخارج والهروب من الداخل).
وقال لـ"عربي21"، إن "فرص
الاستثمار في مصر محدودة، بينما فرص الاستثمار في المغرب واعدة"، موضحا أنه
"بين (المحدودة) و(الواعدة) مسافة كبيرة جدا".
ولفت إلى ملاحظة هامة وهي أن "الشركتين
متجهتان للمغرب لأجل الاستثمار في صناعات المستقبل، وهي (السيارات الكهربائية)
و(الطاقة المتجددة)، ليس بالهدم والردم والرمل والزلط"، في إشارة لما يجري بمصر
من أعمال بناء وتشييد، دون التصنيع.
"لماذا المغرب لا مصر؟"
وعن أسباب لجوء الشركتين المصريتين للمغرب وعدم
تنفيذ نفس المشروعات في مصر، قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور علي
عبد العزيز، إنه "خلال عقدين من الزمان عززت المغرب مكانتها في صناعة السيارات".
وأوضح لـ"عربي21"، أن ذلك تم
"من خلال بنية تحتية قوية وعمالة مدربة ومناطق صناعية حرة وتخفيض تكاليف
الإنتاج بما يساهم في جذب
استثمارات عالمية في مجال السيارات".
وأضاف: "بالفعل وصل إنتاج المغرب من
السيارات خلال 2020 إلى 700 ألف سيارة، وبأرباح وصادرات بنحو 7 مليارات دولار، وفرت
180 ألف وظيفة".
وتابع: "ومع قرب المغرب من أوروبا فقد عزز
كل ما سبق زيادة شراكته الاستراتيجية مع أوروبا وأمريكا كمجال لتجارة السيارات
وفرصة للشركات العالمية بمجال صناعة السيارات، كمكان للتصنيع".
وواصل: "كما أن المغرب أصبحت الوجهة
الأولى للشركات الآسيوية وبالأخص الصينية، والتي تخطط لتوفير 85 مليون فرصة عمل في
أفريقيا من خلال قطاع صناعة السيارات".
ولفت إلى أن "التقارير تشير إلى أن المغرب
مؤهل لإنتاج مليون سيارة سنويا خلال المدى المتوسط، وأن المملكة تخطط من الآن
لرؤية استراتيجية حتى عام 2025، لزيادة حجم الاستثمارات في مجال السيارات وأنها
ستصبح مركزا عالميا لذلك".
وفي المقابل، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة
الأزهر: "نجد مصر دولة طاردة للاستثمارات المماثلة، بسبب فساد نظام الحكم،
ومنافسة الجيش للقطاع الخاص، وإهدار الثروة الدولارية على أوجه غير ذات أولوية، ما
سبب مشاكل كبيرة للشركات".
وأضاف: "كذلك تدخل الأجهزة الأمنية في عمل
الشركات من خلال فرض إتاوات وابتزاز أصحاب الشركات"، مشيرا إلى أن "هذا
ما نراه من ممارسات جهاز الأمن الوطني الذي يستغل سلطته في نهب ثروات الشعب".
وخلص للقول: "وبالتالي فإن النتيجة
المنطقية هي هروب الاستثمارات للمغرب، ولدول أفريقية أخرى أكثر استقرارا، ولديها
رؤية تعزز الاستثمارات لديها".
"يخدم مصر"
من جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي المصري
الدكتور عبد النبي عبد المطلب، أن "منهج تواجد الشركات المصرية في الأسواق
العربية والأفريقية هو منهج قديم".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى
"وجود نشاط ملحوظ لشركة المقاولون العرب (حكومية)، في عدة دول أفريقية، ومنها
إثيوبيا ونيجيريا، إضافة إلى كينيا وأوغندا".
وقال: "لذلك فليس من المستغرب بحث ساويرس،
أو شركة حسن علام، عن استثمارات خارج الحدود"، ملمحا إلى أن "هذا التوجه
يخدم خطة إعادة مصر لدورها الرائد في القارة".
وأكد أن "وجود الشركات المصرية في صناعة
بطاريات السيارات الكهربائية بالمغرب، أو المساهمة بإنشاء مصانع متنوعة سيقوي موقف
مصر داخل هذه الدول".
"أزمة مصر"
ويعاني الاقتصاد المصري من أزمات مزمنة، ضاعف
منها توجه رئيس النظام عبد الفتاح السيسي نحو إنشاء مشروعات إنشائية غير منتجة أو
تصنيعية، والصرف على مشروعات مثل تفريعة قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة،
ومدينة العلمين، والجلالة، وغيرها.
فضلا عن توجه حكومات السيسي، للاقتراض من صندوق
النقد والبنك الدوليين، إلى جانب مؤسسات مالية دولية عديدة مقرضة، ما تسبب في تفاقم
حجم الديون المصرية، لحدود 160 مليار دولار، وتزايد أزمة الدولار في البلاد بسبب
حلول العديد من الأقساط والفوائد وخدمة الدين.
وهي الحالة التي أوصلت الحكومة المصرية لتوجه
آخر ببيع الأصول والشركات المصرية الرابحة، لمستثمرين أجانب، والضغط على القطاع
الخاص، الذي يعاني من عجز في توفير العملات الصعبة اللازمة لاستيراد الخامات وقطع
الغيار، ما تسبب في توقف آلاف المصانع، بحسب تصريحات رسمية.
وعلى الجانب الآخر، أعلنت المغرب، في آب/ أغسطس
الماضي، توقيع اتفاقية لبناء مصنع لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية بأراضيها،
في صفقة تصل إلى 2 مليار دولار.
وذلك بعد أن أنشأت مناطق صناعية حرة للسيارات
جعلت لديها خبرة فنية، وبنية تؤهلها لإنتاج مليون سيارة سنويا، وتعفي المستثمر
الأجنبي من الضرائب والجمارك 5 سنوات.
وتعمل شركات عالمية بالمغرب في صناعة السيارات
منها "رينو"، و"نيسان"، في شراكة ثنائية، و"بيجو"،
و"ستروين" بمصنع تابع لمجموعة (PSA)،
بجانب استثمار علامة "بي واي دي" الصينية بمصنع للسيارات الكهربائية
بالمملكة.