هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "وورلد سوشاليست" تقريرًا تحدث فيه عن الانفجارات القوية التي أصابت خطي أنابيب نورد ستريم 1 و2 اللذين ينقلان الغاز الطبيعي الروسي تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا؛ حيث تحولت عشرات المليارات من الدولارات في البنية التحتية الحيوية لتمويل الاقتصاد الروسي، وتزويد وتدفئة الاقتصاد الألماني والأوروبي إلى خراب.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن هذا الحدث يشير إلى تصعيد عسكري متهور؛ حيث صرح رئيس الوزراء الدنماركي ميت فريدريكسن أن الانفجارات كانت نتيجة "عمل متعمد" من قبل أطراف مجهولة.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الأوروبية اتهمت روسيا على الفور بقصف خطوط أنابيب نورد ستريم، إلا أن هذه الاتهامات تتداعى بسرعة.
وأضاف الموقع أنه حتى صحيفة نيويورك تايمز، التي عادة ما تكون مصدرًا للدعاية العدوانية المناهضة لروسيا، امتنعت عن إلقاء اللوم على موسكو في التفجير وأقرت بأنه "للوهلة الأولى، يبدو من غير المنطقي أن الكرملين سيضر بأصوله التي تقدر بمليارات الدولارات".
وبحسب الموقع؛ فقد أشار وزير الخارجية البولندي السابق راديك سيكورسكي في تغريدة على موقع تويتر إلى أن واشنطن كانت وراء التفجير قائلًا: "هناك 20 مليار دولار من الخردة المعدنية تقع في قاع البحر، وهي تكلفة أخرى لروسيا لقرارها الإجرامي بغزو أوكرانيا".
ولفت الموقع إلى أن الاتهامات بتورط روسيا في التفجيرات تفتقر إلى كل المصداقية وتصرف النظر عن الجاني الأكثر احتمالًا: الولايات المتحدة؛ حيث إن السؤال الأول الذي يجب أن يُطرح حول تفجير نورد ستريم هو: من المستفيد ومن لديه الدافع للقيام بذلك؟
اقرأ أيضا: هل تقف روسيا وراء تفجير خطي "نورد ستريم"؟
ووفقًا للموقع؛ لم يكن لروسيا أي دافع لتدمير خط أنابيب نورد ستريم؛ حيث امتلكت شركة غازبروم الروسية نصف خط الأنابيب، إلى جانب المساهمين الألمان والفرنسيين والهولنديين، وكان خط الأنابيب في قلب خطط موسكو لإعادة بناء العلاقات الاقتصادية مع أوروبا إذا انتهت الحرب مع الناتو في أوكرانيا.
ويبين الموقع أنه بالنسبة لواشنطن؛ قدم التفجير فائدتين: أولاً، في خضم التصعيد العسكري للناتو ضد روسيا في أوكرانيا، سيساعد ذلك في تأجيج المزيد من الدعاية الحربية المناهضة لروسيا. وثانيًا، من خلال جعل أوروبا أكثر اعتمادًا على واردات الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة لتحل محل الغاز الروسي، فإنها تتوافق مع هدف أمريكي رئيسي في حرب أوكرانيا منذ البداية: وضع أوروبا تحت سيطرة الولايات المتحدة بقوة أكبر. وقد ظهرت هذه الأهداف على نحو متزايد في العلن في السنوات الأخيرة.
وذكر الموقع أنه في 7 شباط/فبراير 2022، وبينما تصاعدت التهديدات الاقتصادية والعسكرية ضد الكرملين قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن المستشار الألماني أولاف شولتز إلى واشنطن لإجراء محادثات، وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع شولتز، تعهد بايدن بتدمير خط أنابيب نورد ستريم 2 قائلاً: "إذا قامت روسيا بالغزو، فلن يكون هناك نورد ستريم 2".
وعندما سُئل كيف سيفعل ذلك - لأن خط أنابيب نورد ستريم مملوك بشكل مشترك لروسيا وحلفاء ظاهريين في الناتو للولايات المتحدة - رفض بايدن الإجابة، وقال ببساطة: "أعدك؛ سنكون قادرين على القيام بذلك".
وأوضح الموقع أن حل البيروقراطية الستالينية للاتحاد السوفيتي في سنة 1991 لم يمهد الطريق أمام الناتو لشن حروب إمبريالية دموية من العراق ويوغوسلافيا إلى أفغانستان وليبيا وسوريا. فقد حرمت حلف الناتو من عدوه الرئيسي، الذي ساعد في توحيد الحلف، وفُتِحَتْ أوراسيا أمام الشركات الأمريكية والأوروبية الكبرى. واندلعت التوترات بين القوى الإمبريالية في الناتو؛ حيث تنافست على تقسيم غنائم الاقتصاد العالمي.
