هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد استقالة الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الفقيه المقاصدي المغربي، الدكتور أحمد الريسوني، نهاية آب/ أغسطس الماضي، على خلفية تصريحاته بشأن إقليم الصحراء المغربية، والتي أثارت ردود فعل ساخطة في الجزائر وموريتانيا، وما يجري من مداولات لترشيح من يخلفه في منصب الرئاسة، أُثيرت أسئلة حول تجربة الاتحاد تتمحور حول ما نجح في تحقيقه، وما الذي أخفق فيه.
وباستحضار خلفيات تأسيس الاتحاد، بإيجاد مؤسسة علمائية تمثل علماء الأمة الإسلامية، وتعمل بصفة مستقلة غير خاضعة للتوجيهات والأجندات الرسمية، يثور سؤال ملح عن ما إذا كان الاتحاد قد تمكن بالفعل من تقديم أنموذج مستقل ومؤثر، أم إنه ظل طوال مسيرته محكوما في توجهاته ومواقفه للجهات الممولة، بحسب منتقديه.
في هذا الإطار رأى رئيس منتدى الأمة في فلسطين، سيد بركة، أن الاتحاد في أدائه ومواقفه "محكوم بالجغرافيا السياسية، والمال السياسي"، مضيفا في تصريحات صحفية أن "العلماء والمثقفين وكل فئات المجتمع تزرع والسياسة تحصد، أنا يعنيني على المستوى السياسي أين تبنّى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قضية ونجح في التأثير فيها على المستوى السياسي لصالح قضايا التحرر ولصالح قضايا الأمة المصيرية".
وتقييما لمسيرة الاتحاد قال الأكاديمي المغربي، الباحث في الفكر الإسلامي، الدكتور أحمد الزقاقي: "لقد تضمن ميثاق الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كلاما جميلا عن الإسلام ورحمته وعدله وعالميته ووسطيته، وتضمن مبادئ سامية، ورسم أهدافا كبيرة، منها تجديد فهم الدين في حياة المسلمين، وبناء الوحدة الإسلامية، في عالم لم يعد يقبل بالكيانات الصغيرة".
أحمد الزقاقي.. كاتب وباحث مغربي
وأضاف أن "الغرب يزداد قوة وتنظيما، ويستغل المنظمات الدولية والأممية لفرض خياراته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويريد تحويل منظومة أفكارنا إلى ساحة مستباحة بعد تجريد المسلمين من كل أسباب الصمود والمقاومة، إلا أن الاتحاد في ميدان الممارسة هو غيره في ميدان التنظير".
وتابع في حديثه لـ"عربي21": "وهذا ما كشفته الأزمة التي يمر بها الاتحاد حاليا بعد الجدالات والسجالات التي خلفتها تصريحات رئيس الاتحاد المستقيل الدكتور أحمد الريسوني، ونقص الإسفاف الذي نزل إليه بعض (العلماء) من رصيد الاتحاد الأخلاقي، وأبرز الحاجة للقيام بمراجعات وتراجعات تستجيب لتحديات كثيرة".
ووفقا للأكاديمي المغربي الزقاقي فإن من أبرز تلك التحديات "تحدي الاستقلالية بأن ينأى الاتحاد عن سياسة المحاور العربية، ويفرق بين ضرورات الأنظمة وضرورات الشعوب، فلا يقحم نفسه في الخلافات بين الأنظمة ومعارضاتها.. وكذلك تحدي الانضباط والتريث بدءا بفقه شبكة العلاقات العربية والإسلامية المعقدة، وصولا إلى التمييز بين ما تقتضيه الوطنية وما يقتضيه واجب التحفظ للحفاظ على الوحدة".
وأردف بأنه "قد لوحظ إفراط الاتحاد في إصدار البيانات السياسية في سياق متابعة الأحداث التي كانت تتسارع إبان اندلاع ما سمي (ثورات الربيع العربي)، مضيفا "ومن التحديات الأخرى التي تواجه الاتحاد تحدي الاحتكام إلى الأساليب الديمقراطية بتوسيع الشوى والاستشارة، والبعد عن (الكولسة) التي كنت شاهدا عليها في أحد مؤتمرات الاتحاد".
وفي ما يتعلق بتمثيل جميع المسلمين في الاتحاد، لفت الزقاقي إلى أن "تحدي التمثيلية أحد التحديات التي تواجه الاتحاد، إذ يفترض فيه أن يعبر عن الإرادة العامة لجميع المسلمين، فلا يحابي مذهبا على مذهب، ولا جماعة على جماعة، ولا دولة على دولة".
وتابع: "وإذا كان (أهل السنة) يمثلون أصل الأمة وسوادها الأعظم فإن على هامشهم جماعة مسلمة من (أهل القبلة) وهم (الشيعة)، الذين كانوا ممثلين في الاتحاد عند تأسيسه من خلال شغل منصب نائب الرئيس، لكن سرعان ما وجهت الأحداث في سوريا ضربة قاتلة لهذا الانفتاح الذي يرجى استعادته خدمة لقضايا المسلمين في العالم، وسعيا لحل الكثير من خلافات الجوار العربي ـ الإيراني".
