هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية مقالًا تحدثت فيه عن دعوات لمقاطعة مونديال قطر واختيار بعض البلديات في فرنسا عدم بث المسابقة، وهو الأمر الذي سبب إزعاجًا في إمارة قطر الخليجية التي تستعد لتجربة "صدمة ثقافية" حقيقية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وقال بنيامين بارث، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن الدوحة بدأت بالعد التنازلي للأيام المتبقية قبل افتتاح كأس العالم في مزيج من الإثارة والتخوف؛ حيث يشعر القطريون بالفخر كونهم أول دولة عربية تستضيف هذا الحدث العالمي، إضافة للشعور بقلق واسع النطاق؛ لأنه من المنتظر وصول 1.5 مليون مشجع أجنبي، وهو عدد سيكون كبيرا وملاحظًا في الإمارة الصغيرة، التي يبلغ حجمها مثل حجم إيل دو فرانس، ويسكنها - حتى الآن - 2.9 مليون نسمة، 10 بالمئة منهم من السكان الأصليين و90 بالمئة من العمالة المهاجرة والمقيمة.
وأشار الكاتب إلى ما قاله مدير الطيران المدني القطري في بداية تموز/ يوليو الماضي، أنه يتوقع وصول 1600 رحلة طيران يوميًّا خلال الأيام الثلاثين للبطولة، وهو ما شكل صدمة كبيرة؛ إذ يقول أحد المصادر الذي تحدث رافضًا الكشف عن هويته خوفًا من غضب السلطات القطرية، إن هذا يعني طائرة كل 50 ثانية.. متمنيًا نجاح البطولة، لكنه تساءل عن مدى جاهزية الوسائل لاختبار كل هؤلاء الأشخاص بحثًا عن كوفيد، وعن القدرة على تنظيم تحركات الحشود وتجنب ازدحام المدينة.
"توقف عن تسييس كل شيء"
وأوضح الكاتب أن السكان، في الدوحة؛ يستقبلون الانتقادات المتدفقة من فرنسا، بشكل سيئ للغاية؛ حيث يقول مسؤول تنفيذي مصرفي، إنه يشعر بالإهانة ويعتقد أن 90 بالمئة من القطريين يشعرون بنفس الشعور، مضيفًا أنه من السهل إعطاء دروس أخلاقية من خلال الشعور بالفوقية؛ لكن بالنظر إلى المهاجرين الذين يموتون على شواطئ البحر الأبيض المتوسط؛ يتساءل المتحدث نفسه: هل هذه هي حقوق الإنسان في أوروبا؟ ألم يكن من الممكن إنقاذ هؤلاء الناس؟ وأكد أنه يتم التلاعب بأرقام الوفيات في مواقع البناء لتشويه سمعة قطر.
وشدد على أن البيانات الصحفية لمنظمات الشواذ من الجنسين؛ والتي تبدي قلقًا بشأن التمييز المحتمل ضد مؤيدي الشذوذ؛ تسبب أيضًا إزعاجًا، حيث يقول ذات المصرفي، إن قطر بلد مسلم، مع نظام قيم إسلامي، وعلى مشجعي كرة القدم احترام هذه القيم؛ وأن هذا ليس أمرا مبالغا في طلبه، وأضاف أنه يجب التوقف عن تسييس كل شيء فهذه مجرد مباريات كرة قدم. وفي النهاية حقوق المثليين، في الغرب، لم تظهر إلا في الآونة الأخيرة فقط.
وبحسب الكاتب؛ فإن المستوى المعيشي المرتفع في كثير من الأحيان يسمح للقطريين بالسفر بشكل متكرر إلى الخارج، وخاصة في فرنسا؛ والكثير منهم يظلون مرتبطين بشكل من أشكال المحافظة الاجتماعية والدينية؛ وقد تذمر رجل أعمال قطري، درس في فرنسا وما زال يحافظ على علاقاته فيها، من كون كل هذه القصص عن العمال وحقوق المثليين لا تصمد ولا تستمر؛ فبعض الفرنسيين ببساطة لا يبلعون ولا يوافقون على أن دولة عربية مسلمة يمكنها تنظيم كأس العالم؛ وأضاف أنه لم يُسمع شيء في كأس العالم التي أقيمت في روسيا سنة 2018؛ عندما كان جيش بوتين يقصف سوريا ويحتل بالفعل جزءًا من أوكرانيا.