وأفاد الموقع بأن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان قد طالب برلين بإنهاء خط "نورد ستريم 2" بعد أن دعا إلى حشد عسكري للاتحاد الأوروبي وسياسة دفاعية مستقلة عن الناتو، فيما دعت المستشارة الألمانية آنذاك، أنجيلا ميركل، ألمانيا إلى "القتال من أجل مستقبلها"، ودعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الاتحاد الأوروبي إلى الاستعداد لمواجهة روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة.
اقرأ أيضا: تسرّب رابع للغاز بأنبوب "نورد ستريم".. وروسيا تعلق
ورفض مسؤولو الاتحاد الأوروبي دعوات ترامب لإنهاء خط "نورد ستريم 2"؛ حيث قال النائب الألماني رولف موتزينيتش إن هذه المطالب "تؤثر على الشركات الألمانية والأوروبية وتمثل تدخلًا في شؤوننا الداخلية. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي وألمانيا ليسا شريكين متحالفين مع ترامب، لكنهما تابعان خارجيان".
وكما ذكر الموقع؛ فتشير سياسة الولايات المتحدة تجاه أوروبا إلى تحذير ليون تروتسكي، منذ ما يقرب من قرن من الزمان، من أن "الولايات المتحدة ستفرض هيمنتها بشكل كامل في فترة الأزمة، وتكون أكثر انفتاحًا، وقسوة أكثر مما كانت عليه في فترة الازدهار".
وقد وصف تروتسكي خطط الإمبريالية الأمريكية لأوروبا بعد الحرب العالمية الأولى قائلًا إن الأسواق سوف تنقسم، وسينتظم نشاط الممولين والصناعيين الأوروبيين، وإذا أردنا تقديم إجابة واضحة ودقيقة حول ما تريده الإمبريالية الأمريكية، يجب أن نقول إنها تريد وضع أوروبا الرأسمالية على الحصص.
هذا يصف بإيجاز سياسة واشنطن اليوم؛ فهذه السنة؛ استغلت الغزو الروسي لأوكرانيا لتصعيد الحرب مع روسيا وقطع الطاقة عن الاتحاد الأوروبي الذي طالما سعت إليه، وقد كان تأثير ذلك على أوروبا مدمرا.
وتابع الموقع مبينًا أن ملايين العمال في أوروبا يواجهون احتمالية التجمد هذا الشتاء، في ظل ارتفاع أسعار الغاز عشرة أضعاف؛ حيث تستبدل أوروبا الغاز الروسي الرخيص المنقول عبر خطوط الأنابيب بالغاز الطبيعي الأمريكي المسال، كما تضخمت الأسعار بشكل كبير في ظل انخفاض قيمة العملات الأوروبية مقابل الدولار الأمريكي، الذي يرتفع مع زيادة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة.
وقد أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن شركات الصلب والكيماويات الأوروبية وغيرها من الشركات التي "تحول عملياتها إلى الولايات المتحدة، تجتذبها أسعار الطاقة الأكثر استقرارًا والدعم الحكومي القوي".
ولقد وافق إمبرياليو الاتحاد الأوروبي على ذلك؛ طالما أن الحرب لا تمثل سوى ذريعة لمواصلة تحويل المليارات لإعادة التسلح، وتهدف البرجوازية الألمانية بشكل خاص، بعد خسارتها حربين عالميتين، إلى الظهور مرة أخرى كقوة عسكرية رائدة في أوروبا، فقد دعا شولتز هذا الشهر ألمانيا إلى "أن تصبح ركيزة الدفاع التقليدي في أوروبا، وهي القوة الأفضل تجهيزًا في أوروبا" وطالب بمقعد ألماني في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وفي حين أنهت برلين رسميًا دعمها لخط "نورد ستريم 2" في أعقاب الغزو الروسي؛ فإنها تثير مسألة تجديد علاقات الطاقة مع روسيا، فقد دعت المستشارة الألمانية السابقة ميركل، هذا الأسبوع، إلى التفكير فيما "لا يمكن تصوره تمامًا في الوقت الحالي، أي كيف يمكن تعزيز العلاقات مع روسيا مرة أخرى".
واختتم الموقع التقرير بالتأكيد على أن هجوم خط "نورد ستريم" لا يمثل - بشكل عام - عملًا من أعمال الانتحار الاقتصادي والسياسي من قِبَل روسيا، ولكنه إشارة أرسلتها واشنطن إلى "حلفائها" في الاتحاد الأوروبي، تخبرهم فيها بأنه "بإمكانهم إعادة العسكرة، ولكن سيتم تحديد السياسة الطاقية والعسكرية وفقًا لشروطها"، وتوضح هذه النزاعات الأخطار الهائلة التي تواجه حشود العمال والشباب بينما يتأرجح حلف الناتو وروسيا على حافة نزاع عالمي شامل.