هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أظهرت
الاشتباكات التي دارت خلال الأيام الأخيرة بين فصائل تابعة لـ"الجيش الوطني"
السوري الذي شكلته المعارضة بدعم من الجانب التركي مدى تجذّر ظاهرة "الفصائلية"
بين الفصائل، التي فشلت رغم التجارب الطويلة بتشكيل حالة مؤسساتية عسكرية.
وصحيح
أن الاقتتال الأخير ليس الأول من نوعه، لكن انخراط أكثر من فصيل فيه، وتحييد فصائل
أخرى نفسها، دل بوضوح كبير على عدم وجود أي شكل من أشكال التنسيق بين الفصائل التي
يفترض أن تكون متقاربة في الأيديولوجيا، إلى الحد الذي تحالفت فيه بعض الفصائل مع
"هيئة تحرير الشام" ضد أخرى رغم الاختلاف الفكري الكبير.
وقبل
أيام نشب اقتتال بين "الفيلق الثالث" و"فرقة الحمزة" بسبب قضية
اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف "أبي غنوم" في الباب، وامتدت المواجهات
بين الفصائل إلى عفرين، ودخلت فيها فصائل أخرى، قبل أن تدخل "جبهة تحرير الشام"
على خط الصراع في عفرين.
وبحسب
العديد من المراقبين، فإن تمدد "تحرير الشام" إلى منطقة عمليات "غصن
الزيتون" يعد خسارة كبيرة لفصائل "الجيش الوطني".
والسؤال:
لماذا لم تنته الفصائل من حالة التشرذم، رغم المطالب الشعبية، ورغم وجود إطار مؤسساتي
(وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة)؟
جملة
أسباب
وفي
الوقت الذي رفض فيه المتحدث باسم "الجيش الوطني" التعليق لـ"عربي21"،
أرجع الباحث في "مركز الحوار السوري" الدكتور محمد سالم، استمرار ظاهرة
"الفصائلية" إلى أسباب كثيرة داخلية وخارجية.
ويوضح
لـ"عربي21" أن حرمان السوريين من العمل السياسي والجماعي لأكثر من 50 سنة
تحت حكم نظام ديكتاتوري، أدى إلى نمو الفردانية، وصعوبة العمل الجماعي وضعف الثقة بين
السوريين.
خارجياً،
حمّل سالم الأطراف الدولية الإقليمية والدولية الفاعلة في الشأن السوري مسؤولية عدم
تشكيل المعارضة لجيش موحد، وقال إن تلك الأطراف لم تدعم المبادرات التي سعت لتشكيل
كيان موحد، بل على العكس من ذلك، رسخت حالة الانقسام والفصائلية، بسبب دعم فصائل بما
يتناسب مع مصالحها.
مصالح
اقتصادية وحسابات مناطقية
من جانب
آخر، أشار سالم إلى تسبب العامل الاقتصادي في كثير من الاشتباكات التي دارت بين الفصائل،
قائلاً: "الصراع على المعابر مع النظام وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتركيا،
كان من بين أبرز أسباب جولات الاقتتال، خاصة أن المعابر تشكل مصدراً أساسياً لتمويل
الفصائل".
وإلى
جانب ذلك، أكد الباحث أن الانتماء المناطقي للفصائل أسهم كذلك في تصعيد الاقتتال، لأن
البعد الجغرافي لعب دوراً كبيراً في تشكيل الفصائل، فعلى سبيل المثال تتكون "الجبهة
الشامية" من أبناء مدن وبلدات ريف حلب الشمالي مثل إعزاز ومارع وتل رفعت، في حين
يشكل ريف مدينة الباب شرقي حلب النواة الصلبة لـ"فرقة الحمزة".
ويتفق
مع سالم، الباحث في مركز "جسور للدراسات" وائل علوان، ويتحدث عن أسباب أخرى
منعت انتقال الفصائل إلى تشكيل جيش مؤسساتي.
اقرأ أيضا: اشتباكات في "الباب" تعطل اتفاقا لوقف الاقتتال شمال سوريا
عدم
الإيمان بالمشاريع المطروحة
ويقول
علوان لـ"عربي21" إن هناك حالة من عدم اليقين لدى الفصائل في كل المشاريع
التي طرحت والمطروحة أي "الجيش الوطني" و"وزارة الدفاع" و"مجلس
قيادة عسكري موحد".
ويلفت
إلى أن كل هذه المشاريع لم تقم بالشكل الطبيعي، أي بدأت من الأعلى بدلاً من أسفل الهرم،
بعبارة أخرى فإنه لم يتم دمج الفصائل في أجسام حقيقية.
وأضاف
علوان أن هناك اختلافات بينية فضلاً عن الخلافات الفكرية التي حالت دون وجود بنية
مؤسساتية عسكرية في الثورة السورية.
وفي
منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، انتشرت معلومات عن توجه فصائل المعارضة نحو تشكيل
"مجلس قيادة عسكري موحد" في مناطق سيطرة هذه الفصائل في الشمال السوري، لضبط
الخلافات الفصائلية على النفوذ، وعلى الموارد المالية، وذلك بعد طرح مبادرة من شخصيات
ناشطة في الشأن السياسي، لكن الاقتتال الأخير أفشل ذلك.