هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في بداية عام 2014، تداولت وسائل الإعلام حول العالم صورة نشرتها الأمم المتحدة، تظهر حشودا كبيرة تخرج سيرا على الأقدام بين الأبنية المدمرة، بانتظار الحصول على المساعدات، ولا تزال تعد من أكثر الصور تعبيرا عن مآسي المدنيين في النزاع السوري.
الصورة كانت تجسد مأساة ومعاناة مخيم اليرموك الذي يختلف تماما عن تجمعات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى في سوريا. فهو لا يقتصر على اللاجئين الفلسطينيين فقط، بل يضم عددا كبيرا من السوريين الذين ينتسبون للطبقة الفقيرة، كما ويسمى عاصمة الشتات الفلسطيني؛ كونه أكبر تجمع لفلسطينيي الشتات.
يقع مخيم اليرموك في العاصمة السورية دمشق، ويقع على بعد 8 كيلومترات من وسط دمشق وداخل الحدود البلدية، إلا أنه كان خارج تلك الحدود عند تأسيسه في عام 1957.
كان يسكنه أكثر من 120 ألف لاجئ فلسطيني ينحدر معظمهم من قرى أقضية: الجليل، وقرى حيفا، وصفد، وطبرية، والناصرة، وعكا، والعديد من مدن وقرى فلسطين. وضم المخيم ما بين سوريين وفلسطينيين أكثر من نصف مليون مواطن.
ويعمل العديد من اللاجئين في المخيم كأطباء ومهندسين وموظفين مدنيين، ويعمل آخرون كعمالة مؤقتة وباعة متجولين. وبشكل عام في الوضع الطبيعي، تبدو ظروف المعيشة في المخيم أفضل بكثير من مخيمات لاجئي فلسطين الأخرى في سوريا.
وكان يوجد بالمخيم أربعة مستشفيات وعدد من العيادات التخصصية الخاصة ومدارس ثانوية حكومية وأكبر عدد من مدارس "الأونروا"، وترعى "الأونروا" مركزين لبرامج المرأة لتقديم الأنشطة الخارجية، كما يوجد في المخيم عدة مسارح.
مخيم اليرموك قبل الحرب في سوريا
وفي الأحداث التي شهدتها سوريا، كان المخيم ملجأ لكثير من أهالي ريف دمشق وأهالي أحياء العاصمة دمشق التي تعرضت للقصف، وبقي المخيم آنذاك هادئا نسبيا وبعيدا عن التوترات.
لكن مع اشتداد المعارك في عام 2012، أصبح مخيم اليرموك مسرحا للقتال المكثف بين الجيش السوري الحر الذي تأسس بعد الأحداث، وبين مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، المدعوم من الجيش السوري الرسمي.
وفيما بعد، استولت على المخيم عدة فصائل وفرض حصار على المخيم ومنعت عنه الإمدادات، مما أدى إلى انتشار الجوع والأمراض ومعدل الوفيات المرتفع، مما تسبب في مغادرة الكثيرين للمخيم، وانخفض عدد سكان المخيم إلى 20 ألف شخص فقط.
وفي عام 2015، اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) معظم مخيم اليرموك، مما أثار اشتباكات مسلحة مع المليشيا الفلسطينية أكناف بيت المقدس، وبعد قتال عنيف في عام 2018، استولت قوات الحكومة السورية على المخيم.
وكانت مجوعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا اتهمت النظام السوري بإخفاء أكثر من 1700 معتقل فلسطيني قسرا وتعذيبهم، وقالت؛ إن من بينهم أطفالا ونساء وكبارا في السن، وأن 558 ضحية من اللاجئين الفلسطينيين قضوا تحت التعذيب. ووثقت مقتل 3894 ضحية من اللاجئين الفلسطينيين السوريين في أماكن مختلفة في سوريا منذ عام 2011.
ولاحقا، أعلن نائب وزير الخارجية السوري آنذاك فيصل المقداد، أنه بات مسموحا عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى المخيم، وأن السلطات السورية أعدت خطة لإعادة جميع اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يقطنون في المخيم.
كما أعلن وقتها أن 40 في المئة من مساحة المخيم صالحة للسكن، و40 أخرى بحاجة إلى ترميم، و20 في المئة غير صالحة للسكن وتستدعي الهدم الكامل، وأن ترتيبات البنية التحتية لم تكتمل بشكل نهائي بعد.
