في نهار
الخميس العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 1956، رصد أحد ضباط الجيش الأردني من سطح مركز
شرطة قلقيلية، حشودات لقوات
الاحتلال الإسرائيلي، وراء خط الهدنة من الجهة الشمالية
والغربية لمدينة قلقيلية.
كانت
تلك إرهاصات هجوم لجيش الاحتلال على المدينة، وفق تقرير لوكالة الأنباء
الفلسطينية
"وفا".
في التاسعة
مساء من اليوم ذاته، قطعت أسلاك الاتصالات عن المدينة، خاصة الاتصالات العسكرية بين
مركز الشرطة ومقر الحرس الوطني، الأمر الذي زاد شعور الأهالي والجيش العربي بأن هجوماً
وشيكاً ستنفذه قوات الاحتلال المحتشدة في المستوطنات القريبة.
وبحسب
كتاب "قلقيلية بين الأمس واليوم"، الذي يروي شهادت من عاصروا تلك المجزرة،
فإنه في الساعة العاشرة مساء من ذلك اليوم تسللت باتجاه قلقيلية من الجهة الشمالية
والغربية مفرزة من الجيش الإسرائيلي تقدر بكتيبة مشاة تساندها مدفعية ميدان، وبدأت بقصف مركز الشرطة شمال البلدة على طريق طولكرم.
بعد
الساعة الحادية عشرة ليلاً عادت كتيبة المشاة إلى المدينة بعد تمهيد مدفعي كثيف، إلا أن هجومها
فشل وتكبدت بعض الخسائر لاستبسال الأهالي والحرس الوطني والجيش الأردني بقيادة الضابط
خنفور سليمان.
وعند
منتصف الليل، عادت قوات الاحتلال للمرة الثالثة بكتيبة المشاة تحت حماية الدبابات،
بعد أن مهدت للهجوم بنيران المدفعية الميدانية، وهاجمت قلقيلية من ثلاثة اتجاهات (الشمالي
والغربي والشرقي) وتمكنت من الوصول إلى مركز الشرطة واحتلاله، ودارت معركة بين القوات
المهاجمة والمدافعين عن المركز، فاستشهد عدد من المدافعين وأفراد الحرس الوطني، وعدد
من أسرى مركز الشرطة، وذلك بعد نسفه على من فيه.
قائد
الهجوم على قلقيلية، الذي استهدف بالدرجة الأولى مركز الشرطة كان "آرييل شارون"،
الذي قاد مذبحة صبرا وشاتيلا في أيلول/ سبتمبر 1982.
وقتل
في معركة المركز 18 جنديا اسرائيليا بينهم، قائد القوات المهاجمة البريجادير جنرال
قائد سلاح المدرعات واسمه "بيرمي"، الذي أقام له الجنود بعد احتلال البلدة
عام 1967م، نصبا تذكاريا مكان مقتله في "تلة صوفين، إلا أن أهالي البلدة قاموا
بهدمه.
ويروي
محمد عبد الهادي طه (المعروف في قلقيلية بـ أبي نضال الميكانيكي، وكان يعمل ميكانيكيا
في قيادة الحرس الوطني في نابلس) أن وحدة من الجيش الأردني بقيادة محمد الخصاونة المتمركزة
في عزون، تحركت للمساعدة في التصدي للعدوان، لكنها اصطدمت بالألغام التي زرعتها قوات
الاحتلال المتسللة مسبقا فدُمِّرت بعض آلياتها. كما أن طائرات الاحتلال ضربت القوة
الأردنية المتقدمة بالقنابل، على الطريق بين قرية النبي إلياس وعزون شرقي قلقيلية مقابل
عزبة الطبيب، واستشهد عدد منهم وكان من بينهم ضابط المدفعية الأردني غازي الكباريتي.
وتحركت
قوات من الحرس الوطني من القيادة في نابلس، لنجدة السرية الموجودة في مركز قلقيلية.
وتوجهت الكتيبة التاسعة المتمركزة في سيلة الظهر بقيادة الضابط سلامة عتيق لنجدة الوحدات
العسكرية الأردنية المشتبكة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في قلقيلية. لكن غلوب باشا
قائد الجيش الأردني في ذلك الوقت، أصدر أوامره لهذه القوات بعدم التقدم، والانسحاب
إلى مواقعها، وطلب في الوقت ذاته من الوسيط الدولي التدخل لانسحاب إسرائيل إلى ما وراء
خطة الهدنة.
وكانت
المدفعية الأردنية، قد قصفت القوات المهاجمة وكبَّدتها بعض الخسائر، وقامت قرب عزون
معركة ثانية ومثلها في صوفين بظاهر قلقيلية الشرقي.
وقد
تمكن أحد المحاربين وهو علي الشنطي من إعطاب دبابة إسرائيلية بقذائف مدفعه من عيار
رطلين، الذي كان منصوبا بالقرب من دار الحداد شمالي مستشفى الوكالة، وكانت آخر امتداد
عمراني لقلقيلية في ذلك الوقت. واستبسل في المعركة أمين محمد الحداد، الذي صعد على
ظهر الدبابة الإسرائيلية وألقى فيها قنبلة يدوية.
ومع
إشراقة صباح اليوم التالي، انسحبت قوات الاحتلال من قلقيلية بعد أن عاثت في البلدة
تخريبا وتدميرا. حيث هدمت 41 بيتا ومسجدا وخزان مياه وقتلت عائلة كاملة هي عائلة عبد
المنعم قادوس المكونة من 12 فرداً.
واستشهد
في المعركة أكثر من 35 جنديا أردنيا، و21 من أهالي البلدة المدنيين.