انطباعات طوباوية
يردد
الناس غالبا تعابيرَ لا يعرفون محتواها ودوافعها وما هي حيثياتها وأطرها وما يتعلق
بها من منهج؛ يقدسون ما ليس بمقدس، يسألون هل شعبنا لا يصلح للديمقراطية؟ لِمَ
تختلط المصلحة العامة مع المصلحة الشخصية؟ وهل ينبغي أن يكون هنالك فرق فعلا؟!
فهم الناس أن
المصلحة العامة من
القيم المجتمعية كأيديولوجيا رسخت عبر ترديد الشعارات، ففقدت
أصل الفكرة والموضوع وأضحت كقيمة بدل أن تكون آلية في نظام دولة، أو آلية تتبع
قيمة أخلاقية تستند إلى مقدس.
ما هي الدوافع في المصلحة الشخصية؟
الإنسان هو ثنائي
التكوين، هنالك حاجات وغرائز للجسد، وهنالك قيم تقود التفكير وتقدير الحياة وما
يستجد فيها أو ما يسير عليها من ناس وقوانين، فالآدمي لديه غرائز وحاجات تمثل
دوافع جسدية وتطلعات تشغل التفكير بشكل عام، وتكون حاكمة ما لم تنظم بقانون أو
قيمة أخلاقية.
فهم الناس أن المصلحة العامة من القيم المجتمعية كأيديولوجيا رسخت عبر ترديد الشعارات، ففقدت أصل الفكرة والموضوع وأضحت كقيمة بدل أن تكون آلية في نظام دولة، أو آلية تتبع قيمة أخلاقية تستند إلى مقدس
هو يحب التملك
ولا يتوقف أبدا للاكتفاء ما دامت الغريزة لا تتضارب مع غريزة أقوى، أو تتقاطع
معها، تحب السلطة والسيادة، وهي لا تتوقف عند حد بل هي تستمر ليتوحد الإنسان معها
بدرجات تتعاظم، وهي تغوص بالنفس الآدمية إلى الحضيض، لترفض أن تناقش وترى وجوب أن
يستمع لها الآخرون، ثم تعتبر نفسها منزهة، ثم عندما لا تحتمل النفس الوقوف لوحدها
تسند وجودها وسلطتها إلى الإرادة الإلهية والضرورة التاريخية. هذه الغريزة يمكن أن
توقف حب التملك، لكنها تسخّر كل الغرائز، في حين أن غريزة التدين هي الغريزة
الحاكمة العليا لكنها تسخَّر في مرحلة ما لحب السيادة لأن حب السيادة يلتصق بالأنا.
المصلحة هذه تذهب
للطغيان، فيرى الغافل بها أنها مصلحة يجب أن تسند من الناس دون مقابل، بل إسنادها
واجب وهو العمل الاجتماعي والوطني الصحيح. أما إن كان هذا الغافل صاحب قرار كرئيس
دولة أو جيش، فإنه عندها سيجبر الناس على تحقيقها، بل يعتبر وعوده السابقة لتعاظم
هيمنة غريزته لم تحصل؟ فهو أكبر من أن يختار للوعود وإنما لذاته، واستحقاقه كإنسان
فريد خلق من أجل تصحيح مسار كوني، والكون ينبغي أن يتعامل معه ولا قوة أعظم منه.
أما إن كان ذا
نفوذ فهو يتعاظم في طغيانه ما دام لا يتعرض إلى سلطة القانون أو تنفيذ فقرات
القانون عليه، وبالتالي تحده غريزة البقاء، وأحد معاملاتها هو الخوف من فقدان ما لديه.
أصل المعنى للمصلحة:
نُقلت لنا
المصطلحات هذه مع الاحتلال القديم، فجيء بنظام دولة منقوص، وأثيرت
النفعية بلا
دولة فكانت النفعية بغياب السلطة أو الهيمنة عليها هي المصلحة العامة والمصلحة
الشخصية في ذات الوقت. وتتعاظم أعداد المنتفعين بتناسب عكسي مع سلطة
الدولة، فكلما
ضعفت الدولة وآلياتها زادت أعداد المنتفعين بل وسائل الانتفاع، التي تزيد المجتمع
تفككا، وتضعف الدولة فيتوسع الانهيار القيمي أو بقاياه، خصوصا عندما تصبح القيم
التي يطرحها الدين مخترقة ومنتهكة ومبعثرة ومعطلة، ومنتقاة لدعم هيمنة الغرائز
وغياب المنظومة العقلية، ويزداد الهجوم والحاجز النفسي ضد القيم الدينية التي
ينبغي تفعيلها لتوقف مد التدهور في سلطة الغرائز بغياب الدولة ومطاطية وانتقائية
السلطات.