اتهام "الإسلاموفوبيا"
وأكد الكاتب أن الاحتجاجات الفرنسية تفاجئ القطريين أكثر منذ أن عادت العلاقة بين البلدين؛ ويتابع رجل الأعمال كلامه قائلا إنه لا يقول إن قطر بلد مثالي؛ "فظروف عمل العمال الأجانب هي مشكلة حقيقية. ولكن هناك تركيز مفرط، وهو نتاج الإسلاموفوبيا التي تنقلها بعض وسائل الإعلام. ويجب على فرنسا إظهار المزيد من الاهتمام بالعالم العربي؛ فصورتها متدهورة للغاية".
وفي مقابلة أُجريت في منتصف أيلول/ سبتمبر مع صحيفة "لوبوان" الأسبوعية؛ كان أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، قد تحدث بحجة مماثلة؛ فمع اعترافه بالتوبيخ المشروع، الذي حاولت حكومته الرد عليه، وفقًا له، من خلال إصلاحات قانون العمل، فإنه أشار إلى فئة ثانية من الانتقادات؛ حيث قال إن الأشخاص الذين لا يقبلون أن دولة عربية مسلمة مثل قطر تستضيف كأس العالم؛ هؤلاء سيجدون أي عذر لتشويه سمعة البلاد.
"صراع الحضارات"
تحدث الكاتب عن صراع الحضارات الذي يلوح في الأفق؛ حيث يقول أحد المغتربين العرب، الذي يعيش في قطر، إنه بالنسبة للقطريين، فإن كأس العالم ستشكل مواجهة عنيفة حقيقيّة، مبينًا أن هذا أيضًا سيكون نفس الحال بالنسبة للزوار الأجانب؛ حيث إنهم سيكتشفون بلدًا استوعب في جيلين ما فعله الغرب في قرنين من الزمان. فالغربي العادي، المحشو بالأحكام المسبقة التي تغرسها صحافة معينة، سيأخذ صفعة على وجهه.
واختتم الكاتب تقريره بالحديث عن تشاد خان الذي لم يسمع عن الدعوات الفرنسية للمقاطعة الفرنسية؛ فهذا التاجر ذو الابتسامة اللطيفة، الذي يدير متجرًا صغيرًا للهدايا التذكارية في سوق واقف، القلب السياحي للدوحة؛ ينتمي إلى أكبر مجتمع في قطر: الهنود الذين يمثلون حوالي ربع السكان. وهو يكاد لا ينتظر لرؤية مشجعي كرة القدم يتدفقون عليه للتعويض عن عامين صعبين بسبب وباء كورونا.
اقرأ أيضا: فرنسا تمنع بث مونديال قطر في الأماكن العامة.. وانتقادات
ومع دخل يتراوح بين 3000 و6000 ريال قطري في الشهر؛ فإن تشاد خان جزء من الطبقة الوسطى المهاجرة، وهي شريحة من السكان غالبًا ما تمر دون أن يلاحظها أحد؛ حيث إن هناك القطريين الذين يعيشون أسلوب حياة مرفهًا من جهة، ومن جهة أخرى الطبقة العاملة في مواقع البناء غالبًا، والتي ينتمي أغلبها للنيباليين أو البنغاليين، وهم البائسون في الخليج، فيما يقول تشاد خان إنه اشترى تذاكر مباراة قطر الثانية التي ستكون ضد السنغال، مؤكدًا أنه يدعم المنتخب الوطني القطري؛ لأنه يعيش ويعمل في قطر التي أعطته كل شيء.