وشدد على ضرورة أن يقوم الاتحاد بواجبه العلمي، والذي منه "ترسيخه للفقه السياسي الإسلامي الأصيل الذي يقوم على حرية الاختيار، لتجاوز الفقه السياسي الإسلامي الذي طرأ بعد الانقلاب على الخلافة الراشدة لصالح الملك العضوض، واتسم بمصادرة حق الأمة في مصادرة حقها في اختيار من يحكمها، وكل سعي علمائي من داخل الاتحاد يتجه إلى ترميم بنيان الأنظمة المستبدة يسهم في تشويش الرؤية، وفي التباس الأحوال على المسلمين" على حد قوله.
من جهته رأى الأكاديمي والباحث الموريتاني، الدكتور محمد المختار الشنقيطي أن الاتحاد "فرَّط كثيرا في رسالته العلمية والإرشادية، وانشغل بإصدار بيانات سياسية يحسنها العالم والجاهل، ويتقنها الناشط والسياسي والإعلامي أكثر مما يتقنها الفقيه".
محمد المختار الشنقيطي.. كاتب وأستاذ جامعي موريتاني
وأضاف: "ففي الوقت الذي تواجه الأمة موجات الإلحاد والعدمية والإباحية، أتوقع من الاتحاد الانخراط في العمل العلمي والفكري الرصين لمواجهة هذه الأدواء، وذلك بإصدار الكتب والمجلات العلمية، وتأسيس المؤسسات الإعلامية التي تعيد لشباب الأمة الثقة في عقائد الإسلام وقيمه التأسيسية، والاعتزاز بالإسلام عقيدة وشريعة ومصير ولاء وانتماء".
وتابع: "لكن ما أراه اليوم هو مؤسسة ضخمة راكدة، ينتمي إليها الآلاف من الفقهاء شكليا، ولا يصدر عنها سوى بيانات سياسية، أو تعزيات في أعضائها الراحلين، ولست أقصد أن يتخلى الاتحاد عن نصرة الشعوب وقضايا الأمة، على أن لا يشغله ذلك عن رسالته كمؤسسة علمائية علمية، فالتخصص مطلوب وهو الذي يقود إلى الإتقان".
وردا على سؤال حول خضوع الاتحاد في سياساته ومواقفه للمال السياسي، نفى الشنقيطي في تصريحاته لـ"عربي21" ذلك بشدة، وقال: "أعلم علم اليقين أن الاتحاد لا يملك إمكانات مالية، وليس صحيحا أنه أسير للمال السياسي، فليس لدى الاتحاد مال سياسي ولا مال غير سياسي، بل هو لا يكاد يقدر على تسديد إيجار مقره، أو تجهيز مكتب رئيسه".
وأردف قائلا "هو لا يشبه مؤسسات فقهية أخرى غارقة في أموال الثورة المضادة، لكن رسالة الفقهاء المسلمين لا تتوقف على الإمكانات المادية، فضلا عن أن الاتحاد بامتداداته العالمية يستطيع تنويع الدعم، واستثمار الفرص الكثيرة المهدرة، وأعتقد أن الاتحاد يحتاج قيادة قوية ورؤية استراتيجية أكثر مما يحتاج المال".
بدوره أشار الباحث المغربي المتخصص في العلوم الشرعية، مصطفى بن عمور إلى أن "حادثة استقالة رئيس الاتحاد، الدكتور أحمد الريسوني كشفت عن جانب مما ينتقده خصوم الاتحاد، وأنه متأثر بمحيطه السياسي والاقتصادي، ولا يستطيع حتى بعض أفراده، بل حتى رئيسه تجاوز تلك الخطوط الحمراء".
مصطفى بن عمور.. باحث مغربي في الفكر الإسلامي
وعن مدى استقلالية الاتحاد في سياساته ومواقفه، قال ابن عمور لـ"عربي21": "هناك سقف لا ينبغي المساس به أو خرقه، وهذا أمر لا مماراة فيه بحكم ما نعيشه جميعا حتى الهيئات التي ينتمي إليها منتقدو الاتحاد يخضعون لأسقف مرسومة ومحددة لا ينبغي تجاوزها.. ومن كان بيته من زجاج فلا يرمي الآخرين بالحجارة، فهذا أشبه ما يكون بنظام متحكم في جميع الهيئات الإسلامية وغير الإسلامية، فللجميع سقف لا يمكن تجاوزه".
ونبه في ختام حديثه إلى أن "الاتحاد رغم نشاطه في رمال متحركة سياسيا واقتصاديا، محليا وإقليميا ودوليا، لا يعني أنه لا يسرب مواقف معينة، عبر آليات متنوعة ممكنة، رغم اعتراض بعض الساسة المتحكمين عليها، بسبب تعدد أنشطته، وتوسع جغرافية علمائه".