وقال المتحدث باسم "أونروا"، كريس غانيس في حينها؛ إن "اليرموك اليوم غارق في الدمار، ويكاد لم يسلم أي منزل من الدمار"، مضيفا: "منظومة الصحة العامة، المياه، الكهرباء والخدمات الأساسية، كلها تضررت بشكل كبير". وتابع بأن "ركام النزاع عديم الرحمة منتشر في كل مكان. وفي أجواء مماثلة، من الصعب تخيل كيف يمكن للناس العودة".
وعلى أنقاض الحرب وبراثنها، تقوم جهود كبيرة لإزالة الركام وآثار الدمار، إذ تم إنجاز ما يقارب 90% من عملية إزالة الأنقاض من شارع 30 حتى شارع فلسطين، على أن تكون الوجهة القادمة هي منطقة حي التقدم وحي 8 آذار (دير ياسين).
حشود كبيرة تغادر مخيم اليرموك بين الأبنية المدمرة، بانتظار الحصول على المساعدات
وينتظر الأهالي تسارع العمل ليتمكنوا من العودة بسرعة؛ إذ إنهم لا يستطيعون العودة في الوقت الحالي، رغم سماح الدولة لهم بالعودة، بسبب عدم وجود الخدمات والبنى التحتية وانتشار الركام والأنقاض بشكل كبير، رغم تسجيل لجان الحي العديد من طلبات العودة.
لا يزال مخيم اليرموك يفتقر إلى المؤسسات الخدمية كالأفران ومراكز توزيع الغاز والمواد الاستهلاكية والغذائية، التي تعد من أهم متطلبات الحياة الطبيعية للسكان. ويضطر الأهالي المقيمون داخل المخيم لقطع مسافات طويلة للحصول على ما يحتاجون، في ظل انعدام المواصلات وسوء الطرق بسبب الركام والمستنقعات المائية الناتجة عن الحفر في الطرقات، التي سببها القصف الذي تعرض له المخيم إبان الحملة العسكرية، التي شنها الجيش السوري والقوات الروسية.
وتشرط دمشق على من يريد العودة للمخيم إثبات الملكية العقارية، وهو أمر شبه مستحيل؛ نظرا لفقدان الأغلبية لوثائقهم نتيجة الحرب، وجزء كبير من السكان السابقين للمخيم، هم خارج سوريا، ويصعب قدومهم في هذه الظروف، ما يهدد ممتلكاتهم.
ويرى ناشطون أن النظام اعتمد إجراءات ستؤدي في حال تطبيقها إلى طي صفحة مخيم اليرموك بشكل كامل، حيث يمكنه القانون رقم 10، الذي صدر عام 2018 من استملاك عقارات الغائبين دون تعويض، ما يهدد 60% من أملاك الفلسطينيين، بينما يسمح لـ 40% فقط من أهالي المخيم من العودة، بالإضافة إلى قرار الحكومة السورية بحل اللجنة المحلية لمخيم لليرموك وإتباعه لمحافظة دمشق، وأخيرا إصدار المخطط التنظيمي الجديد للمخيم.
ويخشى الفلسطينيون أن تندرج هذه خطوة في شطب مخيم اليرموك من الجغرافيا السورية، وأن تنسحب إلى مخيمات فلسطينية أخرى في داخل سوريا وخارجها.
من فلسطين إلى سوريا ومنها إلى بلاد العالم، عاش لاجئو مخيم اليرموك لجوءا ثالثا ومعاناة كبيرة، في رحلة البحث عن هوية ووطن يشعرون فيه بالأمان، ويكملون حياتهم فيه مثل باقي سكان الأرض، وفي ذهنهم دائما حلم العودة إلى وطنهم فلسطين.
المصادر
ـ "أونروا" عن مخيم اليرموك: غارق بالدمار والعودة له صعبة، عربي21، 23/5/2018.
ـ محمد أبو سبحة، مجلة "الأمة"، النظام السوري يسمح بعودة الفلسطينيين إلى مخيم اليرموك المدمر، 7/11/2018.
ـ مخيم اليرموك، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا).
ـ ليليان معروف، نكبة فلسطينيي مخيم اليرموك الثانية، موقع الميادين، 6/1/2022.
ـ عبدالله البشير، توفير خدمات في مخيم اليرموك: استجابة لشكاوى العائدين أم طمعا في المساعدات؟، العربي الجديد، 2/10/2022.
ـ طارق سليمان، رغم السماح للبعض بالعودة.. مخيم اليرموك واقع مزر وتعفيش مستمر بإشراف وحماية مخابرات أسد، أوربت نت، 31/8/2022.
ـ محمد صفية، مخيم اليرموك.. القصة الكاملة من التأسيس إلى التهديد بالتلاشي، قدس برس، 23/7/2020.