نُقلت لنا المصطلحات هذه مع الاحتلال القديم، فجيء بنظام دولة منقوص، وأثيرت النفعية بلا دولة فكانت النفعية بغياب السلطة أو الهيمنة عليها هي المصلحة العامة والمصلحة الشخصية في ذات الوقت. وتتعاظم أعداد المنتفعين بتناسب عكسي مع سلطة الدولة، فكلما ضعفت الدولة وآلياتها زادت أعداد المنتفعين بل وسائل الانتفاع، التي تزيد المجتمع تفككا، وتضعف الدولة فيتوسع الانهيار القيمي
لكن ما يحصل عادة
من التفكير المتطرف أو ما يسمى الراديكالي، سواء العلماني في ظنه أنها فرصته
للحلول بلا رؤية ولا فكرة ولا قاعدة وإنما بطوباوية وصلت الخيال أقصاه إلى العماء،
أو راديكالية جاهلة لا تفهم الدين لتدعو إلى تطبيق النصوص بلا مقدمات ولا فهم
للواقع أو استقراء؛ فتجدها تنحرف بدوافع السلطة لتستعمرها الغرائز فتكون من عناصر
الفساد بل من أشد الفساد لأنه يأخذ الطابع المقدس ويحتمي شخصيا بغريزة التدين
واجتماعيا بالدين.. أن تتضارب الأفهام بالدين أو تتضارب الأفكار العلمانية في
البلاد التي تسيطر عليها العلمانية، ما بين يمين ويسار أو بين انشقاقات تقود إلى
الصراعات.
النفعية والدولة:
الدولة الحديثة
والتي أقيمت مع الثورة الصناعية في الغرب أو ما سمي بالنهضة، وهو في الحقيقة عصر
التنمية الاقتصادية لأصحاب رؤوس الأموال والتي تحولت عن الإقطاع ومن الزراعة كمهنة
إلى أن تكون أحد استثمارات المال كالصناعات، ولم تقم هذه على قيمة أخلاقية وإنما أقيمت
على النفعية، فكانت قاسية شديدة مع الحواضر التي احتلتها لتكون مصدرا للثروات سواء
المواد الخام أو كسوق مستهلك للإنتاج الصناعي والزراعي الرأسمالي. وهذه باقية حتى
عصرنا الحالي، حيث تعيش برفاهية دول كفرنسا على ما يسرق من القارة السوداء كما
يسمونها.
أصبحت المصلحة العامة مقترنة برؤية الحاكم وسلطته القاهرة، لهذا لا تجد ديمقراطية تنجح، لأن النظام والدولة ناقصة بمعناها، والأفراد يتعاملون مع تطلعاتهم وغرائزهم وحاجاتهم عند سقوط الحاكم أو ضعفه. وهنا يأتي نقد المتضرر الذي ينتقد لخسارته وليس انتصارا لقيمة مجهولة المعنى بأن هؤلاء يفضلون مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة
نفعية الدولة اقتضت نظاما كالذي
نراه محميا بالقانون الصارم، والذي يقتنع بأهميته المواطن الغربي نفسه، ولا ترى
التساهل فيه مع توفر لوازم هذا النظام من خدمات، لكن بالدرجة الأساس يخدم رأس
المال، لذا لا يبقى أغلب المواطنين منتظمين كحركة الساعة وعن قناعة إلا القانون،
لكن عند ضعف القانون تجد عناصر الإخفاق في النظام كأي مجموعة همجية في السلوك
والتصرف الفوري، لكن الدولة المستغلة للحواضر البعيدة منتظمة وملتزمة مع مجتمعها،
وهنا يظن البعض أن هنالك كيل بمكيالين، الحقيقة أنه مكيال واحد هو مكيال "النفعية".
ما معنى هذا لمجتمعنا؟
نحن مجتمع أحد
الحواضر لم تنقل لنا الدولة بمعناها، ولم نحتفظ بالقيم التي كانت تدعم مجتمعنا،
فحاكم أقيم، إنما أقيم من ضمن آلية الانتفاع ووكيل عن المحتل القديم للأرض كي لا
يتعامل المحتل مباشرة مع الجمهور، وغادر المحتل وبقي الوكلاء بنظام ليس من تركيبته
معنى الدولة الحديثة، واستمر تحطيم القيم الحارسة لمجتمعنا. ومن هنا أصبحت المصلحة
العامة مقترنة برؤية الحاكم وسلطته القاهرة، لهذا لا تجد ديمقراطية تنجح، لأن
النظام والدولة ناقصة بمعناها، والأفراد يتعاملون مع تطلعاتهم وغرائزهم وحاجاتهم
عند سقوط الحاكم أو ضعفه. وهنا يأتي نقد المتضرر الذي ينتقد لخسارته وليس انتصارا
لقيمة مجهولة المعنى بأن هؤلاء يفضلون مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة.
والمصلحة العامة في حقيقة الأمر مرتبطة بدولة، والدولة غير موجودة وإنما أناس
يسعون إلى مصالحهم.. وهكذا تكون الفوضى المنظمة بنظام الغرائز وحدود المصالح، لكن
لا دولة هناك.